اقتصاد وأعمال

شراء 51% من جازي القرار الحكيم للحكومة الجزائرية في 2015

عبد الوهاب بوكروح 

خلف القرار السيد للحكومة الجزائرية المتمثل في شراء حصة مسيطرة في رأس مال شركة أوراسكوم تيليكوم الجزائر، بداية العام الماضي، زوبعة كبيرة في منذ جانفي 2015.

وكانت وافقت الجمعية غير العادية لشركة “جلوبال تليكوم” القابضة بطريقة ودية على بيع 51% من أسهم أوراسكوم تليكوم الجزائر، إلى الصندوق الوطني الاستثمار، مقابل 2.6 مليار دولار، بعد التوصل لتفاق مبدئي للأطراف مجتمعة (اوراسكوم تيليكوم ـ مجموعة فيمبلكوم ـ الصندوق الوطني للاستثمار) لبيع الأسهم في 18 أبريل 2014.

ماذا حصل قبل إتمام الصفقة؟ 

قبل تنفيذ الاتفاق النهائي لقرار البيع، اندلع نزاع ضريبي بين أوراسكوم تيليكوم الجزائر، وسلطة الضرائب الجزائرية تدخل على إثره بنك الجزائر المركزي وقام بتوقيف عملية تحويل أرباح جازي إلى الخارج، ومنعها من تحويل أموال لشراء العتاد وكل التجهيزات من الخارج إلى غاية التسوية النهائية لنزاعها الضريبي مع المديرية العامة للضرائب التابعة لوزارة المالية.

كم دفعت الجزائر لشراء 51% من أسهم جازي؟

ما لم يكن معلوما على نطاق واسع وقد تُعذر الحكومة في ذلك(تجنبا للتهريج والضجيج الإعلامي ولأسباب أخرى ليس المجال هنا لذكرها) أن شركة اوراسكوم تيليكوم الجزائر دفعت لمصالح الضرائب الجزائرية قبل إتمام عملية شراء حصة 51% مبلغ يفوق قيمة الصفقة المقدرة بـ2.6 مليار دولار.

ويتمثل المبلغ الذي دفعته اورواسكوم تليكوم الجزائر في قيمة ضريبية بقيمة 596.6 مليون دولار، تعود للتدقيق في حسابات الشراكة للفترة بين 2005 و2007، بالإضافة إلى التصحيح الضريبي المفروض على الشركة من سلطات الضرائب فضلا عن الغرامة التي فرضها بنك الجزائري المركزي والتي قدرت بحوالي 100 مليار دج(1.25 مليار دولار بقيمة تاريخ الصفقة)، كل هذا يضاف له الرسم المطبق على صفقة البيع الذي دفع لصالح الخزينة.

وفي المجموع يكون المبلغ الذي تحصلت عليه الجزائر بالدينار أكبر من المبلغ الذي دفعه الصندوق الوطني للاستثمار، فضلا عن تسجيل نجاح استراتيجي يتمثل في دخول الجزائر إلى مجلس إدارة الشركة.

وهنا يطرح السؤال، لماذا ينزعج البعض من شراء حصة مسيطرة في جازي، على الرغم من أن الحكومة في الحقيقة حصلت على الأسهم بـ”المجان”، بعد نجاحها في إقناع المالك السابق للشركة بالاعتراف لمصالح الضرائب بالتصحيح الضريبي ودفع قيمة التصحيح، فضلا عن دفع الغرامة التي فرضت عليه من بنك الجزائر.

وأهم من هذا وذاك، كان يمكن أن يلجأ مالك الشركة السابق، للتحكيم الدولي ويبطل التصحيح الضريبي والغرامات المفروضة عليه، وتخسر الجزائر “الجمل بما حمل”.

فيما يكمن السر إذن؟  السر يكمن في محاولة لوبيات مالية دولية قوية جدا، إفشال العملية من أساسها، حتى لا تمثل سابقة (Jurisprudence)في تعامل الجزائر من الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تمنع الحكومة نهائيا من أن تمد عينيها وتتطلع لقطاعات أخرى إستراتيجية، مثل الاسمنت والبنوك وغيرها، وعلى رأي المثل القائل “أضربه على الشعير ينسى التبن”، لمنع القطاع العام والخاص الوطني مستقبلا من مراقبة الشركات الأجنبية الموجودة في الجزائر من خلال الدخول في رأس مالها ومجالس إدارتها.

قرار استراتيجي حكيم قابل للتعميم 

بغض النظر عن حسابات البقالة (Calcul de l’épicerie) التي تحسبها جهات هنا وهناك، ومنها التراجع الظرفي لقيمة أسهم الشركة في بورصة القيم التكنولوجية الأمريكية في حي منهاتن النيويوركي بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأثر الاستراتيجي المعلوم والملموس ماديا من قبل جميع الخبراء المحايدين هو وقف نزيف تحويلات الأرباح إلى الخارج، وبالتالي فإن الخزينة العمومية ستحتفظ بنسبة 51 % من الأرباح التي تجنيها شركة اوراسكوم أوبتيموم الجزائر (جازي) من الآن فصاعدا، ولن يتم تحويل سوى 49% إلى الشركة الأم في أمستردام، وبخاصة في هذا الظرف المالي العصيب التي تمر به الجزائر من جراء انهيار الأسعار إلى مستويات قياسية.

يفرض التحليل الاقتصادي الجاد الذي يمتاز بالنزاهة العلمية، وضع الأفعال الاقتصادية المختلفة في السياق الطبيعي لها، وهو ما يستوجب الأخذ بالحسبان العوامل التي دفعت إلى اتخاذ القرار وقياس أثرها الاستراتيجي على المدى المباشر والمتوسط والطويل.

سيكون لقرار سيطرة الحكومة الجزائرية على حصة 51% من أسهم جازي (Djezzy)، الذي هو في نظر الكثير من المتتبعين مجرد حدث بسيط في زحمة الأحداث المتدافعة التي عرفتها الجزائر في2015، سيكون لهذا القرار الذي تم بالتراضي بين كل الاطراف، انعكاسات هيكلية على تحويلات الأرباح إلى الخارج وأيضا سيفتح الباب واسعا لتفكير القطاع الخاص الجزائري في الدخول في رأس مال شركات أجنبية تعمل في الجزائر سواء في قطاع الاتصالات أو البنوك والمؤسسات المالية والأسمنت، للحد من تحويلات الأرباح إلى الخارج التي أنهكت الخزينة العمومية ورصيد البلاد الصافي بالعملة الصعبة.

وبداية من العام الجاري 2015 سيبدأ الأثر المالي للقرار الحكيم لشراء 51% من أسهم جازي، حيث ستذهب 51% من الأرباح إلى الخزينة العمومية، وبالتالي ستدعم احتياطات البلاد من العملة الصعبة وهو ما يجعل قرارا من هذا النوع ايجابيا بكل المعايير، ويجب دعمه ومساندته وتقديمه على أساس مثال يحتدى به للقطاع الخاص الوطني الذي يجب تشجيعه للدخول في رأسمال الشركات الأجنبية.

ومن مصلحة الحكومة في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها حاليا، أن تشجع الشركات الأجنبية على الدخول إلى البوصة للمساهمة في تطويرها وتقاسم المنافع وفق قاعدة رابح – رابح، وبالنسبة لشركة جازي على الحكومة أن توفر لها كل الظروف المساعدة على تدارك تأخرها الذي تسبب فيه قرار بنك الجزائر القاضي بمنعها استيراد التجهيزات لسنوات، لأن توفير عوامل النجاح يعود بالفائدة على الخزينة وعلى عمليات الصندوق الوطني للاستثمار وبالتالي تصبح صفقة السيطرة على 51% جازي بالفعل أهم إجراء اقتصادي تقوم به الحكومة في السنوات الأخيرة.

دعم احتياطات الصرف بـ 300 مليون دولار في المتوسط سنويا 

يقول المثل الروسي الشهير “لا تبيع جلد الدب قبل أن تصطاده”، مثل جميل جدا وينطبق تماما على الحالة التي نحن أمامها: بالفعل فقد تم التوصل إلى اتفاق بالتراضي بين جميع الأطراف وبالتالي وبات فعليا للجزائر معقد مريح في مجلس إدارة الشركة وبات من مصلحتها الإستراتجية أن تنجح “جازي” لأن حصتها من الأرباح السنوية المتوسطة حسب تقديرات محايدة لن تنزل عن 300 مليون دولار، وهو ليس بالمبلغ الهين ونحن نرى المستوى الذي وصلته أسعار النفط في الأسواق وهو المستوى الذي يستبعد أن يغير الاتجاه قبل 2022.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى