اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدرسيارات

تركيب السيارات: أويحيى يضرب بالدستور الذي أعده عرض الحائط

يوسف محمدي

تضمن المرسوم التنفيذي رقم 17- 344 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 68، الذي يــحــدد شـروط وكــيـفــيـات ممارسة نــشـاط إنــتـاج المركبات وتركيبها، الصادر في 28 ديسمبر 2017 والذي أمضاء الوزير الأول أحمد أويحيى، جملة من التجاوزات والاعتداء على دستور فبراير 2016 من خلال ما حملته المادة 3 منه من تضارب مع الواقع والبند الـ6 من الملحق الذي أظهر جهلا أو تجاهلا للقانون التجاري.

والمفارقة أن الحكومة التي كانت ترغب في الحد من نشاط استيراد السيارات والعربات الصناعية والتي تجاوزت 600 ألف وحدة في العام 2014 بما يفوق 7 مليار دولار، راحت تفسح المجال لاستيراد غير محدود ولكن لوحدات مفككة يتم تجميعها محليا عبر محدود جدا من المؤسسات التي لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة مع الإعفاء التام من الرسوم والضرائب والجمرك بشكل يتعارض كليا مع الدستور الذي يضمن المساواة أمام الضرائب لكل الجزائريين.

وفي الوقت الذي كان يستهدف من إعفاء السيارات والعربات المركبة محليا الوصول إلى سعر منتج نهائي أقل من المستورد وحماية القدرة الشرائية، قفزت أسعار السيارات المركبة محليا إلى أزيد من 200% مقارنة مع نظيرتها المستوردة من الخارج وما بين250 و350% مقارنة مع أسعار نفس السيارات في دول المنشأ على الرغم من الإعفاء من الرسوم والضرائب والجمارك لمدة 5 سنوات من النشاط فضلا عن بعض الامتيازات المحصلة في إطار الاستثمار، وهو ما أعطى نتائج عكسية تماما لقرار الحكومة فلا هي تمكنت من حماية القدرة الشرائية للمواطن ولا هي نجحت في الحد من تفاقم فاتورة استيراد السيارات، فضلا عن الخسائر القياسية للخزينة العمومية.

وسمح القرار في الاحتيال المنظم على الخزينة العمومية باعتبار أن مجموع الرسوم والضرائب التي استفادت منها شركات التركيب ناهزت قرابة 25% من سعر السيارة فضلا عن أسعار اليد العاملة المحلية المتواضعة وأسعار الطاقة المدعمة، إلا أن سعر المنتج النهائي قفز ثلاث مرات على الأقل في السوق المحلية.

وعوض الشروع في تدريب اليد العاملة المحلية وإطلاق مشاريع محلية لصناعة قطع التركيب الأول كما عملت تركيا والمغرب وتونس ورومانيا وغيرها، شهدت الجزائر سباقا محموما لاستيراد اكبر عدد منم المركبات المفككة جزئيا لتحقيق اكبر هامش فائدة بالاستفادة من حالة الاحتكار الإداري الذي منحته الدولة لبعض الأشخاص بعينهم خارج القانون وفي غياب المنافسة على الرغم من وجود قانون المنافسة ودسترة الحرية الاقتصادية في دستور 2016.

وأمام صمت كلي للحكومة ولأجهزة الرقابة تمكنت 5 شركات من الانفراد بالجزائريين بطريقة فجة وبدائية وشرعت في نهب منظم لأموالهم ومدخراتهم بعد أن قررت الحكومة منع استيراد السيارات على بقية الوكلاء الذين تجاوز عددهم إلى غاية 2015 ما يفوق 60 وكيلا معتمدا للعديد من الماركات العالمية.

ولم تحرك الحكومة ساكنا أمام لجوء هذه الشركات لأسعار خيالية لا يذهب منها إلا الجزء اليسير إلى الخزينة العمومية في يذهب جلها إلى جيوب السماسرة والمضاربين، بعدما أصبحت السيارات تباع في السوق السوداء، مع العلم أن هذه الشركات التي تعد على أصبع اليد الواحدة بإمكانها استيراد سيارات مفككة جزئيا ما يعادل أو يفوق مجموع ما كان يستورد في السابق من طرف أزيد من 40 وكيلا، وهذا بعدما مكنتهم الحكومة بطريقة مجهولة وغير واضحة من السيطرة على السوق.

وتشير العديد من التجارب العالمية التي سبقت الجزائر إلى هذا المجال إلى تعارض هذه القرارات المتخذة من الحكومة مع مبدأ الحفاظ على العملة الصعبة الذي كانت تتغنى به الحكومة منذ 2015، باعتبار أن الحفاظ على العملة الصعبة كان يتطلب تسقيفا للكميات أو عودة الحكومة للاستيراد مباشرة عند الحاجة عبر المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية التي لها الحق بموجب قانونها الأساسي في مزاولة هذا النشاط من اجل ضبط السوق وخلق التوازن واستفادة الخزينة العمومية، وليس العمل على خلق احتكارات خاصة بطريقة إدارية.

 

تحديد عدد الوكلاء بـ10 يتعارض مع الدستور

ويجهل لماذا لم تسمح الحكومة للوكلاء الأخريين المعتمدين باستيراد كميات لخلق توازن في السوق بعد اعتراف الحكومة بفشل نمط رخص الاستيراد ولجوئها إلى إلغاء القرار، من طرف الوزير أحمد أويحيى، الذي يؤكد تخبط الحكومة وترددها والذي ضرب مصداقية الدولة الجزائرية في العمق، لا سيما أن المرسوم التنفيذي رقم 17- 344 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 68 لا يحدد عدد المتعاملين في القطاع في حين سارع الوزير الأول أحمد أويحيى  إلى إطلاق تصريح غريب يتعارض مع القانون وحرية المقاولة التي أصبحت حق دستوري، وهو التصريح الخاص بحصر عدد شركات تركيب السيارات والعربات بـ10 شركات، مما جعل العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي في الجزائر والخارج إلى الاستفهام حول القواعد التي اعتمد عليها أويحيى في اختيار المبشرين الـ10 ولماذا قام بإقصاء البقية ومنهم شركات شرعت فعليا في تركيب السيارات منها شركة كيا الكورية الجنوبية بولاية باتنة وشركة جاك الصينية بولاية عين تموشنت.

ومن أغرب ما تضمنه المرسوم التنفيذي رقم 17- 344 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 68، أنه عوض إلزام الشركات التي تنشط في مجال التركيب بالالتزام بالشروط الجديدة التي تضمنها المرسوم، قام بإمهالهم سنة أخرى للاستمرار في الممارسات الحالية التي لا تختلف عن الابتزاز ومص دماء المواطنين الراغبين في الحصول على مركبة، لأنه يفترض أن تتوقف هذه الممارسات وللحكومة الحق في تقييم الاحتياجات الحقيقية والنظر في كيفية تلبيتها عبر طرق قانونية كأن تقوم الحكومة باستيراد ما يكفي لسد العجز وخلق توازن في السوق وهذا عبر إجراءات لصالح الخزينة العمومية وليس لصالح جيوب المضاربين.

وتشير معطيات بحوزة “الجزائر اليوم”، أن المستثمرين الراغبين في إقامة مشاريع صناعية في مجال السيارات والعربات والذين أودعوا ملفاتهم قبل سنة وأزيد لم يتم الإجابة على طلباتهم من الحكومة التي قررت اختيار 10 شركات فقط على أساس مجهولة.

 

تضارب بين المادة 3 بالعربية والفرنسية

وتنص المادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 17- 344 الصادر في الجريدة الرسمية رقم 68 على أن:” يرخص بممارسة نشـاط إنـتاج الــمركـبات وتركيبها لـلمتعاملين الذيـن يتأسسون في شكل شركات تجـارية طبقـا للتشريـع الـمعمول بـه ويثبتون ثلاث (3) سـنـوات خـبرة كـحـدّ أدنـى في مـجـال صـنـاعـة الـسـيارات ويـــحــوزون اعـــتـــمــادا نـــهـــائــيـــا كـــوكلاء ســـيــارات يـــســـلّــمه

الوزير الـمكلف بالصناعة”، وهي المادة التي تتعارض مع واقع الحال، باعتبار أن جميع الشركات المرخصة لمزاولة التركيب لا تتوفر على أدنى خبرة في مجال صناعة السيارات ومنهم من لا علاقة له أصلا بذلك، وهنا يظهر الخطأ الجسيم في ترجمة النص من الفرنسية التي تحرر بها القوانين في الجزائر إلى العربية.

ويظهر أن محرر النص الأصلي كان يقصد ” 3 سنوات خبرة وكلاء السيارات وليس في مجال الصناعة” وفي هذه الحالة تنص التشريعات الجزائرية أنه وفي حال التضارب بين النصين الفرنسي والعربي، يتم الاحتكام إلى النص العربي. وهنا يطرح سؤال أخر يتعلق بمصير شباب منطقتي باتنة وعين تموشنت بعد قرار الوزير الأول أحمد أويحيى بعدم تضمين مصنع كيا وجاك في القائمة الأولية التي سربت للرأي العام، ما هو مصير عشرات المئات من الشباب بباتنة وعين تموشنت الذين ينتظرون فرصة عمل من سنوات، ثم ما مصير المليارات من الدينارات التي تم استثمارها في المنطقتين وفوق كل ذلك أين هي سمعة الدولة التي منحت اعتمادات لمستثمرين محليين وأجانب قبل العودة عليها؟

 

البند الـ6 من الملحق تضمن فضيحة  

وإلى جانب التضارب في المادة 3 من النص، تضمنت المادة 21 من ملحق دفتر الأعباء المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة نشاط إنتاج المركبات وتركيبها، بندا يتعارض مع القوانين الجزائرية، حيث نص على ” تـلـتــمس الـوزارة الـــمـكـلــفـة بـالــصـنــاعـة من الـوزارة الــمـكلـفـة بـالـتـجارة الـشـروع في إجـراءات سـحب الـسجل التجاري”، وهو إجراء لا يحق لوزارة الصناعة أو أي جهة أخرى القيام به خارج إطار القضاء، لأن السجل التجاري لا يسحب بل يشطب  من المعني أو العدالة أو بانتهاء صلاحيته، وهذا الخطأ يكشف عن جهل كبير بالقانون من طرف الجهة التي أعدت النص بل أن هذا البند 6 هو نكتة لم تحصل في تاريخ البلاد، لأن الأصل هو أن تركيب السيارات هو نشاط مقنن على أن تكون المنافسة هي القاعدة الأساسية السائدة، أما أن تستخدم مؤسسات الدولة لتوزيع الريع فهذه فضيحة على الجميع أن يتدخل لوضع حد لها، لأن صورة الجزائر تضررت كثيرا بهذه الممارسات.

 

للاطلاع على المرسوم التنفيذي رقم 17- 344: يرجى الضغط هنا 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى