اقتصاد وأعمال

الدينار يواصل تراجعه: شبح الانفجار الاجتماعي يكبل الحكومة

أحمد أمير

سجلت العملة الجزائرية تراجعا قويا خلال الأسابيع الأخيرة متأثرة بالانهيار الكبير لأسعار المحروقات ومخاوف الحكومة من توسع العجز في الميزانية العامة وميزان المدفوعات نتيجة تراجع مداخيلها من صادرات المحروقات وانفجار حجم واردتها السلعية التي تجاوزت 65 مليار دولار.

وسجل الميزان التجاري الجزائري عجزا بلغ 10 مليار دولار خلال الأشهر التسع الأولى من العام الجاري.

ويعتبر العجز الأهم منذ العام 2000.

وبلغ سعر صرف اليورو على مستوى سوق الصرف الرسمية بين البنوك 124 دينار جزائري الأحد، وهو مستوى أعلى مستوى بلغته العملة الأوروبية الموحدة منذ إصدارها.

وفي السوق الموازية تراجع سعر اليورو بداية الأسبوع الجاري إلى 173 دج للأورو بعد تجاوزه للحاجز النفسي عند 180 دج الأسبوع الماضي تحت ضغط الطلب من تجار السوق الموازية الناشطين في مجال الاستيراد.

وقال تجار عملة في سوق كلوزيل بالعاصمة الجزائر في تصريحات لـ”الجزائر اليوم”: “يشهد سعر الاورو تقلبات منذ أيام، فبعد ملامسته سقف 180 دينار نزل فجأة إلى 165 دج قبل معاودته الاتجاه صعودا نحو 173 دج”.

ولا يتدخل بنك الجزائر في السوق البينية للصرف ما بين البنوك التجارية،حيث يكتفي بمراقبة ودعم استقرار الوضعية المالية الخارجية للبلاد التي تأثرت سلبا نتيجة تراجع

أسعار بأزيد من النصف في ظرف سنة واحدة.

وقال أحد تجار العملة إنه راقب حركة غير عادية خلال الأسابيع الأخيرة بخصوص حجم الطلب على العملة الصعبة، مضيفا أن الأمر لا يتعلق فقط بقلة المعروض من النقد الأجنبي في السوق الموازية بقدر ما يعود إلى طلب مبالغ كبيرة يعتقد أن وجهتها التهريب نحو الخارج.

وقالت مصادر موثوقة لـ”الجزائر اليوم” إن وجهة مهربي العملة تحولت نحو بلدان إفريقية بعد أن تم تشديد الرقابة على الرحلات نحو لبنان وتركيا ودبي والصين وأوروبا.

وأضافت المصادر أن رحلات الخطوط الجوية الجزائرية كانت تستعمل لتهريب العملة الصعبة نحو دول افريقية من قبل مهربين في محاولة لتضليل الشركة الفرنسية والاسبانية المختصة في تعقب رؤوس الأموال المشبوهة.

ويحاول محافظ البنك المركزي أمام تواصل تراجع أسعار المحروقات، دفع الحكومة لتوجيه الإنفاق العام نحو الاستثمارات المحفزة للاقتصاد الذي يعزز النمو خارج قطاع النفط والغاز.

واجتمعت الأخبار السيئة على الاقتصاد الجزائري خلال النصف الثاني من العام الجاري فمن تراجع معدل نمو القطاع الصناعي إلى تراجع أسعار النفط التي بلغت أدنى مستوياتها منذ 2009 في حين تكافح الحكومة لإبعاد شبح التوترات الاجتماعية في ظرف حساس داخليا وإقليميا.

وتغض الحكومة الطرف عن السوق السوداء للعملة الصعبة بحجة إيجاد ملاذ لتوفير الاحتياجات الضرورية لبعض المواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج للعلاج أو الدراسة والسياحة وحتى لبعض التجار والمستوردين.

إلا أن وزير المالية الحالي عبد الرحمان بن خالفة، كان انتقد في وقت سابق وجود قيمتين للعملة الوطنية.

وقدر مسؤولون إجمالي ما يتم تداوله في السوق الموازية للعملة بحوالي 5 مليار دولار.

وقال حاج طاهر بولنوار، الناطق اسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين في مؤتمر بالعاصمة الجزائر، 5 مليار دولار هو المستوى الادني لما يمكن أن تكون عليه السوق الموازية للعملة.

وقال مختصون، إن الحجم الحقيقي قد يصل إلى الضعف على اعتبار أن 10 % من فاتورة الواردات هي عبارة عن غش وتضخيم في فاتورة المشتريات في الخارج على أن يتم إعادة توجيها لشراء عقارات في الخارج أو بيعها في السوق الموازية.

وبلغت فاتورة الواردات 65 مليار دولار عام 2014.

ويشجع الفارق الكبير بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية على المزيد من توسع السوق.

ويفضل الملايين من المهاجرين الجزائريين في أوروبا والخليج تحويل أموالهم عبر السوق الموازية لربح فارق يصل إلى 50٪ أفضل من اللجوء للبنوك الرسمية لتحويل أموالهم نحو اسرهم في الجزائر.

ويحول المهاجرين والعمال المتقاعدين من أوروبا حوالي 2 مليار دولار سنويا نحو الجزائر ويوجه 90% نحو السوق الموازية.

ويضع البنك المركزي ثلاثة عوامل أساسية لتحديد سعر صرف العملة الجزائرية وهي سعر النفط وبالتالي مستوى احتياطات البلاد من النقد الأجنبي بالإضافة إلى مستوى الإنفاق العام للدولة فضلا عن الإنتاجية المحلية مقارنة مع شركاء الجزائر الرئيسيين معبر عنها بسلة عملات هذه البلدان وعددها 14 عملة لشركاء البلاد الرئيسين.

وبالعودة للأساسيات المشار إليها فإن جميع المؤشرات تكشف عن استمرار انهيار العملة المحلية، فلا اسعار النفط تحسنت ولا الإنتاجية وتنافسية الاقتصاد المحلي تبشر بالخير على المستوى المنظور على الأقل، مما دفع بالحكومة إلى مغامرة ترك الدينار ينهار في محاولة لكبح جماح فاتورة الاستيراد فيما تراهن الحكومة على ورقة الدعم الشامل لتغطية أثار انهيار القدرة الشرائية لشريحة واسع من الجزائريين.

وتفضل الحكومة تحمل أعباء الدعم التي بلغت 65 مليار دولار هذا العام على مواجهة انفجار اجتماعي قد يأتي على الأخضر واليابس.

ويحاول البنك المركزي إجراء انزلاق متحكم فيه للعملة الوطنية مقابل العملات الرئيسة للحد من ارتفاع الواردات ولكن منذ الصيف الفارط أصبح توجه خفض العملة شبه رسمي ولكن بصفة غير معلنة رسميا ما دفع بأسعار المواد المستوردة إلى الارتفاع.

وقال متابعون ستضطر الحكومة لقبول تخفيض الدينار أمام العملات الرئيسية وخاصة الدولار لتحقيق مكاسب على جبهتين، الأول الحد من العجز في الميزانية بالنظر لأن سعر صرف الدولار يحدد خلال إعداد الموازنة بشكل شبه إداري وبالتالي كلما تراجع سعر الدينار كلما تقلص العجز على الورق على الأقل، وثانيا كلما تراجع سعر الدينار كلما أصبح فعل الاستيراد أكثر صعوبة وهو ما تأمله الحكومة منذ سنوات أمام التفاقم الحاد في فاتورة الواردات من السلع والخدمات التي بلغت 65 مليار دولار.

ويعتبر فعل الاستيراد في الجزائر إلى اليوم على الأقل، نشاطا حرا تماما ولا تُمارس الدولة أية قيود على الاستيراد ويسمح لكل شركات التي تعمل في مجال التجارة الخارجية بالنفاذ الحر للعملة الصعبة على مستوى البنوك التجارية شريطة توطين عملياتها على مستوى بنك من البنوك المعتمدة في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى