أراء وتحاليل

مساهمة: الجزائر و افاق التغيير

خليفة ركيبي (مساهمة )[1]

الجزء الاول –

لم يعد الارهاب التحدي الامني الوحيد الذي يمكن ان يؤدي الى انهيار الدولة او على الاقل ان يزاحم الاخيرة على شرعية استخدامها للعنف ومركزية الدولة الوطنية في رسم و تنفيذ السياسات العامة ، كما انه لا يمكن اليوم ان يستخدم الارهاب كذريعة  لخنق الحريات العامة و غلق المجال السياسي المعارض  أو حتى التحكم والتوجيه الأحادي لصيرورة العملية السياسية ،من تضليل و اختراق امني و التحكم في الزعامات الحزبية و تفجيرها من الداخل او ارغامها على الاذعان و التسليم لمشيئة السلطة السياسية ، فالوضع قد تغير و المعادلات و الثنائيات القديمة استهلكت الى حد كبير و المجتمع تغير تغييرا اقل ما يقال عنه انه “مقلق” ، فالتحدي الأمني الاكبر الذي يواجه صناع القرار اليوم هو “المجتمع نفسه” و هو ما لم يكن موجودا في العقدين الماضيين ، إذن فلنتساءل بشكل مشروع ما هي افاق التغيير في الجزائر ؟

انني اشير الى التغيير باعتباره عملية تفاعلية لكنه اولا و قبل اي شيء  مطلب اساسي  إن لم يكن “حتميا” لا يقبل الجدل و النقاش العقيم كالذي نشاهده اليوم في قنواتنا الإعلامية ، و التغيير حتمية لأننا لا يمكن أن نبقى في السير على نفس المنهج طويلا ، فالتجارب الإنسانية المختلفة و المحن التي تكبدتها الشعوب و الدول –  ونحن لا نشذ عن هذه القاعدة الإنسانية-  منذ فجر الحضارة الانسانية  بينت ان التغيير سنة بشرية و ان الطبيعة لا تقبل الفراغ و ان المجتمعات المتمدنة أو التي تريد “التمدن” و تطمح إلى ان تكون الرقم الفاعل الوحيد و المؤثر في رسم مستقبلها  تتجه اما عفويا او تنظيميا الى ان تطالب ثم تفرض التغيير على النخب الحاكمة . فنخبتنا الحاكمة وصلت اليوم الى طريق لن اقول انه مسدود وانما طريق  لن يدفع بالبلد نحو الأمام بل على العكس ، ستعمل السياسات المتبعة منذ 99 على  محاولة سد الطريق على تطلعات المجتمع التواق الى الحرية و العدالة و تحقيق دولة القانون بالرغم من غيبوبته الظرفية . اعتقد أن السياسة الحالية بكل مفرداتها و مفاصلها و قواعدها  ستدفع المجتمع تدريجيا إلى التفكير خارج العلبةoutside of the box  ، من الإصرار على تحقيق حاجياته الطبيعية ان صح التعبير الى المطالبة بما هو اقوى و امثل و أعمق ، بالمطالبة بتحقيق القيم الديمقراطية التي تبنى عليها الجمهورية الحقيقية ، ستدفع هذه السياسة غير المتزنة و غير المطابقة للواقع أو لطموح المواطنين ، إلى أن يتساءلوا عن جدوى التضحية بالحقوق المدنية في سبيل تحقيق الحقوق الاقتصادية ، و ستجبرهم على التساؤل عن اجندة الاوليات التي وضعتها النخب و قبلها المجتمع مرغما او بإرادته الحرة (وهذا هو المأزق)  ،و سيتساءل أن كان ينبغي الالتفات الى اوليات اخرى قد تبدأ بالتساؤل حول ما اذا كانت  النخبة الحاكمة و منظومة الحكم قادرة فعلا على تحقيق التنمية الاقتصادية الموعودة  و هل هي قادرة  ايضا على مواجهة الازمات المتكررة في شكلها المرضي المزمن .

قد تكون هذه قراءة أولية تقبل النقاش ، لكن التغيير تقوده “نخب” و الوضع الحالي يؤكد أن القسم الاعظم من المجتمع المدني رافض للتغيير ، إما تواطؤا  أو خوفا ، لكن هنالك رقم اخر جديد في المعادلة ، بدا منذ سنوات يفرض نفسه كقوة للتغيير قد تتجاوز الاطر التقليدية من احزاب و جمعيات ،انها النقابات المستقلة . لا اعتقد أننا إذا نظرنا بعمق إلى هذه النقابات  ،نظرة موضوعية بعيدة عن الانحياز الأيدلوجي أو  مقاربة اتهامية (كما يفضلها الإعلام و بعض الأحزاب ) فإننا سندرك على إنها الوحيدة القادرة على تعبئة  فئات مهنية من المجتمع للمغالبة و المطالبة .تمتلك هذه النقابات كل أداوت التغيير فهي قوة تغيير “ناعمة” لها مطالب تدافع عنها و مستعدة في بعض الأحيان –بحسب النظرية السوسيولوجية المسماة بالعمل الجماعيcollective Action – ان تتحمل التكلفة اي التضحية في سبيل تحقيق الهدف أو الأهداف ،  أي أن تتجاوز ما سمى بمشكلة “المستفيد بالمجانfree rider problem  فهي  تريد تحقيق المنفعة للجميع و ليس لنخبها فقط و تعمل جماعيا و ليس فرديا او بنظرة انانية فردية بل بنظرة كلية  جماعية قد تتجاوزها هي لتشمل المجتمع ككل. و هي قادرة على التعبئة وطنيا و ليس محليا ، متواجدة في كل الولايات ، و ليست متمركزة جهويا او محلويا (مغرقة في المحلية الى المستوى البلدي) ، تستخدم الإضراب أو الاعتصام كأدوات التغيير السلمية المتعارف عليها – بحد تعبير جين شارب Gene Sharp- ، و بغض النظر عن مشروعية (و ليس شرعية) مطالبها فهي على الأقل تحافظ على روح “المقاومة” ،مقاومة السياسات العامة التي تعتبرها جائرة و غير منصفة ، و تحافظ أيضا على مبدأ “الدفاع”  عن الحقوق و ليس الاستسلام  للفوقية النخبوية و ما تصدره من أوامر او قوانين ، و  الدفاع عن الحق هو لس فقط مبدأ بل هو مكون اساسي من مكونات الهوية الإنسانية لأي مجتمع و دليل على انه مجتمع  تدب فيه الحياة من وقت الى اخر حتى و ان اتفقنا على انه  في غيبوبة ظرفية ، “المطلبية” هي مؤشر على ان هذه الغيبوبة تتخللها لحظات اشراق مبدعة .

…..يتبع

[1]  مستشار سابق و مختص في الشؤون الامنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى