اقتصاد وأعمال

تأكيدا لانفراد “الجزائر اليوم”: ميناء شرشال بشراكة جزائرية صينية بطريقة (BOT)

عبد الوهاب بوكروح

تم توقيع بروتوكول اتفاق بين المجمع العمومي الوطني للخدمات المينائية بالشراكة ومجموعتين صينيتين، الأحد 17 جانفي، لانجاز اكبر ميناء بالجزائر، بالمنطقة الممتدة من الحمدانية إلى غاية شرشال ولاية تيبازة، بقيمة 3.2 مليار دولار، وفق قاعدة 51/46%.

وكانت “الجزائر اليوم” قد أكدت يوم 6 ديسمبر 2015، أن ميناء الوسط الضخم سينجز بالشراكة جزائرية صينية.

ونص البروتوكول على إنشاء شركة مختلطة خاضعة للقانون الجزائري بين المجمع العمومي الوطني للخدمات المينائية بالشراكة صاحب الأغلبية بـ51% ومجموعة سي أس سي أو سي، وشركة سي اش أو سي الحكوميتين بحصة 49%.

وتكلف المجموعة الجديدة بأشغال الدراسة والبناء والوضع حيز التشغيل والتسيير لهذه المنشأة المينائية الضخمة وهي أول منشأة في تاريخ البلاد منذ الاستقلال التي تنجز بطريقة والمعروفة بالانجليزية بنظام (BOT)، بحسب ما أكده وزير النقل بوجمعة طلعي خلال التوقيع على الاتفاق.

وسيتم التأسيس الفعلي للشركة المختطة قبل نهاية مارس القادم، بعد مصادقة مجلس مساهمات الدولة على القانون الأساسي وعقد المساهمين.

وأكد محمد بنبوسحاقي مدير الموانئ، ما ذهبت إليه “الجزائر اليوم”، في 6 ديسمبر 2015، بأن المشروع سيمول من خلال قرض ميسر طويل المدى من الحكومة الصينية، وسينجز المشروع على مدة 7 سنوات، وسيوضع حيز الخدمة على مراحل بعد 4 سنوات من الانجاز بالنسبة للمرحلة الأولى مع دخول سلطة موانئ شنغهاي

( Shanghai International Port -SIP-) لتسيير ميناء شرشال الجديد خلال المدة التعاقدية بين الحكومة الجزائرية ونظيراتها الصينية.

ويسمح دخول الميناء الخدمة بربط الجزائر بجنوب شرق آسيا والأمريكيتين وإفريقيا بفضل استقبالها لنقالات الحاويات من الجيل الجديد وطاقة معالجته السنوية التي تقدر بـ 26 مليون طن.

ويقدر عمق الماء بالميناء 20 متر ما يجعله قادر على استقبال كل أنواع ناقلات الحاويات ويجعله ميناء مناولة للحاويات دولي بامتياز بقدرة معالجة 6.5 مليون حاوية نموذجية سنويا من خلال 23 رصيف يتوفر عليها الميناء الذي يتربع على مساحة 1000 هكتار ما يجعله من بين أهم الموانئ في المتوسط، وقطب امتياز صناعي بإنجاز منطقتي نشاط تتربع على 2000 هكتار قرب الميناء لاستقبال مشاريع صناعية، بفضل ربطه مباشرة بشبكة الطرق الوطنية السريعة والسكة الحديدة.

وسيصل حجم النقل البحري في غضون 2050 في ميناء الوسط إلى 35 مليون طن سنويا و 2 مليون حاوية نموذجية مقابل 10.5 مليون حاوية حاليا بكل من ميناء العاصمة والتنس.

 

أحسن طريقة لمواجهة تراجع أسعار النفط  

الحكومة الجزائرية التي قررت الانتقال إلى صيغة البناء والتشغيل والنقل (BOT) تطون قد اختارت واحدة من أحسن صيغ التمويل الدولي لمواجهة تراجع مواردها المالية بالعملة الصعبة نتيجة انهيار أسعار النفط وللاستفادة من العلاقات الجيدة مع الحكومة الصينية التي تتوفر على موجودات خارجية هائلة، فضلا عن تحول الصين إلى أول شيك تجاري للجزائر خلال العشرية الأخيرة.

وبعد جهد جهيد اقتنعت الحكومة الجزائرية بتأخرها في استعمال هذه الصيغة في تمويل المشاريع الكبرى في البينة التحتية، ومع ذلك تكون الخطوة الأنسب الحكومة لاستدراك التأخر.

وكان دافع وزير المالية الأسبق البروفسور عبد اللطيف بن اشنهو بشدة عن هذا النظام خلال العرض الأول لفكرة انجاز طريق سيار في الجزائر ولكنه فشل في إقناع الرئيس بوتفليقة بالفكرة.

واليوم وبعد 13 سنة تعود الفكرة ولكن “بعد خراب مالطا” كما يقول المثل، فموجودات الجزائر من النقد الأجنبي في المستوى الأحمر بعد أن استنفد جزئها الأهم في تمويل مشاريع بنية تحتية كان يمكن أن يمول 60 % منها بتقنية البناء والتشغيل والنقل (BOT:Build Operate Transfer) التي تمكن الحكومات في العالم منذ سبعينات القرن الماضي من توفير مئات ملايير الدولارات من موجودتها للأشياء التي تتطلب تمويلا عاجلا.

 

عودة الدولة لأدوارها الطبيعية

انجاز ميناء الحمدانية باللجوء إلى هذه الصيغة، يمكن الحكومة من تفويض الخدمة العمومية حتى تتمكن الحكومة من الاهتمام بأدوارها الطبيعية من ضبط والاهتمام بالخدمات الأساسية من صحة وتعليم ورعاية ودفاع وأمن قومي.

وسيجعل الميناء الجديد الذي سيدار من طرف واحدة من اكبر شركات العالم في إدارة الموانئ وهي سلطة شنغهاي للموانئ من تحويل الجزائر إلى واحدة من اقوي البلدان في القارة الإفريقية والمتوسط في مجال مناولة الحاويات على غرار اسبانيا ومالطا وجيبوتي فضلا عن تطوير القطاع الجاذبة على غرار القواعد اللوجيستية وربط الموانئ بالشبكات الطرقية الدولية مثل الطريق العابر للصحراء الذي سيحول الجزائر إلى بوابة لدول الساحل الإفريقي من التشاد إلى مالي مروا بالنيجر بفضل خفض تكلفة النقل بنسبة عالية.

وبلغ معدل مناولة ميناء شنغهاي 33 مليون حاوية قياسية عام 2015، مقارنة بـ 31.74 مليون حاوية قياسية في العام 2011، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم حسب أرقام

الحكومة الصينية الخاصة بصناعة النقل البحري التي صدرت مؤخراً.

 

زيادة مساهمة الخدمات في الدخل القومي

وتستهدف الجزائر زيادة مساهمة القطاع الخدمي في الناتج القومي من خلال تطوير المناطق اللوجيستية التي تقام قرب هذه الموانئ الضخمة (شرشال وجنجن) بعد ربطها كليا بالطرق السيارة وذلك ما يدعن خلق مئات ألاف مناصب الشغل الدائمة تغني الحكومة من مداخيل النفط وتحميها من تقلبات الأسواق النفطية.

ولمن لا يعرف مشروعات نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) فهو يعني المشروعات العامة التي يقوم القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي بتمويلها، حيث يقوم بتصميم وبناء وإدارة المشروع وذلك خلال فترة محددة في العادة لا تقل عن 20 سنة، تقوم فيها العلاقة التعاقدية بين الدولة ومنفذ المشروع (الشركة المستثمرة) وفق عقد امتياز يخول للشركة المنجزة للمشروع من الحصول على العائدات خلال فترة الامتياز.

وفي نهاية عقد الامتياز تقوم الشركة التي أنجزت المشروع وفق صيغة (BOT) بتحويل ملكية أصول المشروع إلى الحكومة كما هو متفق عليه في العقد، ودون أي مقابل يدفع من قبل الحكومة.

وشهد العالم في العقود الأربعة الأخيرة اتجاها متصاعدا لاستخدام نظام نحو”BOT”  كآلية تمويل تعاقدية مكنت الحكومات حول العالم من مواجهة العجز المالي.

 

تدارك التأخر

وفوتت الجزائر على نفسها فرصة ذهبية خلال العقد الأخير، وتمثلت هذه الفرصة في المزاوجة بين الموجودات الخارجية الناجمة عن ارتفاع قياسي في احتياطات الصرف التي ناهزت في وقت من الأوقات 200 مليار دولار وهو ما يمثل قوة تفاوضية جيدة للجزائر من جهة ونظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) الذي كان سيمكن الجزائر في حال استعماله في تمويل مشروعات البنية التحتية ومنها التراموي والمترو والطرق السريعة والسدود والموانئ ومشروعات إنتاج الطاقة، كان سيمكن الجزائر من توفير أزيد من 200 مليار دولار أخرى كانت ستضاف إلى احتياطات الصرف وبالتالي بناء قوة مالية تفاوضية لا تقل عن 500 مليار دولار فضلا عن عدم استعمال صندوق ضبط الموارد، وهذا من خلال

الاعتماد على القطاع على استثمارات القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية على وجه خاص في إنشاء وتشغيل مشاريع البنية التحتية والاستفادة من عائداتها طوال الفترة التعاقدية، وبهذا نضطر للقول أن الجزائر فوتت فرصة ذهبية مرة ثانية يبدو أنها لن تتكرر خلال عقود قادمة على الأقل.

وفي الثقافة الجزائرية فإن هذا النظام (البناء والتشغيل والنقل (BOT)) مطابق تماما مع صيغ الاستثمار الإسلامي من خلال الصيغ الوقفية في الاستثمار كالاستصناع والإجارة وغيرها.

إن نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) أصبح بديلاً للتمويل عن طريق الميزانية العامة، أو من خلال القروض الخارجية والمعونات أو التمويل المجمع عن طريق البنوك وذلك لدوره الحيوي في إيجاد مشروعات البنية الأساسية والتنمية، وقد أمكن من خلال هذا العقد التغلب على العقبات التي تواجه الدول في توفير البنية الأساسية.

ويتناسب نظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) مع دور الدولة ومسؤوليتها عن توفير الخدمات الحيوية من صحة وتربية وتعليم وأمن ودفاع وضبط، وبالتالي تصبح لها – الدولة – هامش كبير للمناورة من خلال إشراك القطاع الخاص بما فيه البنوك لجهود الدولة في هذا المجال لتدارك أوجه النقص في الموارد المالية العامة هذه التقنية التي تجنب الدولة القيود والضغوط التي تخلفها القروض الخارجية التي جربتها الجزائر وكانت مكلفة للغاية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى