الذكرى 62 لمؤيمر الصومام
عبد المالك بوشافة*
*سكرتير أول سابق للأفافاس
بعد البيان التاريخي لأول نوفمبر 1954 وهجمات الشمال القسنطيني في 20 أوت من سنة 1955، جاء مؤتمر الصومام كحدث سياسي وتاريخي بارز في مسيرة الثورة الجزائرية.
لقد كان مؤتمر الصومام، طبعا، حدثا سياسيا كبيرا: بنوعية المشاركين فيه، حدثا كبيرا بأهمية القرارات المتخذة خلاله. هذه القرارات التي أثرت على المسيرة المتبقية لحرب التحرير الوطني والذي لا يزال وقع بعضها محسوسا حتى اليوم، هي قرارات أعطت حينها دفعا ونفسا جديدين للكفاح ضد القوة الاستعمارية الفرنسية.
يومها حددت الأرضية السياسية لمؤتمر الصومام، الهيئات المسيرة للثورة الجزائرية فأعادت هيكلة الأفلان كجبهة سياسية جامعة لمختلف التيارات الوطنية وبينت الأدوار المنوطة بذراعها العسكرية المتمثلة في جيش التحرير الوطني كما رسمت العلاقة التي ستجمعهما مستقبلا.
أثناء هذا المؤتمر تم وضع استراتيجية التحرير الوطني وفي نفس الوقت تم بناء إجماع وطني حول هذه المسألة. هذا الإجماع كان الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة مؤقتة تحظى بالاعتراف الدولي كممثل وحيد للشعب الجزائري.
ولعلكم تتفقون معي حول أن أهم المبادئ التي خرج بها مؤتمر الصومام والذي لا يزال صداه يتردد إلى يومنا هذا، هو أولوية السياسي على العسكري، مبدأ أساسي لإكمال حرب التحرير عندئذ وبناء الدولة الجزائرية الديمقراطية والاجتماعية بعد الاستقلال. مبدأ يؤسس لاحترام الإرادة الشعبية، دولة القانون والدولة الديمقراطية ،هدا المبدأ الدي لم يطبق ولم يحترم حتى الان.
ونحن نتحدث عن مؤتمر الصومام وجب التنويه أنه لم يكن لينعقد لولا العبقرية التنظيمية لإطارات الثورة، ولولا شجاعة مكافحي جيش التحرير الوطني نضيف إليها الحاضنة الشعبية التي حظي بها والتفاف سكان المنطقة المضيفة وما جاورها حوله والإصرار على إنجاحه رغم كل الصعوبات.
إن الذين أرادوا تحضير وتنظيم وضمان نجاح هدا الحدث التاريخي كانوا جزائريين وجزائريات استطاعوا أن يرتقوا إلى حجم الرهانات والمهمات التي كانت تقتضيها تلك اللحظة التاريخية. لقد تمكنوا من جمع الإمكانيات خاصة المعنوية والفكرية منها اللازمة لمواصلة، توسيع وتكثيف المعركة التحريرية.
إن هذا المؤتمر يعد لحظة فارقة في تاريخ أبناء بلدنا الذين عاشوا تجارب رهيبة ومعاناة كبيرة، فقاموا بتضحيات ضخمة من أجل تقرير مصيرهم واسترجاع السيادة والاستقلال لوطني.
كيف السبيل اليوم من أجل إعادة تلك التجربة الفريدة؟ كيف لنا أن نحشد الطاقات ونرص الصفوف لبناء دولة الحق والقانون، الدولة الاجتماعية الديمقراطية ؟؟ سؤالان كانا ضمن صميم اهتمام محرري وثيقتي بيان أول نوفمبر وأرضية الصومام، تماما بقدر اهتمامهم بمسألة الاستقلال الوطني والحفاظ عليه.
بالأمس وطنية الشعب الجزائري، روح المقاومة لديه وإرادة الكفاح عنده أدهشت وأثارت إعجاب العالم بأسره. وهذا ما سمح له بالحصول على استقلاله، واسترجاع سيادته الوطنية والحفاظ على سلامة تراب الوطن على مر الزمن.
غداة الاستقلال كانت لدينا كل الحظوظ وكل الآمال كانت متاحة وحتى كل الفرص كانت قائمة من أجل تجسيد أهداف الثورة. لقد أردنا بكل شغف ووعي تجسيد أفكارها ومبادئها. كنا نؤمن بقدراتنا على تحطيم كل الحواجز، ومواجهة كل التهديدات ورفع كل التحديات.
اليوم، الديمقراطية، دولة القانون والتنمية غائبة عن موعدها. وطننا يعيش مرحلة صعبة ومحفوفة بالمخاطر. مسألة الشرعية، الاستقرار، اللحمة والتجانس الوطني والإنصاف الاجتماعي حتى وإن تم عرضها في إطار وطني، لازالت تتلقى إجابات جزئية وغير حيادية. كان من الأجدر أن تطرح هذه المسائل على الأقل في إطار نقاش ديمقراطي ومواطناتي من أجل اجتناب عودة العادات السيئة والانشقاقات في المجتمع.
نحن اليوم نعيش تحت وطأة نظام شمولي حليف لأوليغارشية عميلة للنيو ليبرالية وهو الأمر الذي شجع الفساد والرداءة وأنتجت تحالفات غير طبيعية وتمثيل سياسي مزيف مرتبط بأجندة النظام الانتخابية ومصالحها الشخصية الضيقة.
إن وضعية البلاد اليوم جد صعبة ولكن بالمقابل يمكننا الخروج من هذا المأزق لأنه لا يوجد شيء لا يمكن تجنبه ولا رجعة فيه. لا يزال بوسعنا بناء أمتنا بناء ديمقراطيا. لا يزال بوسعنا بناء مجتمعنا حول ما نعتبره ضروريا ومهما.
وعليه، ماذا يمكننا أن نفعل اليوم من أجل إعادة التحكم في مصيرنا، في ظل الشفافية، ودون ديماغوجية ودون وعود الكاذبة؟
هل بإمكاننا غدا مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية التي حصلت وتحصل في العالم وفي منطقتنا؟ من دون شك هذه الاضطرابات لديها وقع حقيقي على بلادنا. هل بإمكاننا التخلص من الإشراف والرقابة على اقتصادنا من طرف القوى التي تصنع النظام العالمي الجديد؟ الرهان هو سيادتنا ليست الاقتصادية فقط بل السياسية خاصة.
بالنسبة لنا الإشكالية الأساسية هي هل باستطاعتنا غدا إنقاذ الدولة دون إنقاذ النظام؟ هل يمكننا الخروج من المأزق؟ كيف العمل؟
الأمر المؤكد أن الشعب الجزائري سيواصل الكفاح ضد كل من يريدون التضحية بالاستقلال وسيادة أمتنا لصالح القوى العظمى والأقطاب السياسية والاقتصادية العالمية من أجل الحصول على مساندتهم وحمايتهم.
رجالات ونساء بلدنا يريدون الاستمرار في روح نوفمبر والصومام، يريدون مواصلة النضال من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية.
ثقتنا كبيرة في الشبيبة الصاعدة، الشبيبة الجزائرية قدمت خلال مراحل تكوين الأمة الجزائرية كل التضحيات ووجدت الأجوبة اللازمة لأزمات عدة في أوقات صعبة من تاريخ بلادنا. بعض تلك الأزمات شكلت خطرا على وجود واستمرار الجزائر كدولة، أمة ومجتمع.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى كل الفئات الشعبية تريد بناء الأمة الجزائرية بناء ديمقراطيا، وإعطائها وحدة وانسجام أسوة بالذين وفروا لها أسباب الوجود والنمو على مر التاريخ.
في وقتنا الراهن نعيش حمى رئاسيات 2019 التي تصاعدت حرارتها في الأيام الأخيرة و كالعادة انحصر التنافس فيها فقط داخل الدوائر المغلقة للنظام و بين عصب لا تهتم إلا لمصالحها الضيقة و مصالح القوى العظمى ، تنافس لا يحتكم غالب الوقت إلى قواعد اللعب النظيف و هو ما يهدد مقدرات الأمة و مكتسباتها و هو ما يضع الشعب بمعزل عن استحقاق كان ليكون المعني الأول به، و من خلال هذا المشهد يمكننا أن نرى طبقة سياسية مهووسة بالانتخابات القادمة؛ و نشهد سلطة تسابق الزمن و تسابق نفسها من أجل وضع إجراءات و استراتيجيات و التخطيط لمناورات من شأنها ضمان خلافة النظام لنفسه.
إنهم يعملون على تزييف وتحريف الحقائق والوقائع التاريخية لكن الوقت ليس في صالحهم، لأن الحقيقة تطفو إلى السطح كالزيت لما نحاول عبثا مزجه بالماء.
إن الوضع الداخلي ووجود الجزائر في قلب صراعات وتداخلات معقدة يحتم علينا التحلي بالحكمة والرزانة وسعة الخيال وأن لا نسقط في فخ الجدالات التي تسعى بعض الأطراف توريطنا فيها و علينا أن نرفض التخندق مع أي عصبة من عصب النظام المتناحرة و الذي لم يضع يوما ما مصالح الشعب والدولة في الحسبان بل همه الوحيد هو الاستمرارية للاستئثار بالسلطة ومواصلة نهب خيرات البلاد.
إن هذه الجدالات التي تعرفها الساحة السياسية والزخم الإعلامي الذي يصاحبها مؤشر واضح على الشرخ العميق الذي أصاب هذه العصب ويؤكد بشكل جلي مدى تضارب مصالحها ووصول الفساد إلى مستويات قياسية لا تستثنى منها أي مؤسسة وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا على الدولة الجزائرية.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نكون وسيلة لعصبة لضرب عصبة أخرى ووفاء لمبادئنا التأسيسية وأهدافنا الأساسية علينا الالتزام بالانضباط ووحدة الصف ومواصلة النضال والتعبئة مع كل الفاعلين والوطنيين الاحرار لبناء إجماع وطني وشعبي يحمي الدولة من الانهيار ويؤسس لمسار تأسيسي لبناء جمهورية ثانية.