اقتصاد وأعمالالرئيسية

لماذا تريد توتال الانتقام من شكيب خليل والجزائر؟

وليد أشرف

لجأت المجموعة النفطية الفرنسية توتال للانتقام من الجزائر وسوناطراك بطريقة غير أخلاقية تنم عن حقد كبير يخفي نية مبيتة للضغط سياسيا واقتصاديا على الجزائر، ردا على التطورات المتسارعة بين باريس والجزائر منذ زيارة فالس الأخيرة وعودته إلى باريس بحصيلة شبه خالية.

خلفية القرار الذي قامت توتال بالبناء عليه يتمثل في إدراج الجزائر للرسم على الأرباح الإضافية التي أقرتها بموجب القانون 05-07 بعد تسجل أسعار النفط لارتفاع قياسي سمح للشركات العالمية بالجزائر تحقيق أرباح خيالية بعد أن كانت الأسعار العالمية وقت إبرام العقود مع سوناطراك في حدود 18-20 دولار للبرميل.

وقرر وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل تطبيق الرسم المنصوص عليه في القانون 05-07 بمجرد تجاوز الأسعار لعتبة 30 دولار للبرميل.

وقال شكيب خليل في تصريحات شهر ماي الفارط أن القرار مكن الجزائر من تحقيق أرباح إضافية بلغت 1.5 مليار دولار سنويا.

والغريب أن توتال لم تتحرك ضد القرار منذ الشروع في تطبيقه عام 2007 إلى غاية منتصف 2016 لتتفطن أخيرا أنها تضررت من القرار بأثر متخلف يبين أنها تحركت بأوامر سياسية وهي ترى مكانتها في الجزائر تراجعت لصالح مجموعات منافسة غربية ومنها إيني الايطالية فضلا عن الخوف الصريح من العودة القوية للشركات الأمريكية بعد عودة وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل إلى الجزائر.

ربما كانت توتال غير مهتمة بما أن الأسعار كانت بين 80 و100 دولار في المتوسط لسنوات طويلة، ولكن بمجرد تراجع الأسعار إلى حوالي 40 دولار فتصبح حصة الفرنسيين محدودة للغاية، وبخاصة منذ 2014 حيث أصبحت تكلفة الإنتاج مرتفعة بالمقارنة مع حصة الأرباح.

 

عقلية استعمارية

وكان شكيب خليل هاجم الشركات الفرنسية في ماي الفارط، مشيرا إلى أن ما يحركها هو العقلية الاستعمارية، مضيفا أنها لم تدفع دولارا واحد لعدم التقيد بالتزاماتها التعاقدية في الجزائر وتخليها عن تنفيذ مشاريع في الجزائر بفضل الحماية التي تتوفر لديها من بعض الأطراف الجزائرية.

توتال التي تتجه لخسارة كل شيء في الجزائر، اختارت التوقيت غير المناسب للجزائر، فزيادة على التوتر السياسي بين باريس والجزائر، فإن الجزائر تمر بظرفية مالية صعبة للغاية، وهو ما يؤشر إلى وجود نية خبيثة من الطرف الفرنسي الذي يريد تكرار سيناريو التسعينات مع الجزائر، ففي الوقت الذي كانت الجزائر تترنح تحت ضربات الإرهاب، كان الفرنسي ميشال كامديسوس مدير صندوق النقد الدولي، والرئيس فرانسوا ميتران يمارسان ضغوط رهيبة على الجزائر بالتعاون مع بعض العملاء داخل الحكومة الجزائرية وفي الإدارة الجزائرية الذين يأتمرون بأوامر باريس وسفارتها بالجزائر.

وحاول الرئيس المدير العام لمجموعة توتال إلقاء اللائمة على الحكومة الجزائرية، قائلا في تصريحات السبت 2 جوان، إنه حاول التوصل إلى اتفاق ودي مع الجزائر، ولكن بعد الفشل في ذلك قرر التوجه للتحكيم الدولي.

 

توتال تعتقد أنها صاحبة الفضل على الجزائر

معروف تاريخيا أن المهندسين والفنيين الفرنسيين العاملين في الشركة الفرنسية للبترول وهي الشركة الأم لـ توتال، هم من اكتشف المحروقات في الجزائر مع بداية العام 1950، قبل أن تندلع حرب التاميم في عام 1971 بين الجزائر وفرنسا على عهد الراحل بومدين ووزير خارجيته المحنك عبد العزيز بوتفليقة(الرئيس الحالي).

فرنسا وتوتال التي لم تهضم الهزيمة إلى اليوم تحاول عند كل منعطف أن تنتقم لهزيمتها في الجزائر وهي التي عملت المستحيل لفصل الصحراء عن الشمال للاحتفاظ بالنفط والغاز.

الهزيمة الثانية بدأت مع وصول بوتفليقة إلى الحكم في العام 1999 وفتح المجال للمجموعات العالمية على غرار اناداركو الأمريكية وبي بي وإيني وشتات أويل النرويجية لتجد المجموعة الفرنسية نفسها على الهامش تقريبا، حيث أصبحت اناداركو أول منتج للنفط في الجزائر بحوالي 510 آلاف برميل يوميا، وهو ما دفع رئيس مدير عام توتال السابق الذي قضى في حادث بروسيا، إلى اعتبار الجزائر بعد 2014 بأنها شريك غير استراتيجي، حاول مقاضاة الجزائر أمام المحاكم الدولية، قبل أن يقرر باتريك بوياني القيام بذلك في ماي الماضي في محاول لممارسة ضغوط على الجزائر لحملها على الرضوخ.

وتستغل توتال حقل غازي بمنطقة تين فوي تابتكورت بالشراكة مع سوناطراك وريبسول، ولا تتعدى حصتها 35%، فضلا عن حقل تميمون بأدرار بشراكة مع سوناطراك ة سيبسا الاسبانية، وتبلغ حصة المجموعة 38%.

 

لماذا لم تكشف سوناطراك عن مفاوضات مع توتال؟

رئيس توتال لم يذكر متى كانت هذه المفاوضات مع الجزائر وسوناطراك، ولم يذكر المدة التي استغرقها، كما لم تعلن أي جهة جزائرية عن وجود مفاوضات مع توتال الفرنسية ولم يتسرب عن ذلك حتى في الكواليس والجهات القريبة من الحكومة أو سوناطراك خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وهو ما يجعل تصريحات رئيس توتال مجانبة للحقيقة أو لنقل صراحة أنها عارية من الصحة، باعتبار أن التفاوض في هذا المجال عادة ما يستمر لأعوام طويلة وطويلة جدا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بين دول يفترض أنها لها مصالح مشتركة مثل الجزائر وفرنسا.

ويبين السلوك الفرنسي الأخير أنها فعلا منزعجة جدا من عودة شكيب خليل إلى الجزائر، وقبله منزعجة جدا من موقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي رفض ابتزاز الشركات الفرنسية وابتزاز مانويل  فالس الذي ذهب مغاضبا وقام بنشر صورة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تظهره في حالة صحية صعبة، على حسابه الخاص تويتر.

ضربات فرنسا للجزائر لم تبدأ مع توتال، فقد جن جنون فرنسا لما خسرت العديد من مشاريع البنية التحتية لصالح شركات صينية وأسيوية على غرار الطريق السيار وجامع الجزائر، ومشاريع الطاقة وتحلية المياه، وهو ما لا يمكن أن تغفره فرنسا للجزائر بسهولة وهي ترى مكانتها تتراجع لصالح شركاء أخرين ومنهم الصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى