بين الفكر والسياسة

الأقلية هي التي تصنع  التاريخ

بقلم نورالدين بوكروح

“عجِب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل”  الرسول (صلعم)

القوة صنعت أول العبيد لكن جبنهم أبقاهم على حالهم. يفقد العبيد كل شيء في أغلالهم، حتى الرغبة في التخلص منها” ج.ج. روسو.  (J.J Rousseau).

 

أليس صحيحا أن كل المقاييس العالمية تصنفنا في المراتب الأخيرة في عمل الخير، و في المراتب الأولى في فعل الشر (الرشوة، الفشل الاقتصادي و التعليمي، حوادث المرور على سبيل المثال لا الحصر)؟ لكن هذه الحصيلة المهينة لم تمنع  الجزائريين من شتم الذين “لا يحبوننا” من جميع أصقاع العالم، بينما هؤلاء لا يبالون إن كنا موجودين على سطح الأرض أم لا، و لا يكترثون إلا بمشاكلهم و بالمضي قدما في مسيرتهم نحو التقدم. لو طرحنا السؤال لأجابنا الكون كله على نفس واحد: نحن في كل شي نحب و نحترم أصحاب المراتب الأولى، لا الأخيرة.

نحن الشعب الوحيد الذي يعتقد أن الشعوب الأخرى في العالم لم تُخلق إلا لتتآمر علينا أو تترقب الفرصة السانحة للانقضاض علينا و الإجهاز على خيراتنا. بينما الحقيقة أَن هذه الشعوب التي لم نضف إليها شيئا يذكر, تعيش دوناً عنا منذ آلاف السنين، ودوناً عن محروقاتنا والإرهاب والحراقة التي نصدرها إلى بلدانها، كما يُصَدر إلينا المغرب الأطنان من مخدراته، وتماما كما لن يتغير العالم مثقال ذرة لو هلكنا كلنا بمحرقة جماعية أو بكارثة طبيعية كالتي ذهبت بقوم “عاد و ثمود”. لا يعدو هذا إلا أن يكون ضَربا من “التوسويس الوطني” و جنون الشك و الاضطهاد؛ أو كما يصطلح عليه في الطب: “الهذيان الارتعاشي”.

لقد تجول نظري كثيرا بين المساحات المأهولة من كوكب الأرض، لكني لم أجد بَعدُ شيئا قد يساعدنا على فهم حالتنا التي تقع خارج مجال العقل. يجب العودة بعيدا في التاريخ العالمي والديني والتوقف عند قصص القرآن الكريم لإيجاد أمثلة يمكن مقارنتها بالحالة التي نعيشها. الفرق الوحيد أننا لا نَزَالُ على قيد الحياة بينما هلكت تلك المجتمعات لما ابتلعها الطوفان أو البحر, مثلما وقع لقوم نوح والأتلانتيس، أو دمرها الزلزال أو الصاعقة مثل مدين و ثمود.

لو استطعنا رفع الجزائريين دفعة واحدة إلى السماء, ليتفرجوا على أنفسهم من بعيد و من أعلى,  ليَرَوا حالتهم و ما يفعلون في هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر من حياتنا الوطنية القصيرة (54 سنة من بين آلاف السنين من الوجود). التاريخ هو الماضي, ما ترويه لنا الكتب و لم نعشه بنفسنا. و ما يجري اليوم في بلادنا سوف يصبح هو التاريخ للأجيال التي ستأتي بعدنا و التي ستتسائل عندئذ لماذا قبلنا بخيارات… سيتعجبون لما تَرَكنا لهم نحن أجدادهم السابقون.

كما تساءلنا نحن لماذا حارب الـ MNA جبهة التحرير رغم أن كلاهما انحدر من حزب الشعب و حركة انتصار الحريات, و كلاهما كان يحارب الاستعمار. و لماذا لم يُنَسّق الشيخ المقراني و الشيخ الحداد ثورتيهما في 1871؟ و لماذا لم يُوَحّد بومعزة في الغرب و الباي احمد في الشرق, قواتهما مع جيش الأمير عبد القادر لمنع استعمار الجزائر(استسلم بومعزة و الأمير في 1847 و الباي سنة بعدها). و لماذا تقاتل سيفاقس و ماسينيسا طوال عمرهما صانعين بذلك سعادة الرومان الذين احتلوا أرضنا لقرون. جنوننا هذا، أو هواجعنا إن فَضَّلنا ذلك، تعود إلى قديم الزمان. و الفخر الوحيد المُبَرر الذي بقي لنا اليوم هو امتلاك الغاز و النفط الذين نبيعهما لنأكل و نُجيزَ لأنفسنا شتم الآخرين الذين “لا يحبوننا”.

حديث الرسول الذي وضعته أول المقال يقصد الأشخاص و الشعوب الذين لا يدركون أين يكمن خيرهم و لا يرون مصلحتهم بنفسهم و بالتالي يُضَيعون طريق الجنة (المقصود بالجنة هنا الصالح الوطني). هل يعني هذا الكلام أنه يجب دائما أن نُسحَب بالقوة, واحدا تلو الآخر لندرك مصلحتنا المشتركة و ما فيه خيرنا جميعا مع بعض؟ ألهذا السبب يقف “المجتمع المدني” و الأحزاب حائرين لا يعرفون ما العمل بعد أن سمعوا أن الجيش انتقل إلى تأييد معسكر العهدة الرابعة و الخامسة و ربما توريت السلطة؟

الجواب هنا بالإيجاب: نحن لا نتفاعل بصفة جماعية لَما يتعلق الأمر بالمصلحة المشتركة و الخير العام، لم نتعلم أن نتفاعل بانسجام في مواجهة طفرة سياسية مثل التي نعيشها اليوم، لم نتربى بَعدُ على ضمير المواطنة و لا نرى العلاقة المباشرة الموجودة بين جيبنا أو مستقبلنا المهني و بين السياسة، مع أنها واضحة كالشمس أمام أعيننا.

لكن عندما يتعلق الأمر بالمصلحة الفردية ،بمصلحة الهيئة أو الجانب الاجتماعي، تَعَلَمَ الجزائريون أن يخرجوا مسرعين بالآلاف للدفاع عنه كما رأينا مع الأساتذة، الحرس البلدي، الأطباء ،عمال الشبه طبي، المحضرين القضائيين و أصحاب هذا المطلب أو ذاك. المُحَرك هنا ليس ضمير المواطنة و إنما مقياس المصلحة الفردية، المحترم في ذاته، مصحوبا بالتهديد باستعمال قدرتنا على الإيذاء: أعطونا ما نريد و إلا سَنُعَطل البلد.

انعكاس القيم هذا الذي تتغلب فيه مصلحة الفرد، القبيلة أو الهيأة، على مصلحة الجماعة كلها هو السبب الذي أدّى بنا لأن نُستعمر عدة مرات عبر التاريخ، و هو السبب في خضوعنا منذ 1962 إلى سلطة الفَرد و عبادة الشخصية و حكم الجهل و الرداءة و الحيلة. سيكون من طبيعة الأشياء أن تحكُمنا غدا المافيا و البلطجية.                                

نتساءل لماذا لا تقفز إلى أعين كل الناس في بعض الأحيان أشياء رغم أنها غاية الوضوح؟ لا يمكن الخروج من عدة قرون من الإستعمارات المتتالية و التنصب باطمئنان في أشكال حياة معاصرة مقلدين بذلك أمما أخرى، دون أن نتمكن قبل ذلك من القواعد و القوانين التي تسيرها.لا يمكن أن نكون نسخة مطابقة لمواطنين “عاديين” دون المرور على خبرة اجتماعية طويلة وثقافة دولة حقوق وتربية مدنية وسياسية. فتماما مثلما توجد وراثة بيولوجية و جينية ، توجد كذلك وراثة اجتماعية وثقافية.

بالنسبة لنا نحن الجزائريون، فأن تصوراتنا النفسية الموروثة عن أجدادنا و الثقافة الشفوية والريفية التي تلقيناها وممارساتنا الاجتماعية التي ترضخ لتقاليد بالية و شعائرية دينية لا تترك إلا القليل من المجال للعقلانية؛ كل هذه المعطيات لا تزال تتحكم في طرق تفكيرنا و تطبع السواد الأعظم من تصرفاتنا، فتقيهم بذلك من نفوذ زائد  لمستجدات العصرنة تمام مثلما تحمي طبقةُ الأوزون الأرضَ من التعرض الزائد لأشعة الشمس.

لا يمكن لأنظمة اجتماعية وسياسية عصرية ومتقدمة أن تتشكل في مدة 54 سنة فقط ، في ظل غياب سوابق لحكم ذاتي لعدة قرون متتالية، وفي غياب روابط اقتصادية واجتماعية و سياسية بين أفراد المجموعة، وبإنتاج فكري شبه منعدم. فنحن لم نتمكن بعد من تطوير هذا الوجه الخفي من شخصيتنا والذي تنبع منه الأفكار والتصرفات التي تدفعنا أحيانا إلى المشي عكس مسيرة التطور البشري، مثلما حدث مع الظاهرة الإسلاموية.

نتظاهر أن كل شيء على ما يرام و أن حالتنا “عادية” ونفضل الاعتقاد أنه لا يوجد فرق بين إنسان لم يسبق له أن عرف الاستعمار, وآخر مرت عليه استعمارات سياسية وعسكرية و ثقافية عديدة؛ و نظن أن الاثنين متساويين ويمكنهما لعب نفس الأدوار.

يمكن تبسيط الأمور باستعمال صورة قد تزعج قليلا لكني أخالها توضح الفكرة أكثر. خلال فترة الاحتلال الفرنسي كانت الجزائر بالنسبة للفرنسيين عبارة عن مستعمرة، و بالنسبة للجزائريين سجننا كبيرا بحجم بلد. بعد أكثر من قرن من الحبس تخللته بضع محاولات للهرب، تمكن السجناء أخيرا من التنظم والاتفاق على مخطط يحررهم من قيود سجانيهم. و بدأ التمرد يوما وطال كل أجنحة السجن مستمرا سبع سنوات انتهت باستسلام الإدارة و كتائب سجانيها ورحيلهم, وهرب ال10 ملايين من السجناء دفعة واحدة.

كان عندئذ على هؤلاء أن يتزودوا بهيئات أصبحت ضرورية لضمان بقائهم على قيد الحياة. لكن السجناء، باستثناء عدد قليل منهم درسوا أثناء قضاء فترتهم، لم يعرفوا إلا القليل عما قد تكون عليه دولة أو عن كيفية صناعة واحدة تناسبهم. القليل الذي كانوا يعرفونه كان باركا تحت سيطرة تصورهم الدون- واعي للكون، والذي يختلط فيه المعاصر مع التقليدي المحافظ، و تجتمع و تختلط فيه أفكار عديدة مع بعضها: الله، الرسول (صلعم)، الخلفاء الراشدون منهم و غير الراشدين. لقد كانوا يرون في الدولة وجها للسلطة، للتسلط، للقيادة و للقوة المهيمنة التي تخضع لها القوى الأخرى.

كل صور الماضي التي كانت  تحصيها الذاكرة السياسية للمتحررين الجدد كانت تصب في اتجاه نظرة السلطة المطلقة: الأقليد وملوك ما قبل التاريخ، السلطان و أمراء الخلافات العربية الأمازيغية، الداي والباي في العهد العثماني و الباشاغا و القايد خلال فترة السجن. فاضطرت الدولة الجديدة إذا و من أجل كسب الشرعية إلى السعي للتزود بواجهة جديدة، واجهة مخادعة : ضمان الخبز والبرنوس لقدامى السجناء و توزيع الريع والامتيازات على الخادمين الجدد.

الدولة الجزائرية التي ولدت من رحم هذا التصور وتلك الظروف لم تنبع من رضي مجموع السجناء بل تشكلت من تلقاء نفسها. و تأمن بذلك استمرار الأساليب التسلطية القديمة للحكم انطلاقا من حكم بن بلة ، واستمر من بعده مع خلفائه، وصولا إلى الرئاسة الأبدية في عهد بوتفليقة. هذه هي الأشكال التي يعرفها الجزائريون و تلك كل الثقافة السياسية التي شهدوها مند قديم الزمان.

بين سنتي 2011 و 2013 كتبت مساهمات نشرت في صحيفة Le Soir d’Algérie   تطرقت من خلالها إلى الربيع العربي (و لنا لها عودة عمّا قريب). ولم يكن اهتمامي موجها نحو مظاهره أو نتائجه السياسية، بل نحو أسسه الثقافية والنفسية، وكانت نظرتي إليه فكرية وثقافية. وراء تحركات الجماهير والخطابات السياسية، كنت أتفحص بمنتهى الدقة التيارات الفكرية التي تسقيها. كنت ألاحظ عن قرب الحالة الجديدة للإنسان العربي المسلم و هو حائر بين اتجاهين تاريخيين مختلفين.ممزقا بين الخيار الديمقراطي و التجربة الدينية. و عندما وصل وقت الانتخابات، حاولت أن أشرح كيف سينتج عن هده الصحوة السحرية تصويت آلي. كنت أرى في سقوط الأنظمة تهاو لثقافة استبدادية يحملها على حد سواء الحاكم و رعيته القابلة للاستبداد.

جزء كبير من شعبا يحمل في ذاته القابلية للاستعباد كما كان يحمل في السابق “القابلية للاستعمار”. حتى بين الذين يتحلون بمظهر معاصر وعقلاني أو الذين درسوا في مستويات عالية في الجزائر أو الخارج، نجد منهم من يغني ونحن في الألفية الثالثة أغنية الرجل الوحيد القديمة. من المسؤول عن هذه الوضعية التي نوجد عليها مند القدم؟ الله؟ التاريخ؟ اليد الأجنبية؟ أم بكل بساطة نحن أبا عن جد، عبر الأفكار الخاطئة التي تحركنا و تتحكم فينا دون أن نشعر.

حين ننظر إلى الأشياء من منظور القانون الدولي و الأمم المتحدة أو باقي دول العالم فإننا نرى أننا شعب واحد. لكن عندما ننظر إليها بأعيننا نحن نرى أننا، تحت تأثير بعض الظروف، نصبح كأننا شعبين على الأقل (نجد أيضا انقسامات ثانوية أقل أهمية) يمكنهما الوصول إلى درجات عالية من التشدد والعنف. مثلما حدث في 1992 حيث أصبح هنالك من جهة “المسلمين” و من جهة أخرى “غير المسلمين”. كان الإسلاميون ينظرون إلى العلمانيين والديمقراطيين على أنهم كفار وأعداء الإسلام، يجب قتالهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين. في الجهة المقابلة، يعتقد الآخرون أنه يجب إلقاء الإسلاميين في وسط البحر كما فعل الأمريكان ببن لادن.

إن الحقيقة التي تأتي إلينا من بعيد و التي تطفو على سطحنا قادمة من أعماق التاريخ هي دائما الأفضل و الأمتن. لكونها وصلت إلينا عبر العصور و الأزمان فهي حتما “الحقيقة الحقيقية”. الفيلسوف الصيني “سونتزو” قال قبل 25 قرنا : “العدد وحده لا يعطي التفوق“. هذه الحقيقة العسكرية صالحة أيضا في مجالات السياسة والعلم أين تأخذ أقلية صغيرة، بل بالغة الصغر، القرارات الصائبة و الحاسمة التي تحل العقد و تحقق بدلك التقدم المادي و الأخلاقي.

جيش التحرير لم يهزم الجيش الفرنسي بعدد الجنود أو كثرة السلاح أو حتى بالمعرفة الجيدة لميدان المعركة بل حقق النصر لأن قضيته كانت عادلة. فقد كان الشعب الجزائري يدافع عن أرضه و شرفه و يحارب في سبيل استقلاله، بينما جاء الجيش الفرنسي مطبقا لأوامر الجمهورية الرابعة بالحفاظ على مستعمرة يقيم فيها مليون أجنبي بين تسعة ملايين من الجزائريين. تعداد الجيش الفرنسي قارب المليون بينما لم يتجاوز عدد المجاهدين 30.000. لكن عدد الجزائريين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب فرنسا كان يفوق 100.000.

كما أن الثورة لم تفجر من قبل كل الشعب ولا من قبل الأحزاب التي كانت تشكل الحركة الوطنية بل من قبل مجموعة من 22 جزائريا شكلت اللجنة الثورية للوحدة و العملCRUA  بعد ذلك فقط تم تجنيد الجماهير وفي بعض الأحيان إرغامها على المساهمة في تدعيم الثورة بالمال والمؤن والمخبأ إلى أن وصل استفتاء جويلية  1962 و الذي صوتت فيه الأغلبية الساحقة من الجزائريين البالغين لصالح الاستقلال.

يحمل مصطلح “الشعب” واحدا من أصعب المواضيع وأكثرها إبهاما وتميعا وهذا ما يجعله عرضة للمزايدة أو حتى الاحتيال. بالمفهوم النظري للكلمة، الشعب هو كل الناس بلا استثناء. لكن طريقة استعمالها في السياسة تسمح بتطبيقها على الناس كلهم أو جزء صغير منهم على حد سواء. و المستبدون الذين يتباهون دائما بوقوف الشعب معهم ما فتؤو يستغلون و يتلاعبون بالضبابية و العمومية التي تميز الكلمة، فيسوقون صورة الرجل الواحد القائد وخلفه صفوف الجماهير المتراصة المتلاحمة. و بالتالي فان الفرد الذي يخرج من صفوف الجماهير مخالفا و واقفا لوحده يصبح هو الخصم و العدو.

لم يسبق و قامت واحدة من الثورات التحررية أو الاجتماعية التي عرفتها البشرية جمعاء عبر التاريخ بتجنيد الشعب بأكمله، ليس لأن جميع أفراده لم يحملوا نفس الفكرة ولكن لأن جميعهم لا يقيمون بمكان واحد، ولا يستعدون في وقت واحد، ولا يوجدون على نفس المستوى من المعلومات، و لا يكون لديهم نفس درجة الوعي و التجند، و ليس في صالحهم أن تتغير الأمور، ولعدة أسباب أخرى. حتما و دائما سيقف مقابلا للذين يريدون تغيير النظام السائد أولئك الذين لهم مصلحة في الإبقاء عليه.

وكذلك دائما فان المعارضون لشيء ما هم من يخرج للتظاهر ضده و ليس الذين معه، لكن هذا لا يعني أن الذين لا يخرجون يوافقون النظام أو يساندونه. من بين هؤلاء يوجد الذين لا يعرفون ما يحدث، والذين يعرفون ولا يبالون به، والذين يخشون تلقي ضربة أو رصاصة، و الذين يخشون على “خبزتهم”، والذين لا يرون ما يمكن أن يجنوه من ذلك.

استنتاجا منه فان ثورة شعبية أو تغييرا للنظام يمكن أن تحدثه الأقلية الصغرى، بل بالغة الصغر من الشعب، 1 أو 2 أو 3 بالمائة على الأكثر. ولا يتطلب اكتساب مطلب اجتماعي أو إسقاط نظام فاسد أن ينتفض كل الشعب. فهذا لن يعتبر ثورة بل طوفانا ونهاية للعالم. كم كان عدد التونسيين الذين أسقطوا بن علي؟ بضع مئات الآلاف من بين 10 ملايين تونسي.  و كم من المصريين تمكنوا من ترحيل مبارك؟ مليون أو اثنين من أصل 80 مليونا.

عندما وقف 5 أعضاء من حركة “بركات” على رصيف جامعة بوزريعة ليعبروا عن رفضهم للعهدة الرابعة في مارس 2014، ردت السلطة آنذاك بابتسامة ساخرة لكن هذا لم يمنعها من إرسال 10 أضعاف أو 20 ضعفا من قوى الأمن لتطويقهم. فمن أين يبدأ الحد الذي يمكن اعتباره كافيا لإنجاح معارضة كهذه؟ مع العلم أن 1 في المائة من الشعب فقط سيمثل 400.000 شخصا على الأقل.

اذا أرادت الأقلية الواعية المتواجدة في صفوف المجتمع المدني أن تقلب الموازين لتأسيس واقع جديد، فما عليها إلاّ أن تغير مناهجها و أن تعتمد إستراتجية سلمية غير مألوفة عوض أن تنتظر الحل من انفجار شعبي تكون أضراره أكثر من فوائده.الفرص لا تزال سانحة : فسنَتيْ 2017 و 2019 قاب قوسين منّا أو أدنى.

 

*ترجمة بوكروح وليد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى