أراء وتحاليلالجزائر

الجزائر ستعبثُ بمؤامرات المخزن المغربي والصهاينة

  زكرياء حبيبي

عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من التعليقات الساخرة على خبر توقيف السلطات الأمنية الجزائرية خلية مكونة من 10 أشخاص بولاية غرداية، يعملون كجواسيس للكيان الصهيوني، عثر بحوزتهم على أجهزة تجسس ورصد جد متطورة، إضافة إلى معدات إلكترونية وهواتف متصلة بالأقمار الاصطناعية، وذهب بعض النشطاء إلى الإدعاء بأن هذه العملية هي من فبركة مصالح الأمن الجزائرية، لإيجاد الأعذار لمُمارسة المزيد من التضييق على الحريات، وإطالة عمر نظام الحكم في الجزائر.

هذه التعليقات الساخرة لم تكن عفوية على الإطلاق برأيي، فهي تندرج في سياق الحرب النفسية على الجزائر، لإحداث شرخ عميق بين المواطنين والسلطات، وتعميق أزمة الثقة بينهما، بالشكل الذي يسمح بتمرير المشاريع التخريبية في الجزائر، والتي باتت تأتينا من جهات مُتعدّدة، وعلى رأسها الكيان الصهيوني المُتحالف مع “صديقنا الملك” في المغرب، فيكفي على سبيل المثال لا الحصر، أن نُورد تعليقين في هذا السياق من ناشطين على صفحات الفايسبوك، كما تمّ نشرهما، وبأخطائهما اللغوية والتركيبية، لنقف على حقيقة ما يتمّ تحضيره للجزائر، بالإعتماد على شرذمة من عديمي الوطنية، وحتّى المُستوى المعرفي، فهذان الناشطان اللذان يلبسان عباءة “الإعلام والصحافة” في الجزائر، كتبا بالتوالي ما يلي:

“قالك: تفكيك شبكة جوسسة متعددة الجنسيات تعمل لصالح الكيان الصهيوني بغرداية وقد تم إيداعهم الحبس الاحتياطي… خبر يروج له في يوم عطلة “جمعة” ضمانا للتهريب الشامل المفتعل خدمة لسنوات أخرى من الحكم… نخفوهم باش نبقوا نحكموا”، وأضاف زميله في المُقاولة ما يلي: “قالك الموساد في غرداية والماك في تيزي، والمغاربة في تلمسان، البلد اتباعت يا ولاد..”، سوف لن أسرد باقي التعاليق وهي كثيرة للغاية، كما أنّني سأتحفّظ هذه المرّة عن كشف هويّة هاذين البيدقين، لأنّ ما يهمّني الآن ليس كشف البيادق، وإنّما كشف مُخطّط ومرامي وأهداف من يُشغلها، وبرأيي دائما أنّ ذلك لن يتأتّى إلا باستقراء مجموعة من الأحداث التي وقعت مؤخرا، والتي تحمل بكلّ تأكيد تفسيرا مُقنعا لحالة الهستيريا التي أصابت البيادق عندنا في الجزائر.

فمنذ أيام قليلة، خرجت علينا وكالة المغرب العربي للأنباء، وهي الوكالة الإعلامية الرسمية في المغرب، بمقال ناري، يحمل كلّ معاني الحقد والكراهية تُجاه الجزائر، عنونته ب: “بين أعمال الشغب وتراجع عائدات النفط، أفق مظلم يخيم على الجزائر”، حاول من خلاله صاحب المقال، أن يُقدّم لنا الجزائر وكأنّ النّيران قد إشتعلت في كل أرجائها، وأنّه لا ينتظر سوى الوقوف على رمادها لا غير، فصاحب المقال كتب ما يلي:

“تعيش العديد من المدن الجزائرية على وقع أعمال الشغب والمطالب الشعبية جراء الزيادة في أسعار المواد الأساسية بشكل لا يطاق”، “وبين التوترات الاجتماعية وتراجع عائدات النفط، فإن الأخبار السيئة ما فتئت تتراكم، والأفق المظلم يخيم على النظام الجزائري في ظل تراجع الجزائر على الساحة الإفريقية جراء حرب المواقع بين مختلف مراكز السلطة”، هذا المقال الحاقد والذي لا يستند على الإطلاق إلى حقيقة ما عاشته وتعيشه الجزائر، أرى شخصيا أنه تعبير صادق من صاحبه ومن ورائه مُحرّكوه، على أنّ “جارنا الملك”، قد فقد البُوصلة، وأنه لم يعد بإمكانه اليوم سوى مُواصلة اللعب في الوقت بدل الضائع، ليس بغرض تحقيق أي نتيجة، وإنّما فقط لمُواصلة لُعبة التحرّش وإفساد نشوة الجزائريين بالإنتصار مُجدّدا على صُنّاع الفتن، فما يغيب اليوم عن القصر الملكي المغربي “رُبّما”، أن مدينة بجاية التي انطلقت منها الإحتجاجات، قد خرج أهلها رافعين الراية الوطنية الجزائرية للإحتفال برأس السنة الأمازيغية “يناير”، في مشهد وطني رائع يريدون من ورائه أن يُثبتوا للعالم أجمع أن الجزائر ستبقى للأبد واحدة مُوحّدة، وأنّ كلّ محاولات المسّ بها، لن يكون مصيرها سوى الفشل.

بعيدا عن العواطف الوطنية، التي هي قدرنا ومصيرنا، نقول لمن غرّر بهم المخزن المغربي والصهاينة، أن الجزائريين، الذين إكتووا بنار الإرهاب لسنوات طويلة، لا يُمكن أن يُغامروا اليوم بأمنهم واستقرارهم، برغم كل المتاعب الإقتصادية والإجتماعية، التي ستزول حتما وعمّا قريب، ليقينهم أنهم عانوا الويلات لوحدهم خلال تسعينيات القرن الماضي، وأن “نظام المخزن المغربي” الذي هو في حقيقة الأمر أهمّ جار جغرافي لنا كان السبّاق لمُحاصرتنا آنذاك، وما دام أن المثل الشعبي يقول بأن “الصديق وقت الشّدة”، وما دام أن نظام المخزن المغربي المدفوع من قبل أطراف فرنسية حاقدة علينا وعلى استقلالنا، والمأجور للكيان الصهيوني، لا غاية له سوى إلحاق الأذى بالجزائر وشعبها، فلا أظن على الإطلاق أن مُراهنته على بعض الحُثالات عندنا، ستُمكّنه من تحقيق أهدافه وأهداف أسياده، وأقول كلّ ذلك من منطلق أن الخطر الكبير الذي يُحدق بالجزائر، مصدره القصر الملكي المغربي، الذي لا يكترث على الإطلاق لمصلحة شعبه العزيز علينا، ولا أدلّ على ذلك من إقدام نظام المخزن هذا، على إرسال وفد من المثقفين المغاربة إلى الكيان الصهيوني للمشاركة في مؤتمر “ماتروز” الذي يعنى بموضوع “الصداقة اليهودية المغربية” هذه الأيام، بعدما سبق له أن أوفد وفدا من الصحافيين المغاربة أواخر السنة الماضية إلى إسرائيل، فالقصر الملكي المغربي من خلال زيارات الوفود المغاربة لكيان الإحتلال الإسرائيلي، يسعى على الدوام، إلى الإرتكاز على المنصة الصهيونية لتقوية مركزه على المستوى الإقليمي والدولي، وفي الوقت نفسه الإستفادة من دعم اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في كبريات وسائل الإعلام في العالم، لزعزعة الأوضاع في الجزائر، وهنا أتساءل وبشكل بريء، كيف أنّ الإحتجاجات في بجاية والبويرة، اندلعت مباشرة بعد انعقاد المنتدى المغاربي حول الهجرة بطنجة الذي انطلقت أشغاله يوم 16 ديسمبر 2016، والتي شاركت فيها بعض الفعاليات الجزائرية، وبالأخص منها، بعض النقابات والنشطاء “الحقوقيين”، فالأكيد برأيي أنّ هذه الإحتجاجات التي لم تلقَ أيّ صدى إلا عند بعض المُشاغبين والمُنحرفين، قد أتت بنتائج عكسية للغاية، حيث إنّها شكّلت منصة وقاعدة لأحرار الجزائر، للإلتفاف حول الوطن والدفاع عنه، وهذا ما لا أرى أنه يدعو إلى الإرتياح على الإطلاق، فالحاقدون على الجزائر، وبحسب ما توصّلت به من معلومات، قد انطلقوا اليوم في عقد اجتماعات على مستوى العديد من الولايات لوضع خُطط بديلة، اجتماعات تهدف بالدّرجة الأولى إلى وضع استراتيجية جديدة لتنفيذ مُخطط تدمير الجزائر وتفتيتها، والحال كذلك، فإنّني أهيب شخصيا بالسلطات العليا في البلاد أن تُفكّر بجدّية كبيرة في الإستعانة بملايين الشباب الجزائري الذين هبّوا وبعفوية للدفاع عن الجزائر، مُعتمدين على الوسائل نفسها التي يلجأ إليها مُهندسو الفتن والقلاقل، أي وسائل التواصل الإجتماعي، فهذه القوّة الشبابية تستدعي منّا جميعا أن نوفّر لها وسائل الدفاع والتصدّي، وهذا ليس بالأمر العسير، فيكفي أن تُخصّص السلطات في الجزائر فضاءات للشباب المُؤمن بوحدة واستقرار الجزائر على مستوى كل الولايات “المُحافظات”، وعلى مستوى كلّ الدوائر والبلديات، على شاكلة “نوادي الأوفياء للجزائر”، يلتقون فيها ويُنسقون نشاطاتهم ويُحدّدون أوجه وأشكال التصدّي لكلّ المُتآمرين على البلاد في الداخل والخارج، وإذ أقترح ذلك، فليقيني أن الأحزاب والجمعيات لم ترقَ ليومنا هذا إلى مستوى طموحات شبابنا الذي يريد أن ينخرط في الدفاع عن الجزائر بدون أي مُقابل، فهل ستتحرّك القوى السياسية وقوى المُجتمع المدني، للإسهام في تأسيس هذه الجبهة التي لا يُعوزها إلا فضاء للتلاقي وبضعة حواسيب إلكترونية لمُمارسة نضالها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى