الجزائرالرئيسيةثقافة

هل استلمت سلطة ضبط السمعي البصري “الهدية المسومة” ؟

وليد أشرف

أشرف الوزير الأول عبد المالك سلال، على تنصيب سلطة ضبط السمعي البصري، بحضور أعضاء الحكومة، بعد عامين من صدور النص القانوني المحدد للهيئة في العام 2014.

ويرأس سلطة الضبط التي جاءت في ظروف فوضى عارمة للقطاع، زواوي بن حمادي.

وقال الوزير الأول، خلال حفل تنصيب أعضاء سلطة ضبط السمعي البصري، إنه ستتم مواجهة ومعاقبة بحزم كل أفعال القذف والابتزاز ونداءات العنف والفتنة.

وأكد سلال التزام الحكومة وسلطة الضبط، كل في مجال اختصاصه، بدعم المتعاملين الذين سينخرطون في هذا المسعى النبيل مع احترام القانون وحرية الإعلام والتعبير، مضيفا أن القانون سيطبق بكل صرامة لحماية حقوق الصحفيين والفنانين الذين يعملون أو سيعملون في هذا المجال ولضمان احترام التشريع والتنظيم الساري وللتدخل في حال المساس بالذاكرة الجماعية أو المرجعية الدينية أو الهوية الوطنية أو توازن المجتمع الجزائري.

وأستطرد سلال خلال حفل التنصيب أن سلطة ضبط السمعي-البصري، هي هيئة مستقلة لا يؤطر نشاطها إلا أحكام القانون، متوقفا عند ما ينتظر من أعضائها من عمل فاعل للسهر على حرية النشاط السمعي البصري والموضوعية والحياد والشفافية وترقية اللغات الوطنية واحترام قيم ومبادئ المجتمع الجزائري.

وقال سلال، إنه ستتم مواجهة ومعاقبة بحزم كل أفعال القذف والابتزاز ونداءات العنف والفتنة، بعد أن فصل في التجاوزات الخطيرة التي وقعت فيها القنوات الخاصة شهر ماي الفارط بالجزائر العاصمة، وأمر وزير القطاع حميد قرين بتطهير القطاع.

 

مهمة انتحارية أم هدية مسمومة؟

عبد المالك سلال، لم يتناول المهام “الانتحارية” التي تنتظر الرئيس القادم لسلطة ضبط السمعي البصري الجزائري، ومنها إلزام القنوات الخاصة ” الأجنبية” التي تنشط على التراب الجزائري، بالمطابقة مع القانون الجزائري، سواء تعلق الأمر بالقانون التجاري، قانون النقد والقرض الذي يحكم كيفية تحويل العملة الصعبة من الجزائر إلى الخارج، وقوانين العمل والضمان الاجتماعي، فضلا عن قانون الإعلام في حد ذاته.

وقبل تعيين سلطة ضبط السمعي البصري، تم تكليف وزارة الاتصال  بموجب القانون بـ”كل الصلاحيات” المتعلقة بمهام هذه السلطة، ولكن وزارة الاتصال لم تتحرك بالقوة والحزم اللازمين واكتفت في بإنذار وتوبيخ بعض القنوات، باستثناء قناة الوطن التي تم إغلاقها من قبل القضاء بسبب تصريحات خطيرة للأمير السابق “للجيش الإسلامي للإنقاذ” مدني مزراق التي استهدفت رئيس الجمهورية.

وقبل تعيين السلطة الجديدة رسميا، تم تكليف في سبتمبر 2014 ميلود شرفي النائب السابق في البرلمان لعدة عهدات والنائب حاليا في مجلس الأمة والقيادي في التجمع الوطني الديمقراطي، على رأس السلطة شكليا وبدون صدور مرسوم من رئيس الجمهورية، ولكن كان مروره على السلطة أكثر من سلبي ولم يقدم شيء يذكر للقطاع ولم يتمكن من ضبط القطاع في حدوده الدنيا.

وفشل ميلود شرفي حتى في الشروع في تطبيق القانون الخاص بالنشاط السمعي البصري الذي صادق عليه البرلمان في نهاية شهر جانفي والذي صدر في العدد 16 من الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية لـ23 مارس 2014.

ولحوالي عام ونصف ونصف، ظل شرفي، يراوح مكانه على الرغم من أن القانون في مادته الخامسة ينص على أن خدمات الاتصال السمعي البصري المرخص لها “تتشكل من القنوات الموضوعاتية المنشأة من قبل مؤسسات وهيئات وأجهزة القطاع العمومي أو أشخاص معنويين يخضعون للقانون الجزائري ويمتلك رأسمالها أشخاص طبيعيون أو معنويون يتمتعون بالجنسية الجزائرية”.

 

قنوات خاضعة لقوانين دول أجنية!

وإلى غاية تاريخ مغادرته لمنصبه لم يتمكن شرفي من تطبيق هذه المادة، كون جل القنوات التي تنشط بالجزائر، هي قنوات خارج القانون بدون استثناء. فلا توجد قناة خاصة خاضعة للقانون الجزائري ولا توجد قناة يعلم مصدر أو الجهة التي تمولها ولا توجد قناة تعلم السلطات الجزائرية بأي طريقة تقوم بتصدير العملة الصعبة إلى الخارج لتسديد مستحقات البث على الأقمار الصناعية، ولا توجد قناة تملك توطين ضريبي في الجزائر.

ويوضح القانون في المادة 17 أن “خدمة الاتصال السمعي البصري المرخص لها هي كل خدمة موضوعاتية للبث التلفزيوني أو للبث الإذاعي تنشأ بمرسوم وفق الشروط المنصوص عليها في أحكام القانون”.

أما المادة 18 فتشير إلى أنه “يمكن خدمات الاتصال السمعي البصري المرخصة المذكورة في المادة 17 أن تدرج حصصا و برامج إخبارية وفق حجم ساعي يحدد في رخصة الاستغلال”. وهنا يمكن ملاحظة بالعين المجردة أيضا أن ولا قناة واحدة تحترم روح هذه المادة على الإطلاق.

 

هل يوفق بن حمادي في تطهير الساحة الإعلامية من قنابل موقوتة؟

من الوهلة الأولى وفي قراءة موضوعية لقائمة أعضاء سلطة الضبط، يتبين أن السلطات اعترفت بأن قاعدة الضبط التلقائي لأصحاب القنوات مستحيل الحدوث في ظل الظروف التي برزت فيها القنوات الخاصة في المشهد الجزائري منذ 2012، وأن الخطوة القادمة ستكون أكثر من خطيرة بالموازاة مع تنظيم استحقاقين على درجة من الأهمية والخطورة في ذات الوقت، وهما انتخابات المجلس الشعبي الوطني في 2017 والانتخابات الرئاسية 2019، وعليه فإن مهمة سلطة الضبط الجديدة ورئيسها لن تكون سهلة، بل قد تكون بمثابة “الهدية المسمومة”.

يشترط في المنصب الحياد التام والكفاءة والمعرفة الجيدة لقطاع السمعي البصري الذي يعتبر قطاعا استراتيجيا حساسا على كل الأصعدة وخاصة في الجانب المتعلق بضمان شفافية مصادر التمويل، وأن تكون تحت المراقبة الجديدة للدولة، وهو ما يكون السبب الرئيس لطبيعة اختيار اللجنة، فرئيسها صحفي مشهود له بالكفاءة والخبرة الطويلة، فضلا عن كفاءة وخبرة أعضاء اللجنة سواء الذين عينهم الرئيس أو رؤساء المؤسسات الأخرى وهما مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، وفق نص المادة 57 من القانون أن سلطة ضبط السمعي البصري تتشكل من 9 أعضاء يعينون بمرسوم رئاسي على النحو التالي: 5 أعضاء من بينهم الرئيس يختارهم رئيس الجمهورية وعضوان اثنان(2) غير برلمانيين يقترحهما رئيس مجلس الأمة وعضوان اثنان (2) يقترحهما رئيس المجلس الشعبي الوطني.

وتمارس سلطة ضبط السمعي البصري وفقا للمادة 58 مهامها باستقلالية تامة حيث يتم اختيار أعضائها بناء على كفاءتهم وخبرتهم واهتمامهم بالنشاط السمعي البصري حسب المادة 59.

المشكلة ليس في النصوض الجزائرية التي ترقى إلى جودة التشريعات العالمية دائما، ولكن في التطبيق، يقول أحد المختصين في القطاع تحدثت إليه “الجزائر اليوم”، مؤكدا أن تركيبة المشهد مليئة بالالغام التي ستبدأ في الانفجار مع تنصيب اللجنة وشروعها في العمل، وأول هذه الالغام العلاقة التي نسجها أصحاب بعض القنوات مع السلطة.

ويضيف المصدر، أن بعض القنوات الاجنبية العاملة في الجزائر منذ 2012 أصبحت تتصرف على اساس أنها البذيل للتلفزيون الرسمي، أو أنها هي القناة الرسمية التي تعبر عن الصوت والموقف الرسمي للحكومة وفي بعض الحالات للجزائر حتى قبل التلفزيون الرسمي، فضلا عن العلاقة بين المال الوسخ أو في أحسن الحالات الاموال مجهولة المصدر.

ستكون الحكومة والسلطات عموما أمام أمتحان عسير بمجرد صدور دفتر الشروط وشروع سلطة الضبط في عملها الجدي وسيظهر من خلال طريقة تعاملها مع الملف، مدى جديتها وجدية الحكومة في تطهير القطاع كما التزم بذلك سلال في وقت سابق.

 

هل تملك القنوات الخاصة موافقة بنك الجزائر لتصدير العملة الصعبة؟

تحوم حاليا شكوك كبيرة حول هوية ومصدر رؤوس الأموال المستخدمة في تمويل العديد من القنوات العاملة بالجزائر بالنظر لكونها قنوات خاضعة للقانون الأجنبي.

وإلى جانب خضوعها للقانون الأجنبي، تقوم القنوات الأجنبية العاملة بالجزائر بتهريب الأموال إلى الخارج وخاصة أموال الشركة الوطنية للنشر والإشهار، حيث يفترض أن القانون الجزائري يمنع تمويل شركات أجنبية، إلا أن العديد من القنوات التي تنشط تقوم بتمويل عملياتها من خلال الإشهار العمومي الذي تحصله تحت غطاء الجرائد اليومية التي صدرت باسمها، على الرغم من أن القانون التجاري الجزائري وقانون القرض والنقد واضحة جدا، لا يمكن تمويل مؤسسة في الخارج ولا يمكن الاستثمار في الخارج إلا بتصريح مكتوب من بنك الجزائر، فبأي صيغة يتم تصدير العملة الصعبة إلى الخارج لتمويل قنوات تلفزيونية أجنبية؟

المسألة الثانية التي لا تقل أهمية، كيف سيتم تسوية سنوات النشاط السابقة مع الضرائب ومع بنك الجزائر وغيرها من مؤسسات الدولة، أم أن قاعدة عفى الله عما سلف ستطبق بحرفية، بعد صدور دفتر الشروط الجديد الذي تقوم الحكومة حاليا بإعداده؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى