الجزائرالرئيسيةسلايدر

الإسلاميون الجزائريين ينزلون إلى الأرض للوصول إلى السماء..!

د . محمد لعقاب

هناك حدثان بارزان يستوقفان المحللين السياسيين بخصوص الأحزاب الإسلامية في الجزائر من أجل استشراف مستقبل هذا التيار السياسي، يتعلق الأول بقرار كل الأحزاب الإسلامية المشاركة في الإنتخابات التشريعية المقررة أواخر شهر أفريل أو مطلع شهر ماي 2017، أما الثاني فيتعلق بتوحد الإسلاميين في قطبين سياسيين وكلاهما عبارة عن عودة للحزب الأول أو الحزب الأم.

وهكذا يمكن القول أن الفراخ بدأت تشعر بالحنين إلى العش الأول، في إيقاع يشبه ما قاله الشاعر: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى، فما الحب سوى للحبيب الأول، كم من بيت في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل.

إن قرار التحالفات فيما بين الإسلاميين أو قرار العودة إلى العش، ثم قرار المشاركة في الإنتخابات يعتبر بمثابة نزول من السماء التي كانوا يحلمون فيها في بداية الربيع العربي إلى الأرض التي يعيشون واقعها بعد فشل الربيع العربي. وبدون شك فإنهم يؤسسون لحلم جديد هو الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان من أجل العودة إلى السماء من خلال المشاركة في الحكومة.

حركة التغيير تعود لبيت الطاعة

إن الوحدة التي حدثت بين حركة مجتمع السلم وحركة التغيير تعتبر بمثابة عودة حركة التغيير لبيت الطاعة بعد أن خرجت غاضبة من حزبها الأم، لذلك لم يجد الطرفان أي صعوبة في الإبقاء على حركة مجتمع السلم في انتظار اختفاء حركة التغيير، بمعنى حدث \وبانت لحركة التغيير في حركة مجتمع السلم.

لأن حركة التغيير نشأت قبل 4 سنوات تقريبا على يد قياديين سابقين مرموقين في حركة مجتمع السلم منهم عبد المجيد مناصرة رئيس الحركة الذي شغل منصب وزير في وقت سابق.

وقد تم الإتفاق على أن يخوض الحزبان الإنتخابات التشريعية القادمة بقوائم موحدة في كل ولاية، لكي يتمكنوا من الحصول على أكبر قدر من الأصوات. ويراهن هذا القطب على الفوز بنحو 40 مقعدا في البرلمان القادم، في تناغم مع التحليلات التي تتوقع أن لا يقل نصيبهم عن 20  مقعدا في اسوأ الحالات.

كذلك قرر هذا القطب العودة إلى المشاركة في الحكومة بعد انسحابه منها عام 2012 تحت تأثير الربيع العربي، حيث كانت حركة مجتمع السلم حينها تتوقع أن يمتد الربيع العربي من تونس ومصر إلى الجزائر ليصلوا إلى الحكم في الجزائر كما وصل إليه الإخوان في تونس ومصر. لكن الإصلاحات التي قادها الرئيس بوتفليقة مثل إلغاء حالة الطوارئ، وتعديل الدستور والعديد من القوانين ومنح قروض للشباب لإنشاء مؤسسات، وغيرها من التدابير، حالت دون حدوث ربيع عربي في الجزائر، فبقي هذا الحزب في المعارضة وعضوا في هيئة التشاور التي يقودها علي بن فليس، وأبان عن مواقف “شرسة” تجاه النظام، قبل أن يعلن عن رغبته في العودة إلى انتهاج أسلوب المشاركة في الحكومة.

فراخ جاب الله تعود إلى العش

إن التحالف الذي نشأ بين حزب العدالة والتنمية وحزب النهضة وحركة البناء، يمكن اعتباره أيضا بمثابة عودة لأصحاب المباردة إلى الحزب الأم وهو حركة النهضة الذي عرف أزهى أيامه في التسعينيات، قبل أن يحدث له ما يحدث لفراخ العصافير عندما تبدأ في إتقان الطيران، لتخرج من العش الواحد تلو الآخر، حيث انقسمت النهضة لتظهر حركة الإصلاح، ثم تنقسم على نفسها ليظهر حزب العدالة والتنمية، كما تفرّخت منها أيضا أحزاب أخرى مثل الجزائر الجديدة، وهكذا يمكن القول أن الفراخ بدأت تشعر بالحنين إلى العش الأول.

وكان ممكنا لحركة البناء أن تعود لحركة مجتمع السلم على اعتبار قادة البناء من الشخصيات البارزة في حركة مجتمع السلم، قبل تنسحب منها لتؤسس البناء، وإن فضلت الإلتحاق بمؤسس النهضة عبد الله جاب الله، فهذا لا يغير في الأمر شيء على اعتبار أن الوعاء الإسلامي واحد وإن اختلفوا في بعض التفاصيل.

ويراهن هذا القطب بدوره على الفوز بنحو 40 مقعدا في الإنتخابات التشريعية القادمة، بينما يرى المحللون أن حظوظه يمكن أن تتراوح بين 10 – 15 مقعدا بسبب تراجع شعبية النهضة لصالح جبهة العدالة والتنمية قبل أن تضعف شعبيتها وكذلك تواضع شعبية حركة البناء لأنها تغترف من نفس وعاء مجتمع السلم.

وتقوم خطة هذا التحالف على خوض غمار الإنتخابات التشريعية بقوائم مشتركة بين الأحزاب الثلاث، وتقوم الأحزاب بجمع التوقيعات من طرف المواطنين بشكل مشترك من أجل تحريك القواعد النضالية، لأن هذا التحالف يبدو أنه متوفر على 4 بالمئة في الإنتخابات السابقة.

وبعد الإنتخابات التشريعية يمكن تحويل هذا التحالف إلى حزب سياسي، على أن يعتمد كحزب سياسي جديد، أو يتم الإندماج في حزب قديم مثل الحزب الأم وهو حركة النهضة مثلا لتفادي اللجوء إلى عقد مؤتمر ثم انتظار الإعتماد من طرف وزارة الداخلية.

محاولات لتوحيد القطبين الإسلاميين لخوض الإنتخابات بقائمة واحدة

في سياق ذي صلة، وبعد نجاح عملية ادماج عدة أحزاب إسلامية في قطبين، ما زالت المحاولات متواصلة لإقناع الآخرين بالإلتحاق بهذا القطب أو ذاك.

وبالموازاة مع ذلك، كشف أ[و جرة سلطاني في برنامج تلفزيوني بثته قناة جزائرية خاصة، أن هناك محاولات أو رغبة في توحيد القطبين الإسلاميين لخوض الإنتخابات التشريعية القادمة بقائمة واحدة، حتى تزيد حظوظهم في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في التشريعيات، ليصبح الأمر واضحا أن الإسلاميين الجزائريين قد يخوضون الإنتخابات الرئاسية المقررة عام 2019 بمرشح واحد.

دواعي توحد الإسلاميين الجزائريين:

هناك عدة عوامل ساعدت ودفعت بالإسلاميين الجزائريين إلى الوحدة والتحالف أو الإندماح أو العودة إلى العش، منها:

1 – تراجع شعبية التيار الإسلامي في الجزائر، ولم يعد خطابهم يمتلك القدرة على تعبئة الجماهير.

2 – فقدان التيار الإسلامي في الجزائر لشخصية كارزمية مثل راشد الغنوشي في تونس منذ رحيل الشيخ نحناح رحمة الله عليه.

3 – لقد تأكد بشكل نهائي لجميع الإسلاميين أن التفرقة التي أصابت هذا التيار وانقسامه بسبب حب الزعامة إلى عدة أحزاب، هي التي قزمت حجمه السياسي في المجلس الشعبي الوطني، وحتى في المجالس الشعبية البلدية والولائية، وبالنتيجة تقلص حجمه في مجلس الأمة إلى درجة الصفر.

4 – تأكد الإخوان بصفة خاصة وكل التيار الإسلامي بصفة عامة أن الربيع العربي الذي راهنوا عليه لن يحدث في الجزائر لعدة اسباب منها الإصلاحات السياسية التي باشرتها الدولة، ومنها التجربة الدموية القاسية مع الإسلاميين في التسعينيات، لذلك قاموا بمراجعات أدت بهم إلى المشاركة في الإنتخابات فضلا عن قرار المشاركة في الحكومة وأخيرا قرار الوحدة بين مختلف الأحزاب الإسلامية.

5 – إن الدستور الجديد لعام 2012 يعطي عدة امتيازات للأحزاب الممثلة في البرلمان منها حق إخطار المجلس الدستوري بمدى دستورية القوانين، ويرغب الإسلاميون الجزائريون في الإستفادة من ذلك وممارسة المعارضة من داخل المؤسسات وليس من خارجها.

6 – كذلك ينص دستور 2012 على تعيين رئيس الوزراء بالتشاور مع الأغلبية البرلمانية، ومعنى ذلك أنه كلما كان للإسلاميين مقاعد أكثر في البرلمان كانت لهم الفرصة أكبر للتفاوض على منصب الوزير الأول وعدد الحقائب الوزارية ونوعيتها.

7 – ينص قانون الإنتخابات الجدديد في المادة 73 على أن الحزب الذي لا يملك نسبة 4 بالمئة من الأصوات في الإنتخابات السابقة مطالب بجمع توقيعات المواطنين حتى يسمح له بالترشح في الإنتخابات اللاحقة. ولأن عملية جمع التوقيعات صعبة ومعقدة ومكلفة ماديا وغير مضمونة النتائج، فقد باتت المشاركة في الإنتخابات الحالية خيار شبه حتمي.

8 – تأثير حركة النهضة التونسية في الإسلاميين الجزائريين حين تقاسمت الحكم بعد “الثورة” في تونس، وتنازلت عن الترشح لرئاسة الجمهورية لحزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي، ثم تخليها عن العمل الدعوي لصالح العمل السياسي الحزبي وترك العمل الدعوي للمجتمع المدني.

9 – فشل تجارب مقاطعة الإنتخابات التي اختبرتها عدة أحزاب غير إسلامية في الجزائر، وإسلامية في غير الجزائر، وتأكد للإسلاميين الجزائريين بأن المقاطعة ليست سياسة ناجحة.

10 – لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه أبو جرة سلطاني وهو الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم ووزير دولة سابق وتقلد حقائب وزارية عدة مرات لإقناع قيادات حركة مجتمع السلم ومجلس الشوري بضرورة التوحّد والمشاركة في الإنتخابات والحكومة أيضا.

11 – هناك احتمال تأثير رئيس اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الإنتخابات عبد الوهاب دربال وهو شخصية إسلامية مؤسس لحركة النهضة على الإسلاميين وحثهم على الوحدة والمشاركة في الإنتخابات ومن ثمة في الحكومة القادمة.

12 – تهديد وزير الداخلية نور الدين بدوي بتغيير قانون الأحزاب بعد الإنتخابات التشريعية القادمة، بحيث سيتم حل الأحزاب التي لا تشارك في تنشيط الحياة السياسية، بمعنى الأحزاب التي تقاطع الإنتخابات.

13 – تأثير المعطيات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، حيث لم يعد الجزائريون يقبلون بممارسات سياسية قد تعيد انتاج الوضع الليبي أو السوري في الجزائر.

استشراف:

بناء على ما سبق، يمكن القول أن الساحة السياسية في الجزائر بدأت تتشكل في أقطاب، حيث لا مستقبل للأحزاب الصغيرة، التي أصبحت مطالبة بالإندماج في أحزاب أخرى أو التحالف مع أحزاب أخرى أو تنتظر الإفلاس.

ومنه يمكن القول أن الإسلاميين في الجزائر سيكون لهم حضور واضح في البرلمان القادم بما لا يقل عن 50 – 60 مقعدا، ما يؤهلهم لتقلّد حقائب وزارية في الحكومة القادمة.

كذلك، ومن خلال هذه التحالفات سيكون للإسلاميين أيضا مقاعد معتبرة في المجالس الولائية وفي المجالس البلدية، الأمر الذي يؤهلهم للفوز ببعض المقاعد في انتخابات مجلس الأمة.

وهكذا من المتوقع أن يضم البرلمان القادم فسيفساء سياسية، ما يعني بالنسبة للدولة توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، وتنشيط العمل السياسي داخل البرلمان أكثر فأكثر، الأمر الذي قد ينعكس إيجابيا على إقبال الشباب على العمل السياسي والقضاء على ظاهرة العزوف الإنتخابي مستقبلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى