بين الفكر والسياسة

تغيير تصورنا لذواتنا:عهـــد سعيــد!

بقلم نور الدين بوكروح

ترجمة ساعي عايـــدة 

إنقضت سنة وابتدأت أخرى بالنسبة للبشرية. انتهى عصر واستهل آخر بالنسبة للجزائريين يوحي بفتح عهد جديد لثورتهم.

في هذه الليلة الفاصلة، ليلة رأس السنة الميلادية، توقف رجال وشعوب للحظات ليثبتوا الحركة المنتظمة لرقاص الساعة الجدارية. لقد أرادوا منه أن يسجل بعلامة أخرى هذا الانتقال من رقم لآخر، وهو نقلة مهمة جدا بالنسبة لهم. لكن الزمن واصل إستمراريته غير المبالية، هروبه الخالد، مسيرته بعزيمة قوية نحو هدف نجهله، و وجهة لا نعرفها.

مثلها مثل النمل، و هو يمشي مزدحم على ضفتي الكوكب، تنشغل الشعوب بالتغلب على خوفها من الفراغ الكوني، أثر المقاومة المقصودة في وجه الزمن المدمر مستمر منذ العصر الحجري، حمله رجال على عاتقهم فنجحوا تارة و فشلوا أخرى.

تعاقب حوالي مائتي جيل خلال السبعة آلاف سنة من صراع التاريخ مع العصور المجهولة. الشعوب تزرعوتضعبذرها، تصنع و تبني، تخترع و تعزز دعائمها كي تستمر، كي تعطي معنا لوجودها في الحياة، كي تعيش على أفضل وجه ممكن نصيبها من التاريخ وحظها من الأوقات السرمدية.

يبعث هاجس الاستمرارية، الخوف من الفراغ، شساعة اللانهاية بعيدة المنال، فيهم الحمية البروميثية، الشعور التراجيدي، الشجاعة المتجددة كل مرة لمقاومة آثار الدهر الهدام.

الشعوب التي تملك الضمير و الحس التاريخي، تقف باستمرار كفاعل نشط في الصراع المستمر في التاريخ للكائن ضد العدم، ضد الوجود غير النافع، العشوائي،العبثي والطفيلي، كما أنّ لديها أيضا مفهوم واضح عن الشروط الحتمية للحياة الايجابية و عن المصير في التاريخ.

تحدق هذه الشعوب عادة بعيدا، و دون أن يغيب ماضيها عن نظرها، إلاّ أنها ترفض أن تعيش على مبدأ الماضي الخالد.فهي تستحضر الأهداف البعيدة و تقدمها على مراميها العاجلة و تجهز باستمرار مشاريع جديدة.

إنّهاتنجزأبعد من حاجاتها، و أكبر من إمكاناتها، و تسخر نفسها لبذل جهد إضافي، فترمي، بكامل إرادتها، غطاء القارورة بعيدا إلى الأمام كما تقول العبارة الفرنسية.رؤية هذه الشعوب ليست محدودة في مجرد “مكتسبات” فسيعجل الزمن في جعلهاسخيفة،بل هي في حركية مستمرة، في بحث دائم عن أهداف جديدة، عن تحدٍّ جديد، عن وجهة و معنى العالم.

هي تخشى أنّه في أيّة لحظة، قد يوضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، تخشى أن تُبتلى الأمة بـ”المتكلمين” أكثر من “العاملين”، و أن يُعرقلالمعطى الشخصي مسار المصلحة العامة.

لاستباق هذه المصائب، و للوقاية من هذه الآفات،تعودهذه الشعوب إلى حكمة قوانينها، إلى دقة دساتيرها، و إلى مصداقية ممثليها.

حصل الجزائريون، في نهاية هذه السنة، على هدية كبيرة: الوعد أن ثورتهم ستعرف منطلقا جديدا. فهل يمكن لهذه السنة أن تكون نقطة انطلاق للعهد الجديد الموعود: عهد العمل، الجد، الصرامة، العدل، الديمقراطية المسؤولة، النقد البناءو أشياء أخرى كثيرة غالية على قلوب الجزائريين؟.

 

« Algérie-Actualité» 02 جانفي 1986.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى