اقتصاد وأعمال

استيراد السيارات بالجزائر..”فض السوق”!

وليد أشرف

افتتحت الخميس الطبعة 19 للصالون الدولي للسيارات  بقصر المعارض الصنوبر البحري، بمشاركة 34 عارضا من بينهم 15 وكيلا للسيارات من بين أزيد من 40 وكيلا معتمدا بالجزائر، في أجواء باهتة خلافا للسنوات الفارطة التي كانت تجلب الصخب ومئات آلاف الزوار في كل طبعة.

الصالون الذي يدوم إلى غاية 26 مارس الجاري، وتنظمه الشركة الجزائرية للمعارض والتصدير وجمعية وكلاء السيارات، يكشف أن الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر من جراء تراجع أسعار النفط أعادت الحكومة إلى رشدها وأظهرت لها الطريق الصحيح في التعامل مع “تجار” السيارات الذي تهافتوا لمدة 10 سنوات على العملة الصعبة، تهافت اللئام على مادة الطعام.

ومنذ العام 2003 نجحت “عصبة” من التجار لا تختلف عن تجار الشنطة سوى من حيث حجم العملة الصعبة التي تحول سنويا حتى بلغت في عام 2014 ما يعادل 7 مليار دولار، بدون أن يشرع هؤلاء التجار فوق العادة في تصنيع ولا خيط مكبح أو واقي صدمات بلاستكي، أو حتى مصباح إضاءة، قبل أن يسارع أغلبهم للتباكي وتحريض اصحبا العلامات التي يمثلونها في الجزائر ضد الجزائر، وهم من يفترض أن يقنع أصحاب العلامات والمصنعين بجدوى الاستثمار في الجزائر، والكف عن تحويل السوق الجزائرية إلى أكبر مزبلة ومكب نفايات للسيارات منخفضة الثمن والسيارات التي لاتطابق المعايير العالمية.

“اللهفة” التي أصابت العديد من تجار السيارات وصلت بهم إلى احتلال الأرصفة وبيع السيارات الجديدة على أرصفة الشوارع بدون أدنى القواعد التجارية، ومنهم من أصبح يبيع حمولة الباخرة في موانئ جنجن ومستغانم على طريقة عصابات المافيا.

 

الأزمة المالية أعادت الحكومة إلى رشدها

“الأزمة تلد الهمة”، وإن تأخرت الحكومة في العودة إلى رشدها، إلا أن تراجع أسعار النفط اجبر الحكومة على التخلي عن الكماليات ومنها السيارات، وحدد الحصة السنوية المخصصة للاستيراد عند سقف 152 ألف سيارة على الأكثر وقد لا يتم استيراد حتى نصفها مع دخول القيود الجديدة على التجارة الخارجية ومنها الإجراء الخاص بالتوطين البنكي الالكتروني والتأخر في منح رخص الاستيراد أطول فترة ممكنة من طرف وزير التجارة ومديرية المناجم التابعة لوزارة التجارة ومصالح الوزير الأول.

القيود الجديدة التي حددتها الوزارة في مجال الاستيراد عملت على تعليم تجار السيارات الجزائريين كيف يحترمون القانون وكيف أيضا يتجهون نحو الاستثمار رغم انف العديدة منهم، ودفعت ببعض من لاعلاقة له بالمهنة إلى الانسحاب بلا شرف من قطاع يفترض أن يدخله رجال الأعمال المحترمين وليس مجرد هواة وجدوا في ضعف الآلة الرقابية لبنك الجزائر، لسنوات طويلة مطية للتلاعب بالمال العام وتهريب العملة الصعبة وتقديم حصائل سلبية لسنوات طويلة دون أن تحرك مصالح الضرائب ساكنا، وكأن الأمر يحصل في مالي أو النيجر.

المساحة هذا العام تقلصت، وعدد العارضين أيضا، فمن حوالي 100 مشارك في الطبعات السابقة إلى حوالي 30 عارضا هذا العام وأغلبهم من الشركات الأسيوية التي تسوق نماذج منخفضة الثمن والتي تبحث عن تموقع قد يستغل تراجع القدرة الشرائية للجزائريين بفعل الأزمة المالية.

بعض العلامات التي تريد التموقع والاستمرار في المستقبل، على غرار العلامات الفرنسية الثلاث التقليدية، والألمانية والايطالية، سارعت إلى “الإمساك بالثور من قرنيه”، من خلال تقديم مشاريع استثمارية جادة بداية من رونو التي دخلت مرحلة الإنتاج مرورا بمجموعة بيجو ستروين التي ستوقع على اتفاق المصنع يوم 10 افريل القادم، وفيات وايفيكو التي شرعت في انجاز وحدتها بالبويرة وصولا إلى مجمع سوفاك ممثلا لمجموعة فولكس فاغن الذي التقى وزير الصناعة مؤخرا في اجتماع رسمي رفيع المستوى للاتفاق على إنشاء مصنع ضخم بغيليزان بطاقة 100 ألف وحدة سنويا.

 

لماذا لا يفتح بنك الجزائر تحقيق في تحويل العملة الصعبة؟ 

الغريب أن جل التجار أو من يدعون بتسمية انفسهم وكلاء، كانوا “يسرقون” الدولة الجزائرية من خلال التزوير في الفواتير وتضخيمها لتحقيق ارباح في دول المنشأ ، ومن أجل التحايل على الحكومة وعلى المستهلكين وتحقيق الربح بطريقة قبلية لحماية انفسهم من اي احتمال محفوف بالمخاطر، والأغرب أن وزير التجارة السابق عمارة بن يونس اقيمت ضده الدنيا ولم تقعد لما ذكر علامات اجنبية بالاسم، واتهمها بالتحايل على الضرائب، وكان مصيره الابعاد من الحكومة.

وبالنتيجة اصبحت السيارة التي تسوق في الجزائر اقل جودة من نفس السيارة التي تسوق في بقية دول العالم ولكنها أغلى منها سعرا.

فعلا قد يكون جزء من السبب هو مجموع الضرائب العديدة التي تفرضها الدولة على السيارات الجديدة، ولكن واحتسابا لهذه الامور ، فأن شركات الاستيراد “تبخر للحكومة لحيتها” لكما يقول المثل.

السؤال الذي يطرح، هل ستتكرر تجربة قطاع الدواء مع قطاع السيارات؟ فعندما ألزمت الحكومة تجار الدواء على التصنيع محليا ذهب أزيد من 50 منهم إلى تصنيع البارسيتامول محليا والاستمرار في ما قل وزنه وغلى ثمنه من أدوية الضغط والسكري والسرطان، فهل سيكتفي تجار السيارات بتكرار التجربة أم ستنجح الحكومة في وضع دفتر شروط يسمح بإقامة صناعة سيارات محلية حقيقية على غرار ما عرفته الدول التي سبقتنا إلى المجال؟ الأيام كفيلة بكشف المستور.. ولكن في انتظار ذلك فإن الأزمة المالية وشح الدولارات كانت كفيلة بـ “فض السوق” على رأي المثل الجزائري الدراج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى