أراء وتحاليلالعالم

الفريسَةُ الليبيّة و”الهَوْشةُ” الإيطالية-الفرنسية !

– بقلم الإعلامي والكاتب الصحفي : عبد الله بوزاري

تابعْتُ كما فعلَ الجزائريون و بدون شكٍّ كباقي الأفارقة ، الفيديو الذي تمّ تداولُهُ على نطاق واسعٍ  يهاجمُ فيه نائبُ رئيسِ مجلس الوزراء الإيطالي ، سياسات فرنسا  حيال القارة السمراء، و يصفُها بأبشع الصّفات في موقف غير مسبوق ، هذا المسؤول الشاب مرمد فرنسا واتّهمها بسرقة ثروات الدول الأفريقية،و التسببِ في مآسيها عبر إفقار إقتصاداتها الناشئة ، بل و حمّلها المسؤولية الكاملة في “تخلّفِ دول القارة الأفريقية مقابل تقدُّمِها هيَ” !

لم ينتظر وزيرُ الداخلية الإيطالي هو الآخر ، و اقتحم “الحَلَبَة” بتصريحات مماثلة ، حاول من خلالها استصغارَ الرئيسِ الفرنسي إيمانويل ماكرون ، و حَضَّ فيها السترات الصُّفْر على المضي في الإحتجاجات المناهضة لسياسات الرئيس الفرنسي و المطالبة برحيله .

التصريحات الإيطالية هاته لنائبِ رئيسِ مجلس الوزراء “لويجي دي مايو” ،  و وزيرِ الداخلية “ماتيو سالفيني” ، و هما زعيما حزبي الأغلبية الحكومية اليمينية ، جابهها الفرنسيون بتصريحات أقوى وأخطر ، عندما قال ماكرون إن إيطاليا “تستحق مسؤولين في مستوى تاريخها العريق”، فرنسا قامت أيضا بتجميد خطط إنقاذ شركة الخطوط الجوية الإيطالية التي يتهدّدها الإفلاس، و قررت كذلك عدم “اقتسام” استقبال المهاجرين غير الشرعيين مع إيطاليا ، ثم ما لبثت أن سَحَبَتْ سفيرها لدى روما في إجراء دبلوماسي تصعيدي .

طبعًا هذا مشهدٌ سياسي لعلاقات ثنائية بين بلدين أوروبيُّيْن ، لمن لم يصدّق بعدُ ، ذلك أننا لم نألف مثل هذا “المستوى” من النقاش و التقاذف المُعْلَن في تاريخ العلاقات الثنائية الإيطالية الفرنسية منذ الحرب العالمية الثانية ، إذن ما الذي حدثَ ؟ و ما الذي “أيقظَ” الضمير الإيطالي اتجاه الشعوب الأفريقية المقهورة ؟ لماذا هذه “الانتفاضة الإيطالية” ضد سياسات فرنسا في إفريقيا ، وبشكل خاصّ في ليبيا ؟

ليس خافيا على أحدٍ الصراعُ الدوليّ المحموم على نفط ليبيا التي تكتنز أكبرِ احتياطي في إفريقيا ، و قد شهد العام 2016  بداية ارتفاع صوت المُستَعْمِر السابق لِليبيا ، بعد “استفرادِ” تحالفِ الدّول التي أسقَطتْ نظامَ العقيد الليبي بالكعكة الليبية ، عبر دعمِها لقوات اللواء خليفة حفتر الذي شن حربا واسعة ، سيطرت  قواتُه بعدها على نسبة هامّة من أحواض النفط و الغاز ، سواء في منطقة الهلال النفطي أو في الجنوب ، في تهديد واضح لمصالح إيطاليا و عملاقها للنفط و الغاز مجمّعِ “إيني” .

تقدّمُ قواتِ اللواء خليفة حفتر الحليفِ القويّ لإدارة الرئيس الفرنسي ماكرون ، نحو السيطرة على المزيد من الحقول النفطية، و توسيع نفوذه في مناطق  الجنوب الليبي التي تستحوذ على نصف إنتاج البلاد من النفط بنحوِ 500 ألف برميلٍ يوميّا ، موازاةً مع العمليات العسكرية للجيش الفرنسي في الجنوب الليبي و في الجارتين الجنوبيتين التشاد و النيجر ل”محاربة الإرهابيين”  ،هي  تطوّراتٌ تكون قد أرعبت الساسة في روما ، إذ تفرض الحسابات الاقتصادية أنّ أيّ تمدّدِ للنفوذ الفرنسي عبر مجموعة الطاقة “توتال” ، هو تهديدٌ حقيقيٌ لوجود “ضَرَّتِها”  إيني الإيطالية ، مالكةُ “الحقَّ الإلهي” في استغلال نفط ليبيا ، بحسب القانون العالمي للمُسْتَعْمَرَات !

قبل ثلاثِ سنواتٍ  قَلَبَ رئيسُ الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني ، كُلّ المفاهيم التي تخص حمْلةَ إسقاط نظام “صديقه” العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ، برلسكوني صرح آنذاك للصحافة الإيطالية ، أن “الطائرات الفرنسية هاجمت ليبيا حتى قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي” ، و أردفَ مُوغِلاً في باريس ، أن “الهدف بالنسبة لفرنسا كان تدميرَ المعدات والبُنى التحتية في ليبيا و قتلَ القذافي ” .

نعم يا سيد برلسكوني  هذا ما حدث للأسف الشديد ، و أنا شخصيًّا تابعتُ من مدينة “دوفيل” الفرنسية شهر مايو عام 2011  ، كيف كان يُرافع و يدافع الرئيس الفرنسي آنذاك و “عرّابُ” حربِ ليبيا نيكولا ساركوزي ، على “عَسْكَرَة” الحلِّ في ليبيا أمام قادة الدول الغنية الثمانية ”  G8″ ، و كيف ركب رأسه، و نفّذ “الخطّة” دون أن يُعير بالاً لصوت العقل ، ونداءاتِ إبعادِ التدخّلِ العسكري .

بينما يستمرّ صراعكم و صدامكم و حروبكم الدبلوماسية من أجل الإستيلاء على خيرات و مقدرات الشعب الليبي ، الذي وعدتموه بتحويل بلاده إلى جنّةٍ و واحةٍ للديموقراطية مباشرةً بعد تخليصه من “جهنّم” القذافي ، ها هُو التاريخ يُسجّلُ أنكم جميعكم شاركتم في تدمير هذا البلد الجميل ، و تجويع شعبه ، و تحويله إلى دولة شبه فاشلة و إلى “قبائل” متناحرة  .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى