الضمير المواطني والسلطة المحاصرة
بقلم : نورالدين بوكروح ترجمة : نورة بوزيدة
ابتدأت السنة الجديدة والسلطة ذاهبة في مسعاها الحثيث لتزييت عربة العهدة الخامسة، وهي واضعة يدها على مطرقتها لتضرب بها كل من تخول له نفسه فكرة منعها من البقاء على رأس البلاد إلى النهاية، إلى ما لا نهاية، مهما كانت عواقب بقائها على البلاد والشعب، وهي عواقب لا يمكنها سوى أن تكون مدمرة لأنها ناتجة عن سياسات عقيمة ورديئة. وبما أنها لا تملك الأفكار والمال خاصة، لم يبقى لها سوى “فكرة” الدينار المزيف والسجن والعصي.
1- ها نحن للمرة الألف أمام استعمال العدالة لإدانة السيد مراد بوزيدي، الناطق الرسمي “للتنسيقية الوطنية للجان مساندة عمال سفيتال وللاستثمارات”. وهي الإدانة التي صدمت البلاد مع أنها لم تثير الدهشة في أوساط الشعب الذي تعود العيش في بلاد تمشي على رأسها، أي في بلاد يعاقب فيها الناس النزهاء المحقين في أقوالهم لأسباب تافهة أو لأجل لا شيء، بينما السارقين للمال العام بالملايين والملايير يستفيدون من رحمة العدالة وينعمون بتشريفات “الجمهورية”.
لقد شبعنا خلال العقدين الماضيين من هذه الأفعال والأمثلة. لقد سمعنا بعشرات المسئولين المتورطين في قضايا رشوة إلى النخاع وبالأدلة، دون أن تدين العدالة واحدا منهم، ولم يدخل أحدهم السجن دقيقة ولم يدفع دينارا واحدا غرامة. هذه هي رغبة آل بوتفليقة وأويحي بما أنه يجب علينا أن نسمي المسئولين عن هذه الوضعية بأسمائهم.
إنه بالنسبة لي، وأنا الذي رأيت في حركة التنسيقية منذ البداية مبادرة مواطنية رفيعة وساندتها كتابيا، إنه لمن دواعي الشرف لي أن أعلن تعاطفي مع السيد مراد بوزيدي و مساندتي القوية لنضاله الذي ينم عن شجاعة وإخلاص كبيرين. إنه مثال لنا في الوقت الذي أصبح فيه الوطن يبحث عن دواعي تكوين ضمير مواطني قد يجدها في شرارة وحيدة تشتعل من جراء عمل تعسفي وظالم، وبه، أي بضميره المواطني الجديد، سيتحرر من قيود استعمار الأوغاد الذي افترس حريته.
إن السيد مراد بوزيدي ضحية جور وظلم تسببت فيه العدالة الجزائرية التي بقيت صامتة خامدة طوال السنوات الماضية أمام الجرائم الكبرى، ولم تحرك ساكنا لمتابعة مرتكبيها، وتبدي سرعة وصرامة مدهشتين لمن يأتي بالحقيقة أمام الملأ، لا لسبب سوى لأن تلك الحقائق تحرج الأقوياء. نحن لا نعرف من سيكون بوعزيزي الجزائر، ولا متى ستفعل الفراشة فعلتها، لكننا نرى أن الظروف التي اجتمعت في تونس قبل سبع سنوات، هي الآن في طور التكوين والتصلب في الجزائر.
2- إن قرار منع المسيرات والمظاهرات في العاصمة الذي اتخذ سنة 2001 كان تبريره مكافحة الإرهاب، لكنه أصبح أساسا قانونيا لمنع الحريات العمومية التي يضمنها الدستور.
ما زال الرأي العام تحت صدمة الوحشية التي ضرب بها الأطباء وأسيلت دماؤهم. عندما شاهدنا الوجوه الدامية لبعضهم، تذكرنا صور قمع الجزائريين في مظاهرات أكتوبر 1961 في باريس. إنها صور ستنمي لدى الأطباء خاصة والمواطنين عامة عداء دفينا ضد جهاز الأمن الذي كان قد خرج في مظاهرة ومسيرة قادته إلى باب الرئاسة في المرادية قبل سنوات، ولم يوقفه أحد، ولم تسيل قطرة من دمهم وتم إرضاء كل مطالبهم، بل وأكثر.
من أعطى الأمر بالقمع المطرد بمجرد أن تشعر الدولة بأدنى هزة للضمير المدني؟ لماذا هذا الضرب القاسي؟ لماذا هذه العصي التي صنعت لا من أجل التهديد فقط بل قصد الجرح وربما القتل؟ ماذا يعلم أعوان الشرطة في أقسامهم لكي يضربوا مواطنيهم بهذه القسوة؟ من ذا الذي يريد أن يشتعل الفتيل وتتقد النيران؟
إن الجزائر في طريقها إلى منطقة الأهوال، والسلطة تعمل عن قصد وعمد على حفر الهوة أكثر بين الضمير المواطني وأعوان الأمن، ظنا منها أنها بذلك تحمي نفسها وراء أدرعهم. لا يجب على قوى الأمن والعدالة أن يقبلوا استعمالهم ضد حقوق المواطنين، وضد حرياتهم الدستورية، والتي من بينها حق التظاهر. ولا يجب أن يقبلوا أن يكونوا أداة المساس بسلامة مواطنيهم البدنية والمعنوية. عليهم أن لا يترددوا أن يختاروا شعبهم بدل سلطة لم تحتكم للقانون يوما، بل تعدت على الحق والدستور وظلمت وجارت والكل يشهد ويشاهد.
إن المسئولين غير الأكفاء الذين فرضوا علينا فرضا ليس لديهم هم حسابا غير حسابات مصالحهم الشخصية ولا يرون المخاطر التي تهدد البلاد، بل هم يتكلون على الأيام ويحسبون ماذا يجنون منها لكي يجعلوا الناس تنسى ما يقترفون وما يرتكبون من سوء فعل وتسيير. وهم يمضون وكأن لا شيء يحدث. ويحسبون أن كل شيء كما كان من قبل، كما كان في الماضي الذي يودون أن يدوم أبدا عبر عهدة خامسة أو وراثة مفبركة، وهو في الحقيقة الحساب الذي يفسر الهمجية القاتلة التي يقمعون بها كل مظاهرة وكل معارضة وكل مسيرة ضد سياساتهم الفاشلة في كل الميادين…