بين الفكر والسياسة

العهدة الخامسة وملاحقتي

بقلم :نور الدين بوكروح

أنا اليوم هدف هجوم شنيع وأكاذيب، بالموازاة مع تحريات خارج الإطار القضائي وتهديدات من عدة مصادر، مع تعددها واختلاف الوسائل غير الرسمية  التي تستعملها، سواء كانت عامة أو مجهولة.

بالفعل، لقد تعددت المصادر من جرائد وأشخاص يخدمون السلطة الدنيئة التي تسلطت على البلاد، ومواقع إلكترونية تروج شائعات نابعة من أجهزة مخفية في السلطة، ورسائل تهديد وترهيب تصلني في بريدي الإلكتروني، وإسلامويين متعصبين يريدون تصفية حسابات قديمة معي، الخ، إلى أنه مع تعدد هذه المصادر، فإن المصدر والمنبع واحد وهو رئاسة الجمهورية، وهدفها واحد أيضا، وهو جذبي في مناوشات ومجادلات، ومنعي من الكتابة، وتهديدي لكي أتوقف عن التعبير والنشر.

لكن السؤال الذي سيتبادر إلى أذهان الجميع بدون شك هو : لماذا الآن؟ لماذا أتهم اليوم بما لم تلفظ حوله كلمة واحدة من قبل، وقد كانت لي مرارا مشادات مع مالكي السلطة، ومختلف فرقهم منذ السبعينات؟ لماذا يتظاهر اليوم بعضهم، خمسة عشر سنة بعد ما يزعمون أنني قمت به من مخالفة للقانون والمحاباة، وثلاثة عشر سنة بعد خروجي من الحكومة؟ إن الجواب واضح وضوح الشمس : بسبب موقفي ضد العهدة الخامسة والمبادرة السياسية التي أطلقتها في شهر سبتمبر الماضي لمنعها.

أنا أعرف كيف تسير الحكومة بما فيه الكفاية لكي أقول أن لا شيء ولا أحد يتحرك ويقوم بخطوة لولا تلقيه الأمر من رئاسة الجمهورية، والتي يعرف الجميع، منذ قضية الخليفة المثرية، أنها تبيض من شاءت وتحكم على من شاءت. وبما أن السارقين هم من يملكون السلطة، فإن السجن لا محالة هو ما ينتظر الأبرياء.

إن هذه التهجمات والإشاعات، والتحريات غير القانونية وغير الشرعية والتهديدات متزامنة كلها وتمس حياتي الشخصية والعائلية ومواقفي السياسية وكتاباتي حول الإسلام وثرواتي الحقيقية والمزعومة، ولأقوال قلتها وأعمال قمت بها قبل أربعين سنة كما فعل في إحدى كتاباته إنسان ناقم لم أتحدث إليه سوى مرتين او ثلاث منذ رأيت الوجود.

في شهر نوفمبر الماضي، شهد حي زرالدة الذي أقيم فيه، وخاصة الجهة التي أقطن فيها “نزلة” عنيفة ومتوحشة صبيحة يوم ماطر من طرف جرافات  أقلعت بدون إشعار أو إنذار مسبق كل ما كان يتعدى سنتيمترا واحدا من المنازل.

إن هذا الحي هو تعاونية عقارية موجودة منذ التسعينات وتحتوي على حوالي مائة جزء. وصوب التدمير على الجهة التي أقيم بها في مساحة تبلع 290 م مربع. وقد تم اقتلاع أشجار بالجرافات، كان السكان قد غرسوها لحماية أنفسهم من أخطار الطريق السريع منذ أكثر من عقد. ولاحظ الجميع حضور السيد زوخ، والي الجزائر في سيارته، على مقربة من منزلي وكأنه كان يتحقق بأم عينه بأن العمل على “الطريقة الإسرائيلية” قد تم بأكبر قدر من الفعالية الشرسة. لم يخفى على أحد في الحي أنني كنت المستهدف من تلك العملية.

لقد اشتريت ذلك المنزل سنة 2006. وقبل أن أغرس الأشجار في الأرضية التي تفصلها عن الطريق السريع، توجهت للبلدية وأعلمت رئيسها أنني لا أريد البناء بل فقط إحاطة المكان بأشجار وسياج أمن وحتى بهدف تجميلي للمكان، وكان الجيران قد قاموا بذلك أيضا عدة سنين قبل مجيئي.

ومنذ ذلك الوقت والعديد من الأصدقاء والأشخاص من عدة جهات يطلبون مني عدم الرجوع من الخارج حيث كنت متواجدا آنذاك من أجل نشر كتاب سيصدر عن قريب، لأن السلطة ستحاول إسكاتي كما فعلت مع الكثيرين قبلي، مهما كلفها الأمر. لكن، أعلم الجميع أنني، من مكاني أو من غيره، سأواصل كفاحي ضد السارقين الذين أصبحوا “حامين” للقانون.

إن الهجوم العام الذي يستهدفني اليوم ذكرني بظروف أول ظهور لي على شاشة التلفزيون في مارس 1990، وأول احتكاك لي مع خبث السلطة. كانت الحصة هي “لقاء الصحافة” التي كان يقدمها مراد شبين، وحوله عدد من الصحفيين. وهي الحصة التي أطلقت فيها كلمة “الغاشي” في نقاش حاد مع أحد الصحفيين، أحميدة العياشي.

كان ذلك في وقت الشاذلي بن جديد والعربي بلخير، ومولود حمروش رئيس الحكومة. وقبل أن تبدأ الحصة، كان “يقدم” الضيف من قبل “صوت” نسوي، وهي صحفية أصبحت اليوم مديرة الإعلام أو شيئا من هذا القبيل لدى رئاسة جمهورية آل بوتفليقة، ومن يحيطهم من ناهبين حقيقيين لأملاك الوطن بآلاف ملايير الدينارات وملايير الدولارات واليوروهات.

وقدمني ذلك “الصوت” على أنني شخص معروف بليبراليتي، وبأنني املك فيلا في بئر خادم، ومحلات في رياض الفتح، وقطع أرض ولا أتذكر أيضا ماذا قال…

كان يسرد “عريضته” بصوت القاضي الواثق من حكمه، لكنه كان فقط يقرأ ما لا يمكن أن تعرفه و تعده سوى أجهزة سرية لكي توجه الرأي العام الذي تعلم أنه حساس للخطاب “الاشتراكي” والنيل من هدوئي أيضا. يمكن للجميع أن يتحقق من أقوالي لأن التسجيل موجود في أرشيف التلفزيون. فأجبت “الصوت” آنذاك :” نعم، بالفعل، “وومبعد”؟ وهو جوابي اليوم أيضا “للأصوات” النابحة ورائي.

أنا أحكي لكم هذه الحادثة لكي يتأكد الجميع أنه كان لدي أملاكا سنين طويلة قبل دخولي المعترك السياسي والحكومة، وكان ذلك بفضل عملي وحده واستثماراتي، ومن لديه شك في ذلك، أو حقيقة أخرى مغايرة، فليأتي بالدليل.

من هو الرجل السياسي في السلطة أو المعارضة الذي يمكنه القول بالمثل؟ لقد أتوا في غالبيتهم حفاة للسياسة والحكومة، وخرجوا منها وجيوبهم مليئة، أو ما زالوا فيها يعبثون وينهبون البلاد ببركة آل بوتفليقة، وهم اليوم يملكون ثروات طائلة تفوق ما ملكته أنا بكثير.

 

اليوم الذي سيمدنا هؤلاء وغيرهم من قافلة اللصوص الأربعين بتفسيرات عن مصدر ثرواتهم وكميتها، بدأ بآل بوتفليقة، سأظهر أنا للجزائريين المذهولين، وخاصة “للحسادين” الذين يلاحقونني بطمعهم، سأبدو لهم فقيرا مثل النبي أيوب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى