أراء وتحاليلاقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر

أي مستقبل للغاز الجزائري!

د.بغداد مندوش*

عرفت سوق الغاز العالمية خلال الأعوام الأخيرة تحولات هيكلية تعود بالأساس إلى إنتاج الغاز الصخري بالولايات المتحدة الأمريكية ودخول لاعبين جدد على غرار قطر (التي تتوفر على 3 احتياطات عالمية) إلى جانب اندونيسيا وماليزيا وإسرائيل بالإضافة إلى إعلان اكتشافات هامة خلال العشرية الأخيرة في دول شرق إفريقيا.

خلال سنوات 1990 لعبت الجزائر من خلال مجموعة سوناطراك دورا جهويا فاعلا في مجال تسويق الغاز نحو أوروبا على وجه الخصوص حيث كانت تسيطر على 30% من السوق تقريبا، فضلا عن توجيه 30 – 35% من إنتاجها إلى السوق الأمريكية.

ماهي الوضعية الحالية؟  

سوق الغاز تنقسم إلى 4 مناطق رئيسية: الولايات المتحدة، آسيا، أوروبا ثم روسيا.

وهي المناطق التي كانت غير مرتبطة كليا مع بعضها البعض.

الوضعية العالمية تحولت كليا اليوم، لقد أصبحت هذه المناطق أكثر ارتباطا من أي وقت مضى، وأصبحت 70% من كميات الغاز التي تطرح في السوق العالمية موضع منافسة شرسة بين المنتجين الراغبين في كسب حصص سوق جديدة.

إن دخول أنبوب الغاز الروسي السيل الشمالي(NORTH STREAM) الموجه لتزويد لتلبية الطلب الأوروبي من الشمال الخدمة، والسيل الجنوبي (SOUTH STREAM)  المجمد حاليا لأسباب سياسية والموجه لتزويد أوروبا الجنوبية بالغاز، إلى جانب 146 اكتشاف لحقول غاز هامة خلال السنوات الأخيرة في موزومبيق وتنزانيا وسواحل إسرائيل والكشف الأخير في سواحل مثر من طرف المجموعة الايطالية إيني(ENI) باحتياطات قرتها الشركة بـ900 مليار م3، كلها معطيات غيرت طبيعة سوق الغاز هيكليا.

مصر العطشى طاقويا أعلنت دخول الحقل الجديد الخدمة بأسرع ما يمكن مما يسمح لمصر بتغطية الطلب المحلي ووقف استيراد الغاز من الجزائر على وجه الخصوص.

سوق الغاز التي عرفت تحولا بسبب دخول منتجين جديد واكتشافات عالمية ضخمة وتحول الولايات المتحدة إلى دولة مكتفية بفضل الغاز الصخري، تعيش ضغوطا أخرى ناجمة عن برنامج التحول الطاقوي في الاتحاد الأوروبي، حيث تعمل بروكسل على الذهاب نحو الطاقات المتجددة مع دعمها للفحم، سينعكس سلبا على سوق الغاز وخاصة صادرات سوناطراك الجزائرية التي تراجعت حصتها السوقية إلى حوالي 20 -25% في السنوات الأخيرة في السوق الأوروبية.

لقد خفضت ايطاليا لوحدها 40% من واردتها من الغاز الجزائري منذ بداية 2014، كما توقفت الولايات المتحدة عن استيراد الغاز نهائيا لا من الجزائر ولا من غيرها، بل تحولت إلى دولة مصدرة للغاز بحلول 2014.

سوناطراك التي تواجه متاعب في بيع الغاز تواجه تحديات أكثر خطورة تتمثل في تراجع إنتاجها منذ 2003.

لقد تراجعت صادرات سوناطرك من 60 مليار م3 عام 2003 إلى 44 مليار م3 عام 2014. وهذا بسبب المتاعب في وجود أسواق جديدة لتعويض الزبائن التقليدين وهذا بفعل المنافسة، فضلا عن ارتفاع الاستهلاك المحلي.

ph-aljazairalyoum

هل نستورد الغاز بعد 2030؟  

لقد قفز الاستهلاك الداخلي للغاز في الجزائر من 10 مليارم3 عام 1990 إلى 35 مليار م3 عام 2014 بحسب لجنة ضبط الكهرباء والغاز التي تتوقع بلوغ استهلاك الجزائر عام 2030 من الغاز 80-85 مليار م3.

يقدر إنتاج سوناطراك حاليا 130 مليار م3 باحتساب الكميات التي يعاد ضخها للحفاظ على مستوى ضغط الحقول المستغلة، وفي حال حافظت سوناطراك على نفس الوتيرة من الإنتاج عند 130 مليار م3 مع معدل استهلاك عند 80 مليار م3، فإنه لن يكون هناك أي كمية فائضة للتصدير بحلول 2030، بالإضافة إلى المعوقات التي تعترض سوناطراك نتيجة العقود الطويلة التي تمنعها من الاستفادة من فرص السوق.

لقد تخلت الكثير من الدول المنتجة على العمل بقاعدة القعود الطويلة التي أصبحت غير مجدية كما كانت عليه في السابق.

أمام كل التحديات المذكورة يمكن إضافة أسعار بيع الغاز الروسي في أوروبا والذي يباع بـ10-15% اقل مقارنة مع الغاز الجزائري.

تمثل عائدات الغاز بالسبة لسوناطراك 20% من مجمل صادراتها فقط وهو رقم ضعيف مقارنة مع الاستثمارات الضخمة في حين أن 1 طن معادل بترول يعطي 3 مرات العائد على 1 طن معادل غاز، وهو ما يدفع حتما سوناطراك إلى مراجعة سياسيتها الاستثمارية في مجال الغاز في الاتجاه الذي يضمن تثمين الغاز الطبيعي لتطوير صناعة بتروكمياوية محلية(بلاستيك، الومنيوم، دهن، وقود السيارات إلخ….) وهذا من أجل تعزيز إقلاع صناعي حقيقي وبناء اقتصاد قوي ومستدام خارج مجالات الريع وخاصة أن احتياطات الغاز لا تغطي أكثر من 20 أو 25 سنة القادمة إي إلى أفق 2040 مع التوقعات الأكثر تفاؤلا.

(*:خبير طاقوي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى