الجزائرالرئيسيةسلايدر

بوتفليقة لا يُعوّل إلا على الشعب الجزائري

زكرياء حبيبي

سبق لي منذ أيام وبالضبط يوم 6 فبراير الماضي أن وصفت الإنتخابات التشريعية المقررة يوم 4 ماي المقبل بأنها: “انتخابات مُثيرة للخجل” وقلت بالحرف الواحد: “برغم كل الإصلاحات التي جسدها الرئيس بوتفليقة وبخاصة منها تعديل الدستور، إلا أن بعض الأحزاب وعلى رأسها الأحزاب الثقيلة، لم نلحظ البتة أنها تأقلمت مع مسار الإصلاحات، بل إنها غرقت في مستنقع الفساد والإفساد، من خلال مراهنتها في التشريعيات القادمة على أسماء مثيرة للإستغراب وحتى الخجل وكأن الجزائر خالية من الأكفاء والنزيهين، بصراحة إن ما يحدث هذه الأيام لا يُبشّر بالخير، ويستدعي منّا التأمل العميق لمعرفة أسباب وأهداف هذه السياسات الحزبية المثيرة للخجل”. اليوم وبعد الكشف عن قوائم مترشحي الأحزاب للتشريعيات القادمة، تأكدت أكثر من ذي قبل أن ما قلته سابقا لا يعكس الحجم الحقيقي للرداءة السياسية التي غرقت فيها العديد من الأحزاب، والتي لم تستفد من الإصلاحات الدستورية التي أقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتي تصبو إلى تكريس الديمقراطية والشفافية في الممارسة السياسية، فالرئيس كان يُعوّل كثيرا على هذه الإنتخابات للوصول إلى تكريس سلطة تشريعية قوية قادرة على مواكبة المستجدات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، سلطة تشريعية تساهم في تجسيد طموحات الشعب الجزائري في الرقي والخروج من الأزمة، لكن الظاهر أن بعض الأحزاب لم تُحسن قراءة هذه التعديلات الدستورية ولم تتأقلم معها بالشكل المطلوب، ولم تكرسها في برامجها وممارساتها، ولذلك رأينا كيف أن الإعلان عن القوائم الإنتخابية أحدث بلبلة كبرى في صفوف العديد من الأحزاب سواء كانت في صف الموالاة أو المُعارضة، أعادتنا –أي البلبلة- من جديد لمُتابعة “رحلة الشتاء والصيف” لبعض مُناضلي هذه الأحزاب، الذين باتوا يقفزون من دائرة حزبهم إلى دوائر أحزاب أخرى، تعبيرا عن سخطهم واستيائهم من عدم تزكية حزبهم لهم، فهذه الظاهرة تختزل بحق هشاشة النضال الحزبي، وتكشف بجلاء أن بعض مُمارسي السياسة لا يهمهم على الإطلاق مصلحة أحزابهم بقدر ما هم يلهثون وراء تحقيق مصالحهم الشخصية، مستعملين في ذلك الأحزاب كأداة أو مطية للوصول إلى أهدافهم، والغريب برأيي في لعبة “رحلة الشتاء والصيف” أن بعض الأحزاب أصبحت تتباهى باستقبال “النازحين” من الأحزاب الأخرى، وترى في ذلك انتصارا لها، بل إن بعضها أقام حفلات استقبال لهؤلاء النازحين الحزبيين حتى لا أقول السياسيين، لأنهم والسياسة لا يلتقيان، والحال كذلك لا يمكن أن نحلم البتة بترقية الممارسة السياسية في ظل هذه الذهنيات الحزبية البالية، التي تحوّلت إلى عبء على البلاد ككل، ومُعرقل لمسار الإصلاح الذي ينشده جميع الجزائريين، وأتوقف هنا لأستحضر بعض ما قاله رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة نهار اليوم “الأربعاء 8 مارس” في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث توجه بشكل مباشر إلى المواطنين الجزائريين، قائلا لهم: “الإنتصار النهائي على مخاطر الإرهاب والجريمة العابرة للحدود يتطلب تجنّد جميع المواطنين ويقظتهم، وكذا المواطنات اللواتي أناشدهن مرة أخرى اليوم للتكفل بهذا الدور الوقائي حفاظا على أبنائهم وعلى وطنهم”، فالرئيس بوتفليقة لم يتوجه بدعوته هذه إلى الأحزاب، ليقينه أنها غير قادرة على لعب هذا الدور الحاسم، كما أنه بمُخاطبته المواطنين مُباشرة، في قضية حساسة تتعلق بأمن واستقرار البلاد، التي تحيط بها المخاطر من كل حدب وصوب، يؤكد مرة أخرى، تعويله دائما وأبدا على الشعب الجزائري دون سواه، وأن نجاحه في استعادة السلم كان بفضل إلتحام الشعب ومؤازرته له، واليوم ونحن نعيش بلبلة الإنتخابات التشريعية، لا يسعني إلا أن أقول بأنه من الواجب والضروري على كل جزائري غيور على بلده، أن يشارك فيها بقوة، ليس من باب الإيمان ببرامج الأحزاب السياسية، وإنّما من باب دعم الرئيس بوتفليقة الذي يصبو إلى إخراج الجزائر من مستنقع الفساد السياسي، بعدما نجح في إخراجها من مستنقع الإرهاب، ونحن هنا لا نقول بأنّ كلّ من تقدموا إلى هذه الإنتخابات التشريعية هم من الأفاضل، لكن هنالك في هذه القوائم من يُمكن التعويل عليهم، لاستكمال مسار الإصلاحات، وأكثر من ذلك كلّه، أجزم بأن الرئيس بوتفليقة ليس راضيا تماما على ما يحدث هذه الأيام في كواليس هذه الأحزاب، لكنه بحكامته وتجربته، نجح في تعرية واقع الرداءة السياسية الحزبية، وهو ينتظر من الشعب الجزائري أن يشارك بقوة في الإقتراع التشريعي، للتأكيد على أنه، أي الشعب، لم يجنح إلى الهامش، وأنه منخرط في القضايا الكبرى التي تهم البلاد، بعكس “الدّكاكين” السياسية، وأعني بها بعض الأحزاب، ولا أستبعد في هذه الحالة أن يُقدم الرئيس بوتفليقة بعد هذا الإستحقاق التشريعي، على قلب الموازين برُمّتها، وإعادة تصحيح البُوصلة، وهو في كل ذلك سيستند على الدّعم الشعبي له، وليس على دعم أحزاب لا تزال غير قادرة على التحكم في أبجديات السياسة، وهي بأمسّ الحاجة إلى إعادة ترتيب بيتها، واختيار مناضليها ممّن لا يؤمنون ب”رحلة الشتاء والصيف”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى