أراء وتحاليلالجزائر

الجزائر ترفض أن تقول “لا” لفرنسا

خليفة ركيبي

في التسعينات من القرن الماضي ، كتب اكيو موريتا وشينتارو  ايشيهارا  كتابهم المعروف والمعون بـ” تسطيع اليابان أن تقول لا “The Japan That Can Say No ” وهو الكتاب الذي أصر فيه المؤلفان على قدرة اليابان في أن لا تكون تباعا لأي قوى عالمية وخاصة القوة الأمريكية لأن اليابان تملك كل مقومات الدولة القوية ذات السيادة من رصيد تاريخي وتطور اقتصادي و بنية اجتماعية محافظة على ثقافتها وهويتها .

عبر الكاتبان على سخطهما وغضبهما من تحول اليابان إلى تابع وفي المقابل أعتبر المؤلفان أن قوة أي دولة وخاصة اليابان هي في قول “لا” ، لا للتبعية والأوامر والحفاظ على استقلالية القرار الياباني.

في حين أن الجزائر غير قادرة اليوم على قول لا لفرنسا، ولا أقول فرنسا الاستعمارية بل  فرنسا “الجمهورية الخامسة” وكأن “النظرة الرسمية ” تحولت إلى متلازمة ستوكهولم  في البداية ، أي أن تغرم الضحية بجلادها، لتصبح أكبر من ذلك ، إلى إحساس بالمازوشية ، أي أن “تتلذذ” الضحية بالعذاب أيا كان نفسيا أم جسديا ، فلقد تجاوزنا مرحلة “المتلازمة العصابية” إلى مرحلة أكثر مرضا وهوسا ، إلى طلب “التعذيب” من الجانب الآخر وهذا ما يفسر الى حد كبير أنه بعد 55 سنة من الاستقلال مازال الكثيرون يعتقدون أن سيادتنا مازالت منقوصة .

فالجزائر اليوم عكس اليابان ، غير قادرة على قول “لا” في وجه الجمهورية الخامسة ، ومازالت النظرة الرسمية تتعامل مع فرنسا على أنها “عدو حميم” ، وأننا غير قادرون على قول لا  لأن ذلك سيكون مكلفا .

وفي الحقيقة ، أن  السيادة التي يتغنى البعض بالحديث عنها وخاصة زعماء أحزاب ما  تسمى بـ”الموالاة” – وهي تسمية غريبة وغير منطقية أساسا –  هي فعلا منقوصة ليس في الجانب الاقتصادي بل في الجانب النفسي أولا ، فلا يمكن أن تحقق أي سيادة اذا كنت تعتقد أنك “ضحية” ، ثم أنك كضحية وقعت مكرها في غرام من اغتصبك ، ثم أخيرا تطلب من هذا المجرم –على حد قول فقهاء القانون – أو الجلاد –على حد قول خبراء النزاعات الأهلية- أن يبدأ في تعذيبك لتشعر بالقهر الذي هو في النهاية إشباع نفسي وجسدي .

في ظل هذه الحالة التي هي أبعد من “الفوبيا” – لا علاقة لها بذلك- والأقرب إلى “العصاب ” والأمراض النفسية المزمنة – كيف يمكن أن نتحدث حتى على مفهوم السيادة ، واغتنم هذه الفرصة لأعطي دليلا آخر على غياب مفهوم السيادة بالمعنى السياسي والقانوني الحرفي للكلمة، إذ أن كل السفارات في الجزائر ترسل “مذكراتها الدبلوماسية diplomatic note إلى وزارة الخارجية باللغة الفرنسية وليس بالعربية لأن طاقم الموظفين المحليين داخل هذه السفارات يقول للمثلين الدبلوماسيين أن اللغة الفرنسية هي “اللغة الرسمية” للجزائر وأنه لا فائدة من إرسال أي طلب كان باللغة العربية فهو سيرفض تلقائيا، وهكذا فإن معظم الدبلوماسيين الغربيين في الجزائر كفرنسا وأمريكا وألمانيا يشربون هذه القاعدة و يؤمنوا أن اللغة الرسمية المتداولة في أعلى الهرم الدبلوماسي أي مع الحكومة الجزائرية هو الفرنسية .

فهل في ظل هذه المازوشية يمكن للجزائر أن تقول لا،  أم أنها لا تستطيع أن تقول لا……..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى