أراء وتحاليل

               أنا يقــــــــظ …

الدكتور خضري حمزة الدكتور خضري

حالة الفوضى العارمة التي تعرفها ليبيا، تزايد المد الإرهابي في تونس و الذي ظهر للعيان من خلال محاولة تنظيم داعش الإرهابي السيطرة على مدينة بن قردان، العمليات الإرهابية في بامكو، استفزازات المخزن على الحدود الشرقية، القضاء على إرهابيين خطيرين و حجز أسلحة متطورة منها أنظمة ستينغر المضادة للطائرات في الوادي، القضاء على مجموعة إرهابية و استرجاع تسع قاذفات هاون في تيزي وزو، محاولة استهداف قاعدة غازية بصواريخ تقليدية في المنيعة، القضاء على ستة إرهابيين في واد سوف، تفجيرات بروكسل، و غيرها من الأحداث المتسارعة، مؤشرات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك تحول الأخطار الأمنية المحدقة بالجزائر من مخاطر مفترضة إلى مخاطر واقعية يتعين تعبئة كل شرائح المجتمع من أجل مواجهتها .

لذلك جاءت فكرة الحملة الوطنية التحسيسية  ” أنا يقظ “ و هي حملة  ليست  موجهة لفئة أو مؤسسة معينة، بل هي خطة موجهة للشعب الجزائري بكل مكوناته الرسمية و الجمعوية و الحزبية  للتحسيس بصعوبة اللحظة التاريخية الراهنة، و بضرورة تعبئة كل القوى من أجل مواجهة أخطار الإرهاب الذي يسعى إلى النيل من وحدة الجزائر و أمنها و استقرارها .

إنها حملة وطنية تحسيسية ذاتية تتولى الإشراف عليها كل مؤسسات الدولة بصرف النظر عن طبيعتها الرسمية أو الشعبية في حدود أفرادها أو أعضائها و اختصاصاها، و بالتالي لا يتوقف القيام بهذه الحملة على جهة معينة أو مؤسسة معينة، بل هي مهمة كل المؤسسات العمومية و الخاصة  الإدارية و الصناعية و التجارية و الخدماتية، زيادة على فعاليات المجتمع المدني من جمعيات و أحزاب سياسية، و تتولى هذه المهمة أيضا الأسرة و المدرسة و الجامعة و المسجد باعتبارها الهيئات التربوية و التعليمة الأساسية في المجتمع .

تقوم الحملة الوطنية التحسيسية ” أنا يقظ ” على أربع محاور أساسية، أولها التعريف و التحسيس بخطورة المخطط الرامي إلى تقسيم منطقة المغرب العربي من خلال ضرب الاستقرار و الأمن عن طريق تمويل و دعم الجماعات الإرهابية و على رأسها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي قام بإنزال قوي في ليبيا برعاية و دعم بعض الدول المشاركة في مخطط التقسيم، و سيطر على مدينة سيرت ليتخذ منها قاعدة خلفية لتوسع نحو تونس و الجزائر، و في هذا الإطار جاءت عملية محاولة السيطرة على مدينة بن قردان التونسية، و محاولات إغراق الجزائر بالأسلحة الثقيلة على غرار أنظمة الدفاع الجوي ستينغر التي تمكن بواسل الجيش الوطني الشعبي حجرها و القضاء على الجماعة الإرهابية في الوادي، و عليه يتعين أن يدرك الجزائريين أن التهديدات الأمنية على الحدود ليست داعشية فقط بل هي منظمة و موجهة من دول ترعى مخطط قديم لتقسيم منطقة الشرق الأوسط و المغرب العربي .

المحور الثاني للحملة هو التحسيس بالأهمية الكبيرة للأمن و الاستقرار في مكافحة الإرهاب الجديد و في تحطيم مخطط ضرب استقرار الجزائر، ذلك أن محافظة الجبهة الداخلية على تماسكها و وحدتها كفيل بمنح الجيش الوطني الشعبي و الأسلاك الأمنية دعما نفسيا كبيرا في الرباط التاريخي الذي يقوم به على طول الحدود الجزائرية الشرقية و الغربية، زيادة على أن الأمن و الاستقرار و التماسك و الوحدة سيقلل من خطورة العمليات الإرهابية، لأنها ستكون عمليات معزولة، و على النقيض من ذلك فإن فقدان الأمن و الاستقرار الداخلي سيمنح فرصة كبيرة للجماعات الإرهابية للتوغل في الداخل الجزائري و هو ما يعصف  لا محالة بالجزائر  في هذا الظرف الخطير، لذلك يتوجب على الجزائريين إدراك أهمية الأمن و الاستقرار في المحافظة على المكتسبات من خلال التمسك بقيم الأخوة و الحوار و المصالحة للمحافظة على الجزائر المستقلة الآمنة و الموحدة، و في هذا الصدد تعلب الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها أهمية كبيرة في المحافظة على وحدة و قوة و استقرار الجبهة الداخلية من خلال التخفيف من حدة الاحتقان السياسي و العمل مع بعضها البعض في حدود وجهات النظر المشتركة و تأجيل الخلافات إلى مرحلة ما بعد زوال الخطر على الشعب و المؤسسات .

المحور الثالث هو التعريف بمصادر تمويل الإرهاب و التحسيس بأهمية دور المواطن في تجفيفها، و لعل أول هذه المصادر هو الفكر المتطرف الذي تسعى الجماعات الإرهابية إلى نشره في أوساط الشباب مستغلة التطور الكبير الذي عرفته وسائل الاتصال لاسيما روابط التواصل الإجتماعي، و هو الدور المنوط بكل المؤسسات التربوية و التعليمية و الإعلامية  و الاجتماعية مع التنبيه إلى أن هذه العملية لا ينبغي أن تكون عملية نخبوية يؤطرها مشايخ و علماء في الشريعة الإسلامية فقط ، بل يكفي أن نتحدث مع بعض البعض عن سماحة الإسلام الذين يرفض العنف و القتل و استباحة الدماء و الأموال  و انتهاء الحرمات و هذا وحده كفيل بعزل الفكر  المتطرف الذي تستند عليه الجماعات الإرهابية و الذي لا يمت للإسلام بصلة . و في السياق نفسه يجب العمل على تنبيه كل فعاليات المجتمع باستغلال الإرهاب لتجارة المخذرات لتمويل العمليات التي يقوم بها و تعبئته للمساهمة في القضاء على الظاهرة التي تنخر الشباب الجزائري من جهة و تدر أموال ضخمة على الجماعات الإرهابية، و في هذا المجال تبدأ مساهمة المواطن من عملية توعية المستهلكين و في التعاون مع الأسلاك الأمنية في مكافحة المروجين المرتبطين بعصابات دولية لتهريب المخذرات تشرف على حمايتها دولة شقيقة ما انفكت تحاول زعزعة استقرار الجزائر.

المحور الرابع هو التحسيس بضرورة  الإخلاص في العمل و الاجتهاد كل في موقعه و منصبه من أجل تجاوز الأزمة المالية و الإقتصادية التي تعرفها البلاد بسبب  وتراجع أسعار المحروقات، و هذا يعتبر بمثابة نداء ليس للسلطات الرسمية في البلاد فقط، بل لكل الجزائريين دون استثناء للارتقاء بالبلاد و تجنب قدر الإمكان تزايد حدة تأثير الأزمة الإقتصادية على المستوى المعيشي للمواطن لأن هذا من شأنه أن يساهم في المحافظة على الأمن و السلم و الاستقرار، و بالمقابل لا ينبغي أن تكون الأزمات الإقتصادية و الاجتماعية مبررا لأي طرف للجوء إلى العنف مهما كانت طبيعته، لأن العنف بداية الدمار .

إننا نضع هذا المشروع بين أيدي السلطات العليا في البلاد من أجل تصميمه بدقة و تسويقه عن طريق المؤسسات الإعلامية العمومية و الخاصة المكتوبة و السمعية البصرية و طرحه للتطبيق الذاتي من كل الجزائريين، و هو ما يكفل في تقديرنا تعبئتهم الفعلية في مواجهة التهديدات الأمنية الراهنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى