اقتصاد وأعمال

عبد اللطيف بن اشنهو: “اللجوء للاستدانة الخارجية مجددا قرار غير صائب”

عبد الوهاب بوكروح

استهجن وزير المالية الأسبق البروفسور عبد اللطيف بن اشنهو، الحديث عن عودة الجزائر للاستدانة الخارجية.

وجدد البروفسور بن اشنهو رفضه لهذا التوجه، لأن الجزائر مقبلة على فترة عصيبة ولن تكون الملاءة المالية الكافية التي تمكنها من تسديد الديوان للمؤسسات الدولية المقرضة، فضلا عن تجربتها القاصية خلال تسعينات القرن الماضي مع الاستدانة الخارجية.

وقال بن اشنهو خلال ندوة نقاش “حول الإبداع وتنمية الاقاليم” من تنظيم منتدى التفكير حول المؤسسة “كار”، إنه لا يفضل الذهاب مجددا إلى هذه التجربة، مضيفا إذا كان ولا بد من الاستدانة الخارجية فيجب اقتصارها على الشركات التي تتوفر القدرة والملاءة المالية على رد الدين. بمعنى أخر اقتصار ذلك على المؤسسات التي بمقدورها إنتاج عملة صعبة تمكنها من تسديد ديونها بدون اللجوء إلى ضمانات من الدولة الجزائرية.

وفي هذه الحالة لا توجد أي شركة باستثناء سوناطراك قادرة على الاستدانة الدولية بدون تغطية من الدولة.

وتساءل الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق، هل ستذهب سونلغاز، واتصالات الجزائر، إلى الاستدانة الخارجية بضمانات من الدولة، أم بتوقيعها الخاص؟ ليجيب مستطردا، طبعا لن تذهب بتوقيعها الخاص، لأنها لا تملك أي تصنيف كما هو منصوص عليها في قواعد بال 3، مشيرا إلى أن الجزائر فوتت على نفسها فرصة التصنيف السيادي في عام 2003 عندما كانت في وضع مالي أحسن بسبب معارضة البعض، ولكنها اليوم ستجد نفسها في تصنيفات سيئة رغما عنها وهذا ما يجعل من موضوع اللجوء للأسواق المالية الدولية مكلف جدا أن لكم يكون مستحيل خارج القروض الثنائية التي ستكون أيضا مشروطة جدا كأن تكون ملزمة على شراء منتجات الدولة المعنية بالإقراض.

وعلق بن اشنهو على مشروع ميناء شرشال قائلا، هل نحتاج لرفع كفاءة الموانئ الحالية، أم نحتاج إلى الاستدانة لانجاز ميناء جديد؟ مستطردا إذا كانت الصين تحتاج ميناء جديد في المتوسط فما عليها سوى تمويله 100% واستغلاله.

الفترة القادمة سيميزها شح الموارد

وفي تناوله لإشكالية تطوير الأقاليم، استعرض بن اشنهو جملة من الإشكالات، منها ما تعلق بندرة الموارد وخاصة في المرحلة القادمة، ما يتطلب تعايشا مع شح الموارد وبالتالي على صناع السياسات الاقتصادية، يقول بن اشنهو، أن يتعلموا التعايش مع الموارد الثابتة في تطوير المناطق والأقاليم التي يشرفون على تسييرها، مشددا على أن ندرة الموارد لا تعني التوجه آليا إلى الاستدانة، مما يتحتم علينا التعايش مع ميزانية بـ50 دولار من الآن فصاعدا.

وأثنى المتحدث على عملية الدفع المسبق للمديونية الخارجية، لأن الجزائر في حال أدركتها الأزمة المالية الحالية قبل دفع المديونية لكانت اليوم تشحت.

صلاحيات حقيقية لرؤساء البلديات

استعرض بن اشنهو جملة من الإكراهات التي تقف حجر عثرة أمام تطوير الأقاليم والنهوض بها، ومنها التقسيم الفضائي الحالي للتراب الوطني الذي يقوم بحسب المتحدث على اعتبارات غير اقتصادية سواء ما تعلق بالتقسيم الإداري للبلديات أو الدوائر أو ما تعلق بمخططات التجهيز التي لم تؤخذ بالحسبان الاعتبارات المتعلقة بالتنمية والنمو الحقيقية.

واستشهد المتحدث بالكثير من الأمثلة ومنها الطريق السيار شرق – غرب، الذي لم يخلق الديناميكية الاقتصادية التي كانت مرجوة من وراءه مستغربا عدم وجود ولا مؤسسة واحدة على حواف الطريق السيار من الشلف إلى غاية مغنية، وكذلك العديد من الجامعات التي أنشأت في الولايات الداخلية والتي تحولت بحسب المتحدث إلى مجرد غيتوهات بسبب عدم وجود جسور بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي، ليخلص إلى القول إن الاعتقاد الذي كان قائما منذ السبعينات بخصوص أن البنية التحتية كافية لخلق النشاط الاقتصادي، اعتقاد خاطئ، كما أن الاعتقاد بأن بناء جامعات في منطقة ما قادر على خلق نشاط اقتصادي، هو اعتقاد أيضا غير سليم، بناء على التجربة الجزائرية منذ عقود والتي تحولت معها الجامعات إلى غيتوهات على حواف المدن أو في وسطها. وتسبب غياب علاقة بين الجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي، في إعادة إنتاج نفس النماذج الراهنة.

الإكراه الآخر الذي تناوله المتحدث، يتمثل في تواضع القيمة المضافة الناتجة عن الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها من خلال برامج رئيس الجمهورية المختلفة منذ العام 2000. وهنا تناول المتحدث المخطط الوطني للتنمية الريفية الذي يعود للعام 2001 والذي كان باقتراح منه شخصيا، ولكن نتائجه كانت عسكية تماما ففي الوقت الذي كان ينتظر من ورائه رفع الإنتاج والمستوى المعيشي للفلاح، حصل العكس وهو أن الفلاح ازداد فقرا واغتنى الوسطاء بسبب غياب كلي لشبكات التوزيع.

ما دفع المتحدث إلى القول، نحن الآن نعيش وضع غير طبيعي، لأن الإنتاج الفلاحي يرتفع ولكن الفلاح يزداد فقرا من جراء عدم التحكم في القيمة المُضافة التي تنتجها الأقاليم، وشدد بن اشنهو على أن هذه المشكلة يمكن أن تنسحب على كل القطاعات دون استثناء بسبب عدم وجود قدرات انجاز محلية خارج التجمعات الكبرى البعيدة عن العاصمة الجزائر، بالإضافة إلى معضلة البيروقراطية الإدارية وضعف هندسة المشاريع بما فيها المشاريع التي كانت تعتبر إستراتجية على غرار الصندوق الخاص تنمية الهضاب العليا الذي لم يستهلك من مخصصاته سوى 5 % منذ تأسيسه إلى غاية نهاية 2015، بسبب تضارب الصلاحيات بين وزارة المالية والداخلية والجامعات المحلية التي وضعت عراقيل لإفشال المشروع.

ضرورة إعادة بعث مشروع الجزائر الالكترونية

دعا البروفسور عبد اللطيف بن اشنهو، إلى ضرورة إعادة بعث مشروع الحكومة الالكترونية لأنها مهمة لتطوير الخدمات، مضيفا أنه من غير المعقول أن رئيس مؤسسة اقتصادية ينتظر أيام للحصول على الانترنت في الوقت الذي تريد الجزائر تطوير قطاعات نشاط جعلها تنافسية في ظل وجود تحديات حقيقية لتطوير الأقاليم ومنها ضرورة إعادة النظر في هندسة المالية المحلية، وتطبيق تقسيم فضائي على أساس الأحواض الفلاحية والصناعية وتواجد الجامعات لتوفير المرد البشري الضروري لتطوير الأقاليم وتعزيز حكامتها وتدارك المفارقات التي سجلت سابقا والمتمثلة في فقر الأقاليم وعدم إنفاق الموازنات، الناجم بالأساس عن عدم كفاءة في الهندسة والحكامة، وهو ما يتطلب أيضا المضي بشجاعة نحو الديمقراطية التشاركية التي تتطلب إفساح المجال أمام الكفاءات الحقيقية التي بإمكانها اقتراح حلول على أساس برامج حقيقية وقوية لأنها الباب الوحيد الكفيل للخروج من الأزمة، داعيا في هذا الباب إلى وضع مثلا 250 وزيرا الذين يتواجدون في التقاعد على راس اكبر 250 بلدية موجودة في الجزائر.. مضيفا أنه تحدي يمكن أن يرفع وأنه متطوع لأن يكون الأول في تطبيقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى