المملكة العربية السعودية: السياسة والسياحة.. الحرب والأمن.. بيت الله ومدينة النبي..
مبعوث الجزائر اليوم إلى السعودية: د. محمد لعقاب
في شهر مارس 2018 قمت بزيارة للمملكة العربية السعودية، ليست هي المرة الأولى التي أزور فيها المملكة، لكن هذه المرة كانت الزيارة مغايرة، بسبب الظروف السياسية المحيطة بها، مثل الحرب في اليمن، أزمة قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فضلا عن تباين الموقف الجزائري مع الموقف السعودي في العديد من القضايا العربية والإقليمية المرتبطة بالربيع العربي، إلى جانب ملامح ولوج السعودية ضمن “الدولة الرابعة” أو “المملكة الرابعة” قياسا على تسمية الأنظمة الجمهورية مثل “الجمهورية الرابعة” منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم، وإعلان ولي العهد عن خطة 2030 وما صاحبه من تحول جذري تجاه الجماعات الدينية، وغيرها من القضايا.
لكن هذه الزيارة تعتبر الأولى التي ألتقي فيها مع سياسيين ومثقفين وإعلاميين وخبراء أمنيين، فضلا عن القيام بزيارات لأماكن سياحية وتاريخية.
لذلك كانت الزيارة بالنسبة لي مناسبة لاستيضاح الكثير من نقاط الظل في القضايا الراهنة، خاصة أن الزيارة جاءت بعد يومين من صدور كتاب لي بعنوان: “الحصاد المدمر للربيع العربي: هل تصمد الجزائر في وجه التحديات”، وقد تناول الكتاب مجمل القضايا المرتبطة بالربيع العربي والقضايا الخلافية بين الجزائر والسعودية.
الحلقة الثالثة
*عبد الله الربيعة المشرف العام مركز سلمان للإغاثة والأعمال الانسانية:
*مساعدات السعودية الخارجية تجاوزت 66 مليار دولار
*الحوثيون يجندون أطفال اليمن ونحن نعيدهم للمدارس
*السعودية تأوي 12 مليون مهاجر يمثلون 37 المئة من السكان
*الوضع الإنساني في اليمن كان كارثيا قبل عاصفة الحزم
أشرت في الحلقة السابقة، أنه تحت إلحاحنا على ما ذا فعلت السعودية لليمن باعتبارها تتحمل المسؤولية الأخلاقية على الأقل في الوضع المأساوي الراهن لهذا البلد الشقيق، نصحنا المتحدثون بالتوجه نحو مركز سلمان للإغاثة والأعمال الانسانية. فما كان علينا سوى شد الرحال إليه.
يقع المركز وسط العاصمة الرياض، ويشرف عليه الدكتور عبد الله الربيعة وهو وزير صحة سابق ومستشار الديوان الملكي.
أوضح لنا في البداية، أن السعودية لديها نموذج متميز في العمل الإنساني، هو شبه حكومي، ويطبق يطبق المعايير الدولية من يومه الأول. وشاءت الظروف، حسب المشرف العام، أن يبدأ نشاطه بأحداث صعبة في المنطقة، وهي حرب اليمن.
لكن السفير الجزائري في السعودية أوضح لنا خلال مأدبة غذاء أن الملك سلمان كان سينشأ هذا المركز سواء بحرب اليمن أو بغيرها، لأنه منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض وهو ميال نحو الأعمال الخيرية، حتى أنه هو الذي كان وراء جمع التبرعات للثورة الجزائرية عام 1956.
السعودية قدمت 66 مليار دولار كمساعدات إنسانية منذ 1994
ويبدو أن هذا المركز يقوم بتوثيق كل المساعدات الخارجية، التي تقدمها المملكة، حيث، حسب المشرف العام، كانت السعودية تقدم المساعدات في صمت، من باب: من تصدق بصدقة فأخفاها، لكن الضغوطات الدولية، واتهامات بعض وسائل الإعلام السعودية بنأيها عن تقديم الدعم خاصة للمسلمين المحتاجين، جعل المسؤولين السعوديين يعيدون التفكير، للشروع في الإعلان عن مساعداتهم الخارجية.
وهكذا وجدنا في المركز وثائق مكتوبة ومصورة وفي شكل فيديو، تجسد السياسة الجديدة للممكلة. حيث بين لنا المشرف العام أن المساعدات الخارجية التي قدمتها السعودية منذ عام 1994 حتى عام 2014 بلغت 66 مليار دولار.
وقامت المملكة بتمويل 341 مشروع إنمائي في 40 دولة، حسب تقديرات 2018، منها اليمن، وسوريا والصومال وميانمار وبوركينافاسو وكازخستان وموريتانيا وطاجاكستان والعراق وفلسطين.
12 مليون مهاجر في المملكة يمثلون 37 بالمئة من سكانها
كما أوضح المشرف على مركز سلمان لإغاثة والأعمال الإنسانية أن مجموع اللاجئين في السعودية من اليمن وسوريا وميانمار تجاوز مليون لاجئ، يشكلون نسبة 5.2 بالمئة من سكان السعودية، منهم 560 ألف لاجئ من اليمن وأزيد من 260 ألف لاجئ سوري.
أما بالنسبة للمهاجرين، فإن السعودية تحتل المرتبة الثانية عالميا تبعا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2017، حيث تستقبل المملكة 12.2 مليون مهاجر من مختلف الجنسيات، يمثلون 37 بالمئة من سكان السعودية.
أزيد من11 مليار دولار قيمة مساعدات السعودية لليمن
أما الموضوع الذي كان يهمنا بالدرجة الأولى فيتعلق باليمن، لذلك كان لابد من بعض التفصيلات، حيث، واستنادا لتقارير الأمم المتحدة، فإن عدد السكان حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 2017 يبلغ أزيد من 29 مليون ساكن، منهم 22.2 مليون شخص بحاجة للمساعدات، و11.3 بحاجة ماسة للمساعدات، وبلغ النزوح في اليمن 3.4 مليون شخص.
وبناء على خطة الأمم المتحدة للعمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، والتي تقدر قيمتها 2.96 مليار دولار، فقد أـوضح المشرف على مركز سلمان للإغاثة، أن السعودية والإمارات التزمتا بـ 1 مليار دولار. والتزمت مجموع دول التحالف بمبلغ 1.5 مليار دولار، أي أكثر من 50 بالمئة من المبلغ.
أما خارج خطة الأمم المتحدة، يقول المشرف العام على المركز، فإن إجمالي مساعدات المملكة لليمن منذ 13 ماي 2015 –أي بعد شهرين من انطلاق عاصفة الحزم حتى فبراير 2018، فقد بلغت حوالي 11 مليار دولار. وتم تسليمنا تقريرا مفصلا حول كيفية توزيع ذلك المبلغ.
اهتمام خاص بالمرأة والأطفال.. وإعادة تأهيل أطفال الحرب
ولمركز سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ شهر ماي 2015 نحو 203 مشروع في اليمن. أما الأطفال والمرأة فقد أوضح الدكتور أن المركز أولاهم أهمية خاصة، فمنذ ماي 2015 حتى 2018 تم تخصيص أزيد من 70 مشروع خاصا بالمرأة، وأزيد من 80 مشروعا خاصا بالأطفال، تشمل الغذاء والإيواء والتعليم والحماية والصحة.
وحسب ما أوضحه المشرف على مركز سلمان للإغاثة الأعمال الإنسانية، فإن المركز قام بعمل جبار في إعادة تأهيل الأطفال المجندين في الحرب، بعدما ألقي عليهم القبض في ميادين الحرب، حيث تم فتح المدارس لتعليمهم.
أما المواد الغذائية والطبية، وحسب المشرف على مركز سلمان، منذ ماي 2015 حتى فبراير 2018 أرسلت السعودية لليمن 50 طائرة تحمل نحو 550 طنا، ونحو 8 أطنان تم إرسالها عبر السفن، أما برا، فقد دخلت اليمن أزيد من ألفي شاحنة تحمل أكثر من 45 طنا من المواد الغذائية والطبية، كذلك تم من خلال برنامج الإسقاط الجوي إنزال 85 طنا من المواد نفسها.
الحرب لها ثمن.. لكن الوضع في اليمن كان كارثيا قبل 2014
أما الموضوع الذي أسال حبرا كثيرا عبر وسائل الإعلام الدولية فيتعلق بداء الكوليرا الذي تفشى في اليمن جراء الحرب، وقد أوضح المشرف على مركز سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أن المملكة استجابت لنداء منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف بمبلغ 66.7 مليون دولار، وتم القضاء على الداء.
وفي رده عن تسبب السعودية بقيادة التحالف العربي في الوضع الحالي المزري في اليمن، رد علينا المشرف العام على مركز سلمان للإغاثة، بإحصائيات صادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن لعام 2014 أي قبل بداية الحرب بنحو سنة كاملة، يوضح التقرير أن اليمن حينذاك كان يعاني من تفشي الفقر وقلة مصادر الدخل، وأن اليمن تعتبر أفقر دولة في الشرق الأوسط، وأن قرابة 40 بالمئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي (وفقا لبرنامج الأغذية العالمي) في حين ترتفع نسبة سوء التغذية لدى الأطفال دون سن الخامسة إلى 45 بالمئة.
وفضلا عن ذلك واستناد لذات التقرير، فإن اليمن قبل عام 2014 كان يعاني من ضعف البنية التحتية وانعدام الإستقرار، وانتهاكات الحقوق والنزوح ومحدودية الخدمات ومصادر الدخل.
الحوثيون نهبوا 65 سفينة و124 قافلة مساعدات وأزيد من 600 شاحنة إغاثة
وحول سؤال يتعلق بمدى وصول المساعدات لأصحابها، أجاب المشرف على المركز بتقرير موثق من اللجنة العليا للإغاثة في اليمن صدر عام 2017، يسجل أن جماعة الحوثي صادرت ونهبت 65 سفينة مساعدات، و124 قافلة إغاثة، و628 شاحنة مساعدات.
وإلى جانب ذلك يوثق مركز سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية استخدام الحوثيين للأسلحة المضادة للطائرات في المواقع المدنية، إلى جانب الألغام في المواقع المدنية التي خلفت أضرارا كثيرة في صفوف المدنيين، فضلا عن تسليح الأطفال، حسب تقارير قيادة القوات المشتركة لعام 2017.
أما الأضرار التي ألحقتها جماعة الحوثي بالمملكة العربية السعودية فقد أوضح المشرف على المركز بقوله: “منذ الإنقلاب على الشرعية ومرورا بعاصفة الحزم وإعادة الأمل إلى غاية فبراير 2018، فقد سقط 102 شهيدا مدنيا، و839 جريح مدني، ونزح أزيد من 20 ألف سعودي، وتضررت 37 مدرسة، و5 مستشفيات وتم قصف 17 مسجدا.”
وعندما طلبنا من المشرف على المركز توضيحات بخصوص ما يشاع في وسائل الإعلام الدولية عن استهداف التحالف العسكري في اليمن بقيادة السعودية للمواقع الأثرية العديدة في اليمن، أوضح أن هناك ميثاق يمكن تسميته بالأخلاقي يحظر على قوات التحالف أكثر من 41 هدفا في اليمن، منها المواقع الأثرية والتراثية.
في الحلقة القادمة، نتطرق لمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، فهناك طرق متميزة في تعامل السعودية مع إلإرهابيين والمتطرفين وإعادة إدماجهم في المجتمع.