بين الفكر والسياسة

تغيير تصورنا لذواتنا:عبقريّة الشعوب

بقلم نور الدين بوكروح

ترجمة عبد الحميد بن حسان

إنّ النقد والنّقد الذاتي واجب على كلّ مُواطن. فهُما يسمحان بتقوية الروح القتالية في الحزب وبتحفيز الأنشطة الإبداعية فيه وتقوية الروابط بينه وبين الجماهير. على كلّ مناضل أن يكون قادراً على الدفاع عن أفكاره بشجاعة، وأن يندد بالنقائص ويقترح البدائل” الميثاق الوطنيّ. ص 47.

كانت “عبقرية الشعوب” هي العبارة التي كانت لها مكانة مركزية في الخطاب العمومي الجزائري خلال العشرين سنة الأخيرة. لكن استعمالها لم يكن استعمالاً معقولاً في جميع الحالات. فإذا كان من المعقول الإقرار بأنّ الإشادة بعزة الشعب وعظمته شيء إيجابي باعتبار أنّ النوايا حسنة، لكن الأحسن من ذلك أنْ يكون للكلمات معنى، ومضمون، بل وحياة نابضة، وأن تكون تلك الكلمات في منأى من الإفراط والمبالغة إلى درجة اللاّمعنى، ومن الاستعمال العشوائي الذي يقتلها.

وإذا كانت كلمة “العبقرية” في الثقافة العربية مرتبطة بأسطورة “وادي عبقر” الذي كان يُعتقد أنّ مَنْ مرّ به ركبه جنٌّ، وصار إنساناً مُتميِّزا بذكائه الخارق[1]، فإنّ كلمة “Génie” آتية من Genius و Ingenium اللاّتينيتين، و الدّالّتين على الطّبع المُميِّز لدى الكائن الحيّ، لدى الجنس البشريّ..الخ. وبناءً عليه فإنّ عبقرية الشعب هي ميزته الخاصة التي تُعطيه بريقاً خاصاًّ يُميّزه عن باقي الشعوب، أو هي ـ وحسب نظرة بن نبي ـ “طريقة إجابته عن الفراغ الكونيّ”. إنها أسلوبه الإيجابي والخلاّق في اغتنام فرصته في احتلال مكانة في التاريخ، وإنّها انتصاراته على الطبيعة وعلى نفسه، وهي إنجازاته التقنية والرّوحيّة، واكتشافاته العلميّة والاجتماعية، ومساهمته في مسيرة الإنسانية، إنها نظرته الشعرية إلى الحياة وأداؤه في فن الهندسة المعمارية…

وبناءً على الاعتبارات السابقة أمكن لنا الحديث عن العبقرية الإغريقية والعبقرية الرومانية، والعبقرية الإسلامية، وكذا العبقرية الروسية ( عندما نذكر بطرس الأكبر المُلقب بـ “رجل التغيير” Le transfigurateur و”المُحضِّر” Le civilisateur)، إلخ، والمقصود بذلك هو التعبير عن الأداء المعنوي والمادي لدى أمّةٍ ما، وعن بصمة يدها وعقلها والتي تتركها في المكان والزمان. فـ “عبقرية الشعوب” إذاً ليست خيالاً ولا “صفة” باهتةً وغير مُحدّدة، ولا بهرجاً لفظياًّ سياسياًّ، بل هي واقع ملموس وساطع، مُثبتٌ ومُعترَفٌ به لدى الجميع.

صحيح أنّ الجهل والديماغوجية إذا التقيا جعلاَ من العبقرية شعاراً وضرباً من الإطراء، بل ووهماً، وقد حدث ذلك فعلاً، لكن ذلك الشعار والإطراء والوهم أكاذيب لا تدوم ولا تقف في وجه النّقد. وهذا بالطبع مصير كل كلامٍ كاذبٍ، إذ يؤول إنْ عاجلاً أم آجلاً إلى الانكشاف، ثُمّ يُترك ويُرمى به عرض الحائط ليترك المكان للحقيقة.

والحقيقة الماثلة أمامنا اليوم، نحن الجزائريين والجزائريات، هي حالتنا ونحن نُفاجأ بـ “محاربة الآفات الاجتماعية”، وهي معركة ضدّ أنفسنا الشقية والمغلوبة التي نناديها بيأسٍ من أعماق أغوارنا الاجتماعية. كان ابن خلدون مُصيباً إلى أبعد الحدود عندما قال: ” كلّ شيء مُتعلّق بالسلطان: فإن ابتعد عن الظلم والجور والتحيُّز والضعف والفساد، وكان مُستقيماً في سيره دون أن يَحِيدَ عن الصّواب، فلن تجد في سوقه غير الذهب الخالص والفضة الصافية. وإذا ما استسلمت الدولة للمصلحة الشخصية والتناوش بين تُجار التسلّط والنذالة، سادت النّقود المُزوّرة في أسواقه”.

وقد قيل عن “العبقرية” عموماً إنّها 25% من الإلهام و 75% من عرق الجبين. فقد عُرِف الألماني مثلاً بميله إلى العمل، كما عُرف الأنجليزي بيقظته وتحفّظه وعُرف السويسريون بحرصهم الشديد على نظافة المُحيط، وعُرِف اليابانيون بالدّقة واللّطف، إلخ. فماذا عن الجزائريّ؟ فيمَ تتمثل “عبقريتُنا”؟ وما الذي يُميِّزُنا عن الآخرين؟ كيف يُفكّرُ فينا أهلُ هذه الكرة الأرضية (طبعاً، باستثناء البلاد التي نُنعتُ فيها بـ bougnoules) مهما فعلنا؟ كيف يرانا الأجانب المُقيمون عندنا حقيقةً وبدون أية زيادة أو نقصان؟ ماذا يُقال عنّا في التقارير الديبلوماسيّة؟ وبعيداً عن نظرة الغير إلينا، ما الذي يُميِّزُنا؟ وما هو القاسم المشترك بيننا؟ فيمَ تتمثّل هذه العبقرية التي صمُّوا بها آذاننا زمناً طويلاً؟

ما أبْعد الفرق بين مستوى معيشتنا وبين قدراتنا الاقتصادية ! إنّنا نُصرّح بواقعٍ ونعترف به لكنّنا نعيش واقِعاً آخر، ونحن مُتواطئون ضمنياًّ على كلّ ما هو شرٌّ، ومُتّفقون على عدم الاكتراث بكل شأن عامّ، مُتفقون كذلك على الديماغوجية وتحطيم القانون أو التّهرّب منه، والاستحواذ على أملاك

الدولة، والتّغيّب عن العمل، والرّكون إلى أسهل الأساليب في الحياة، والمُزايدة، والأوساخ، وخلق أسباب الموت لمرضانا في المستشفيات… كلّ شيء في سلوكنا يدلّ على أنّنا نظنّ أنّ الحياة ستتوقف بعدنا.

لا يُهمّنا إلاّ ما يمسّ بمصالحنا. فالجُنح والجرائم من كل الأنواع تُرتكبُ بين أعيننا، وإنْ لم يكن ذلك بمُباركتنا وقبولنا فهو بتواطؤ سرّي منّا. لقد ارتددْنا عن دين الله، وخُنّا روح ثورتنا، وقدّمنا كلّ التنازلات التي تُتصوّر والتي لا تُتَصوّر، نتبارى في المُراوغة والتدليس على بعضنا، ونكذب، ويسخر بعضنا من البعض الآخر، ونشتري الذّمم، ونُزوِّر، ونتملّق، ونتلفظ بالبذاءة في الشوارع، فنحن بذيئون، فاسقون، نُجاهر بالزندقة اللفظية، ونُخْلِفُ وعودنا، ويتربّى أبناؤنا على صورتنا.

وفوق كُلّ هذا فنحن “نُناضل” لكي نُنزّه أنفسنا أو لكي نُفلِتَ من العقاب. وهذا ما عبّر عنه نيتشه بعبارة: ” غريزة الرّداءة الملعونة ! “. وقد تنامت هذه الصفات وعمّت واكتست طابع الديمقراطية فينا حتى صارت هي ميزة “عبقريتنا”. ونحن نُسوّغ سلوكنا ونزقنا بعبارات معروفة أصبحت مبررات “فلسفية” مثل: “حشيشة طالبة معيشة”، و ” هفْ تعيش ” وغيرهما.

والحاصل أنّ الجزائريّ خرج من طور “ما قبل الاقتصاد” ووقع في النزعة المادّية المَقيتة. وكانت هذه النزعة سببا في هواننا، وتحوّلنا إلى كائنات أشبه بالوحوش، وانطماس الطبع الإنسانيّ فينا. لقد صرنا بسبب ذلك عبيداً للمادة، ذوي نزعة فردية، وصرنا مُجرّد مُستهلِكين أو أنابيب للهضم. إنّ هذه النزعة المادية حوّلتنا إلى بشر في أدنى درجات الذكاء (Minus habens). وليست النزعة المادية من مُخلّفات الاشتراكية لأنها قد تظهرُ حتى في ظلّ النِّظام الرّأسماليّ. فهي ليست نظرية اقتصادية، بل هي نظرة خاطئة إلى دور العامل الاقتصاديّ في مسار التطوّر. إنها موقف يتّسم بحصر الظواهر في جانبها المادّيّ، كأنْ نعتقد بأنه يكفي رفع الناتج الوطني الخام إلى مستوى مُعيّن كي نُحقق التطوّر، أو الاعتقاد أن رسالتنا في هذا العالم تنحصر في المال الاقتصاديّ (والأحرى أن نقول: في كوننا مجرّد مُستهلكين).

منذ ثلاثين سنة كُنا نعتبر الشارب هو رمز الرجولة، وكان ذلك في فضاء ذهني تسري فيه القيم بجوار اللاّقيم في وئامٍ تام. أمّا في أيامنا فإنّ “الرّجل” هو صاحب المال الكثير، وهو صاحب المسكن الفاخر، ويركب أفخم السيارات، ويُعالج في الخارج، ولا يُطبّق عليه القانون، ولا يُحاسبه أحد.

وأصل هذا التّشوّه النفسي (métanoïa ) هو النزعة المادية بالذات. فمن بين أضرار هذه النزعة أنّها جرّدت الإنسان الشريف من كلّ سلاح، وهوّنت شانه، وأذلّته، وهزمتْه. تركته فريسة لسخرية الانتهازيّ صاحب البطن المُنتفخة، وجعلت منه عرضة للهزء والضحك. هكذا فعلتْ النزعة المادّيّة بالثوريّ الأصيل والمُثقف المُتفاني في خدمة الصالح العام، وجعلتْ من الفكر والأفكار موضوعاً للسخرية واعتبرتهما أفعالاً مُخزية وتافهة. وهذا هو السبب في نزعة التّشييء (choséisme) التي طغتْ على مفاهيمنا، وفي وَلَعِنَا البليد بنزعة الملموس Concrétisme، وفي ضيق نظرتنا إلى كلّ شيء.

وماذا عن ثقافتنا؟ إنّها تُختزل في بعض سيناريوهات الأفلام التي تجْترُّ رواية المجنون (الذي يرمز إلى الضمير الشعبي) والإمام (الذي يرمز إلى رِدّة الفعل) والمالك (الذي يرمز إلى البورجوازية بنهمها)، وهُمْ يتبارون على نيل ميدالية العبث والنظرة البسيطة “الملتزمة”، إضافة إلى بعض شيوخ الموسيقى المُتربعين بجلالة جهلهم على حقل مفتوح للمُقلّدين الذين يظهرون بملامح الفنانين وهُم في الحقيقة مُجرّد صعاليك، بجانبهم ثلاثة أو أربعة روائيين أعمالهم لا طعم فيها وهُمْ في درجة عالية من العنجهية، إضافة إلى كونهم يضعون رِجْلاً في عالم “الأعمال” الصغيرة، والرجل الأخرى في الخُطب الرّنّانة المُتلفزة.

وماذا عن فنوننا الجميلة؟ انظروا إلى تلك التّماثيل الرخيصة في بعض حدائقنا العموميّة، في “بادوفاني” أو في “سوق الفلاّح” بالشراقة مثلاً، وانظروا إلى هذه الفظاعة العملاقة القابعة في مواجهة “مازافران” وكأنّها وُضعتْ هناك لاستفزاز السماوات، وانظروا إلى هذه اللّوحات “الفنّيّة” القبيحة المنتشرة في كل مكان في العاصمة… تُرى، مَنء يقف وراء كلّ هذا العُهر الفنّيّ؟ من هو هذا الذي يُسبغ علينا كلّ هذه النِّعم الفنية على طريقة “الواقعية الاشتراكية”؟ مَن الذي وضع هذه الأسماء لبعض القرى الفلاحية : قعدة الترفاس، فرطاسة، مقعورة، و نسيت غيرها؟

وماذا عن اقتصادنا؟ إنه ليس قائماً على عَرَقِ الجبين وإنتاج الثروات، لكنه قائم على مُقايضة نعمة من نعم السماء، أو قولوا إن شئتم: نعمة جاءتنا بالصدفة. نحن نعيش من ريع أرضنا وباطن أرضنا. ولو أنّنا اعتمدنا على ما نُنْتجه فعلاً لمتنا جوعاً ألف مرّة. لكننا في تعنُّتنا وعنجهيتنا لا نُريدُ أنْ نعترف بذلك لغيرنا. نحن نتكلم عن ذلك بيننا، لكننا من الناحية المبدئيّة نمتنع عن الإقرار بهذه الحقيقة.

وإمعاناً مِنّا في مُغالطة أنفسنا نتبجّح بتقديم تشكُّراتنا لـ “العُمّال”، ونصرخ في وجه الرجعية أو الإمبريالية إذا ما ظهر أنّ الأمور ليست على ما يُرام، وبعد ذلك نكتشف أنّنا لم نتقدّم خطوةً وأنّنا لا زلنا نتخبط في مشاكلنا المعهودة. ذلك أنّ الشعارات، مثلها مثل الله الذي “لا يُغيِّرُ ما بقوْمٍ حتّى يُغيِّروا ما بأنفسهم”.

إنّ عبارات مثل “الإنتاج والإنتاجية” و “معركة الإنتاج”، و “معركة التّسيير” ما هي إلاّ شعارات وابتهالات لن ترفع من مستوى نموّنا أبداً، بل على العكس. ولنفتح هنا قوساً صغيراً: المُدهش حقاًّ أنّنا لا نرى الأشياء إلاّ من زاوية نظر عدوانية و تهجّمية، وأنّ كلّ شيء يتّخذ في عقولنا صور المناوشة والازدحام والعراك، أي الالتباس والفوضى.

كفانا كلاماً عن “عبقرية الشعوب” ! فلا عشرات المقالات، ولا مائة خطبة مباشرة، ولا ألف حديث ديني يُحذر فيها علي شنتير من الشيطان، ولا مليون لافتة في شوارعنا الرئيسية بقادرة على تغيير أيّ شيء ! إنّ ما ينقصنا هو القرارات والتّدابير الصارمة والأفعال ! وكُلّ التشكّرات للسّلطات، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، على ما اتّخذ من تدابير. يقول جوته: ” مهما بلغت فظاعة الأشياء فإنّها لن تمنع الأقدار من تحويلها إلى أشياء إيجابية”.

يا لها من فرحة، ويا لها من سعادة، ويا له من رضا تام ! هكذا إذاً اكتشفنا أنّنا كُنّا قادرين على أن نسلك ممرّ الرّاجلين لقطع الطريق، وقادرين على احترام دورنا في الطابور (والأحرى أن أقول: قادرين على الالتزام بذلك، لأننا في قرارة أنفسنا نتمنى ألاّ يكون ذلك أصلاً)، وقادرين على تنظيف شوارعنا، وقادرين على الامتناع عن البُصاق أمام المارّة…  كُنّا إذاً قادرين على أن نستقيم في سلوكنا دون أن نُعرّض حياتنا لخطر الموت، وأن نلتزم بالقواعد العامة للحياة الاجتماعية، وأن نسير في شارع العربي بن مهيدي عصراً دون أن نخشى التّعرّض لهجوم مُسلّح، وأنْ نذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم في طمأنينة وأمان …

يا للعجب ! كان بإمكاننا أن نعيش بهذا الأسلوب منذ سبع عشرة سنة، وكان السّلم الاجتماعي على عتبات أبوابنا وفي متناول أيدينا ـ بدليل أنّنا لم نتضرّر بوجوده اليوم بيننا ـ ومع ذلك فقد كُنّا نعيش في جحيم حقيقيّ، والمُتضرّر الأول هم اولئك الذين يريدون أن يعيشوا من عرق جبينهم بكل نزاهة، إنهم أولئك المُضطرون إلى استعمال النقل العموميّ في تنقلاتهم، وهُم أولئك الذين يُضطرون إلى الوقوف في كلّ الطّوابير وانتظار أدوارهم كي لا يموتوا جوعاً، وهُم هؤلاء الذين يُضطرّون إلى فسح مجال الشغل لنسائهم وبناتهم كي يتمكنوا من الاستجابة لكل متطلبات الحياة.

لم يسبق لنا أبداً أنْ نرى في الشرطيّ ذلك الإنسان اللّطيف الواقف ببذلته ليسهر على سلامتنا. لم يسبق لنا أن رأيناه نظيفاً ولا مُقتنعاً بدوره في المجتمع كما نراه الآن. فالدولة اليوم حاضرة بكلّ قوةٍ في كلّ مكان، وهي قائمة على قدم وساق حرصاً على مصلحة المُواطن…

وليمُتْ غيظاً كلّ أولئك الذين اعتادوا على السخرية منّا والاستهزاء والتعريض بنا، سواء منهم مَنْ كان بيننا أو من كان في الخارج. وبعضهم قد بدأ يخرج من مخبئه ليتربّص بنا الدوائر وينتظر أول ذريعة ليُفجر حقده وسمومه في وجوهنا. والمؤكّد أنهم سيحتجون ضدّنا باحترام الحريات، والقهر، والفاشية، والتّطرّف… لكننا نعرفهم الآن بما يكفي لأننا عشنا معهم عدة تجارب. إنهم بالضبط أولئك الذين يريدون أنْ يُقنعونا بأنّ “عبقرية الشعوب” هي الحالة التي كُنّا فيها قبل انطلاق هذه الحملة ضدّ الآفات الاجتماعية، إنهم أولئك الذين لا يريدون بأية حال أن يكون جزائريو الفاتح من نوفمبر ثابتين، غير مُتوانين، ومُتخلّقين جادّين ومُتفانين…

إنّ الجزائري الذي ثار ضدّهم في الفاتح من نوفمبر قد آلَمهُمْ لأنه زعزع الجبال وضحّى بكلّ ممتلكاته وبحياته، وكان محلّ إعجابٍ في العالم بأسره، فكان مثالاً للبطولة. وبعد الاستقلال لم يرْتمِ هذا الجزائريّ بين براثن اليأس، بل أثبت مرّة ثانية أنه مُحبّ لوطنه، وسار مع الخيار الاشتراكي من أجل تحقيق عدالة تامّة. إنّ هذا الجزائريّ الذي صنع مجد بلاده بفضل القيم الأخلاقية التي يؤمن بها، هذا الجزائري غير مرغوب فيه. فهو إنسان خطير لا يخاف في الحق لومة لائم، وعينه يقظة على الدوام. إنه إذا عقد العزم على فعل الخير وعلى القيام بالواجب كان ممّن يُتمّ عمله ويُتقنه: فها هو ذا يخرج منتصرا من ثلاث معارك، الأولى ضد الاستعمار، والثانية في جهاده الأكبر ضدّ نفسه، والثالثة في صراعه ضدّ التخلّف. يقول محمد إقبال: ” ما أسعد الشعب الذي اهتزّتْ نفسُه وانتفض ليُجدد نفسه بنفسه وبِطينة أرضه ! إنّ لحظة استيقاظ شعبٍ هي بمثابة صبيحة عُرسٍ عند الملائكة الذين يحملون العرش على أكتافهم”.

 

جريدة “المجاهد” 08 أكتوبر 1979

[1] ـ إضافة بقلم المُترجم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى