أراء وتحاليل

“تامالت” و”رحمة ربّي” بين الغباء والتواطؤ

زكرياء حبيبي

اهتزت الجزائر في الآونة الأخيرة على وقع حدثين كبيرين، استقطبا اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وحتى بعض المنظمات غير الحكومية، ويتمثل الأول في وفاة الصحفي محمد تامالت الذي كان محكوما عليه بالحبس لمدة عامين، والثاني في انفجار فضيحة دواء “رحمة ربي” لمُخترعه “توفيق زعبيط” الذي قُدّم للرأي العام الوطني والعالمي ولشهور عديدة على أنه باحث ودكتور في الطب، ونجح في اختراع دواء لداء السكري، قبل أن تنكشف الحقيقة الصادمة وهي أن “زعبيط” ليس طبيبا، وأنّ دواءه لا يستحق حتّى تسمية “المكمّل الغذائي.

أعود إلى قضية وفاة الصحفي “محمد تامالت” قبل تشريح فضيحة “زعبيط”، فهذا المُدون الذي لم أعرفه شخصيا، كان بالفعل عنيفا في كتاباته وانتقاداته، التي تقع تحت طائلة المُتابعة القضائية بكلّ تأكيد، لكن تامالت قرّر فجأة العودة إلى الجزائر برغم يقينه أنه سيُلاحق أمام العدالة، وهذه الخطوة بحدّ ذاتها يمكن تأويلها على أن تامالت قد قام بمُراجعة لمواقفه وأفكاره، بل لنقل أنه بدأ يتراجع عنها، وبذلك كان من الحريّ الإنتباه إلى ذلك، والتعامل مع تامالت بغير الأسلوب الذي انتهجته السلطات، وأعني بذلك إعتقاله ومحاكمته والزّج به في السجن، الأمر الذي دفعه إلى شنّ إضراب عن الطعام انتهى وللأسف الشديد بوفاته المأساوية، فبرأيي أنه كان على السلطات أن تلاحقه أمام العدالة وهو في حالة إفراج، حتى ترسل بذلك رسالة قوية للرأي العام العالمي بالأخص، تؤكد أن الجزائر هي بلد يحترم حقوق الإنسان، وحرّية الرّأي، وفي الوقت نفسه تُرسل رسائل طمأنة لبعض المعارضين الجزائريين في الخارج، مؤدّاها أنّ الجزائر هي الحضن الدافئ لكلّ أبنائها، وأنه بإمكانهم العودة دون خوف أو قلق، لكنّ الظاهر أنّ غباء بعض المسؤولين، جعلهم يُسارعون إلى اعتقال محمد تامالت لإسكات صوته، غير عابئين رُبّما أن هذه الخطوة ستُلحق ضررا كبيرا بالجزائر وسمعتها في الخارج، فاليوم وقد سكن صوت تامالت إلى الأبد، انطلقت الأبواق في الداخل والخارج للتنديد بوفاته وهو مسجون، ونال صفة “أول صحفي جزائري يموت في السجن”، والحال كذلك نتساءل في إطار معادلة “الرّبح والخسارة”، عن أي ربح تمّ جنيه من سجن محمد تامالت؟ بل ونذهب بعيدا لنقول بأن وفاة تامالت ستُشكّل أكبر ذريعة لمن يُعارض أو يُفكّر في مُعارضة السلطة الجزائرية في الخارج، لطلب الحماية من البلدان التي يلجأون إليها، ولن نُطيل في قضيّة تامالت التي يمكننا تصنيفها في خانة “الغباء المُطبق” لبعض المسؤولين ليس إلاّ..

نعود إلى قضية “المخترع” الجهبذ “زعبيط”، الذي فتحت له بعض القنوات التلفزيونية والعديد من الجرائد أبواب الشهرة بغير حساب، وقدّمته للرّأي العام الوطني والعالمي على أنه هو من سيقضي على داء السكري ب”دوائه” السحري الذي أعطاه تسمية دينية حتى ينفذ بسهولة إلى قلوب الناس، ويستولي على مشاعرهم، فهذا المخترع ما كان له برأيي أن يُحقّق كلّ هذا الصّيت لولا دعم وزير الصحة والإسكان عبد المالك بوضياف له، فالوزير لم يكتفِ باستقباله فقط، بل راح يبشّر الجزائريين بقرب حدوث “ثورة كبيرة جدا” في علاج مرض السكري، عبر قناة “الشروق نيوز”، والوزير بوضياف ردّد مرارا وتكرارا كلمة “دواء”، عند حديثه عن منتوج “زعبيط” وقال بصريح العبارة في تصريحه للقناة سالفة الذكر، أنه “بعد إذاعة برنامجها حول زعبيط، اتصل به من جديد” ما يعني أنّ الوزير كان على اتصال سابق بزعبيط، ورُبّما هو من سهل له إجراء اللقاء التلفزيوني مع قناة الشروق، ونقول ذلك لأن الوزير بوضياف تحوّل إلى أكبر مُدافع عن زعبيط، وصرّح بشكل واضح لا لُبس عليه لدى استضافته في “فوروم الإذاعة الوطنية” بأن هنالك: “محاولات هدامة للنيل من مجهودات الطبيب الجزائري مخترع دواء السكري”، وقال “إنه طبيب يتعامل مع مخبر صيدال منذ 11 سنة وليس مشعوذا وابن عائلة ثورية ولولا والده لكان متواجدا بأحد مراكز الأبحاث العالمية”، كلام كهذا يصدر عن وزير الصحة، لا يُمكن إلا أن يُعطي مصداقية لا غُبار عليها لزعبيط ومنتوجه، ولذلك رأينا كيف تشكّلت الطوابير أمام الصيدليات لشراء “دواء رحمة ربي”، الذي بيع ب1700 دج للعلبة الواحدة، لنتفاجأ فيما بعد بأنّ الوزير بوضياف وأمام تحرّك أهل الإختصاص من باحثين وصيادلة لتعرية فضيحة “رحمة ربّي”، قد تحوّل من الحديث عن “رحمة ربّي” كدواء إلى الحديث عنه ك “مُكمّل غذائي”، وأنّ توزيعه يخضع لوصاية وزارة التجارة وليس إلى وزارة الصحة، علما هنا أنّ الوزير نفسه وفي تصريحه لقناة الشروق، قال بأن هذا “الدواء” يستوجب عرضه على المخبر ومن ثمّة تسجيله وتوزيعه على الصيدليات، والحال كذلك، كيف تمّ توزيع “رحمة ربّي” دون المرور عبر القنوات المعروفة؟ وما دام أن بوضياف صرّح بأن “رحمة ربي” هو “مُكمّل غذائي” يخضع لوصاية وزارة التجارة، فبأي صفة إذن أصدر بوضياف عبر مدير المواد الصيدلانية تعليمة لسحب هذا المنتوج من الصيدليات؟ الجواب برأيي أن الوزير بوضياف أُصيب بحالة ارتباك كبيرة، بعدما انكشف للرأي العام، بأن المُخترع زعبيط لا هو دكتور في الطّب ولا هم يحزنون، وأن جامعة جنيف التي إدعى بأنه درس بها الطّب، قد نفت ذلك جملة وتفصيلا، وبالتالي فإن بوضياف ولوأد الفضيحة، تولّى مهام واختصاص وزارة التجارة، وأمر بسحب هذا “الدواء أو المُكمّل الغذائي”.

برأيي أنه من السهل جدّا أن يحتال شخص ما على بسطاء الناس، لكن أن يرتكز ويستند في احتياله على وزير بحجم وزير الصحة، فهذا يستدعي فتح تحقيق جاد وعميق لتحديد العلاقة التي ربطت وزير الصحة بزعبيط هذا، وأقول ذلك لأن الوزير بوضياف عندما كان واليا على وهران، كاد يرتكب أكبر جريمة بحق هذه الولاية عندما منح مساحة معتبرة من واجهة البحر بالمكان المُسمّى “سيدي محمد”، لأحد “المستثمرين”، وهو ما لم يتجرّأ على القيام به كل الولاة الذين تعاقبوا على وهران، وأتذكّر أنّني كنت الوحيد الذي كشف هذه الصفقة المريبة من خلال مقال نشرته بعنوان: “كبار الفاسدين يُطلقون العنان لصغار المُفسدين في الجزائر”، وبالفعل أوقف الوزير الأول عبد المالك سلال هذه الكارثة، وأمر بتحويل المكان إلى حديقة عمومية، لكنّ حتى في هذه الحال، لم يسلم المكان من الفضيحة مجددا، حيث تمّ منح مشروع إنجاز هذه الحديقة لمجموعة من المقاولين قبل فتح أظرفة المناقصة، وهي القضية التي لا تزال مصالح الأمن تحقق فيها ليومنا هذا.

الخلاصة أنه في حال الصحفي تامالت، وقفنا على حجم الغباء في تسيير الأزمات، لكن في حال زعبيط اصطدمنا بهول التواطؤ المفضوح لوزير كان من المفروض عليه أن يكون سبّاقا لحماية صحة المواطنين، والحال كذلك هل سيخضع الوزير بوضياف للمساءلة القضائية عوض المساءلة الصحفية كما حدث اليوم في قناة “النهار”؟ فما حدث ليس بالأمر الهيّن، ولو أن من يقف وراءه كان مجرّد مواطن بسيط، لقامت عليه الدنيا ككل…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى