توافق سياسي اجتماعي وإصلاحات: ضرورية للتغلب على اقتصاد ريعي
الدكتور عبد الرحمان مبتول
المقدمة :
إن إعادة إصلاح الدولة التي من إرادتها ، إدماج المحيط الاقتصادي الموازي وإصلاح المنظومة المالية والجبائية والجمركية والمنظومة الاجتماعية التربوية وتجسيد الآليات الجديدة للضبط والتضامن الإجتماعي والبحث عن الحد الأمثل والتأثير على النفقات العمومية والتسيير الجديد للبناءات التحتية ، تطرح إشكالية مستقبل.
الإقتصاد الجزائري لإعادة ربطه مع التنمية ومن ثم ، تخفيف عبىء البطالة التي بدأت في إتخاذ أحجام مرهبة . إن التنمية هي شرط أساسي للإنتاج والتصدير خارج المحروقات حيث أن الوصول إلى هذه النتيجة هو غير ممكن في الحين ويتطلب سنين طويلة .
تطرح هذه الظاهرة بصفة ملحة وأساسية ، إشكالية الأمن القومي لأن الجهود الكبيرة التي تبذلها قواتنا من الممكن أن تذهب سدا إذا لم نتحصل على إستقامة المتطلبات الإقتصادية والإجتماعية الوطنية . من هنا ، أصبحنا في طريقتين لهما تأثيرات مختلفة عن بعضها البعض ، لأنهما مرتبطتان بكيفية تسيير ملف الإصلاحات المتعلقة بالفعالية الاقتصادية (ملائمة الجزائر مع العولمة الإقتصادية)، والتلاحم ( التضامن ) الإجتماعي دون السقوط في الشعبوية ، والقيام بتسديد أجور دون مقابل إنتاجي يساهم في التنمية التي تقضي على البطالة .
1_الاتجاه المحافظ الذي يطالب بالإبقاء على هذه الحالة لأن هدفه هو المحافظة فوائد الريع .
إن الريعيين هم حاضرون ويشكلون قوة إجتماعية نشيطة وليسوا أوهاما كما يضن البعض . وبصفة مقلقة ، يناضلون بدفاعهم عن الجمهورية ، شيء لا مثيل له في كتب التاريخ ولكن دون ممارسة للديموقراطية . إنهم يرفعون شعار _لا يوجد مثيل له في العالم _ وهو إقتصاد سوق خصوصي عمومي على الطريقة الجزائرية .
إن توجههم هو ريعي محض حيث يتضمن تسيير ملف الإصلاحات حسب رؤية بيروقراطية من خلال تدخلات إدارية ترتكز على حلقات تتابع إدارية .
إن المكتب هو ضروري في كل مجتمع ، ولكن ، على خلاف الدول المتطورة والذي تم تحليله من قبل عالم التسيير “-ماكس فيبر- Max Weber-“، فهو في الدول الأخرى ، عنصرا حاجزا . موضوعيا ، يتم شرح هذه الظاهرة من قبل الملاحظين الوطنيين والدوليين بجمود يتناسى وكأن العالم لا يسمعني وأن الجزائر تعيش في جزيرة منعزلة . كما أن الإتجاه المحافظ يجهل بأن الخطابات الرنانة والديماغوجية هي منبع للقلق الجماعي .
إن الإختلالات تعطل جلب الإستثمار الوطني ولإستثمار المباشر الأجنبي الذي لا يمكن الإستغناء عنه لإدخال تحولات على السلوكات البيروقراطية الريعية بالداخل ، وذلك لأن الاستثمارات تقضي على عجز الإدخار وتسمح بإعادة بعث الاقتصاد . إن التقييم الذي أسس على الوثائق الرسمية ، الواسعة النشر ، يوضح حدود هذا التوجه الذي يقود ، دون محالة ، إلى الإخفاق المبرمج بسبب أننا نغطي الإخفاق من خلال الحلول الترقيعية المنظمة . ونذكر أن سبب صحة المالية هي نتيجة عناصر خارجية ولا علاقة لها بالعمل والذكاء .
بالطبع ، إن هذه الطريقة ، وتحت الغطاء الظاهر للشعار التقني لها ، خلفية سياسية
واقتصادية ترتكز على نظرة ثقافية قديمة وضرورة هيمنة المؤسسة العمومية من خلال دور الدولة المستثمر والمسير ، فهي قراءة خاطئة للفكر الإقتصادي الكنيزي المبني أساسا على إعادة بعث الإقتصاد من خلال الطلب الإجمالي الحقيقي ( الاستثمار والاستهلاك ) ومن خلال قبول عجز الميزانية لأستندامه في صالح المستثمرين الخواص لإنجاز المشاريع .
2_ الإتجاه الإصلاحي : إقتصاد سوق إنساني وديموقراطي .
يتضمن هذا الإتجاه ديموقراطية القرار الإقتصادي والسياسي الذي يدخل في إطار الديموقراطية بمعناها الواسع المرتبط بدولة القانون المرتكزة على الشفافية التي تمس جميع الفاعلين الإقتصاديين ، السياسيين والإجتماعيين .
إن هذه الصيغة الحقيقية تتطلب مقاربة مختلقة حيث تعطي الأولوية للطلب بمعنى آليات السوق التي تعتبر عنصر ضبط أساسي للإقتصاد من اللازم أن يحل محل الديكتاتورية قاعدة العمل بالتشاور والحوار المستمر بين مختلف الفاعلين المعنيين بعمليات الإصلاح وتفادي الفرعية ومركزية القرارات ، التي تتولد عن إتباع المنهجية البيروقراطية التعصبية المضرة . من هنا ، يتضح الاستعجال في البحث عن رؤية جديدة ترتكز على أهداف سياسية دقيقة وانسجام بين نشطات تقودها هياكل سياسية ، تقنية إجتماعية ، مثل المجتمع المدني والتنظيمات الغير حكومية التي تمر أغلبية نشاطاتها عبر قنوات غير مركزية .
هذه الهياكل المرنة في تنظيمها وفعالة في نشاطها هدفها هو الإنجازات الحقيقية بعيدا عن الخطابات الديماغوجية التي لا تساعد على التجنيد الاقتصادي والتي هدفها الأول هو تحرير الإقتصاد على أسس اجتماعية سياسية .
إن نشاطات إقتصاد السوق هي التي تبرهن على الإقبال السياسي الواسع لإنشاء
اقتصاد سوق قوي ومن هنا إلتحاق المواطنين والمجتمع الدولي بقكرة الإصلاحات . الهدف الأساسي هو ديمقراطية تسيير الريع الذي هو ملك للمجتمع الوطني وتفعيل القطاع الخاص وإدماجه في اامحيط السوقي والإنتاجي والذي من اللازم إبعاد كل تضخيم مسيء له ولا يمكن أن يتآتى هذا إلا من خلال تعميم عقود حقوق الملكية لهدف تثبيت روح المسؤولية لدى المواطن الجزائري . داخل إقتصاد السوق ، يتمحور دور الدولة الأساسي حول عملية الضبط ، لأن الدولة هي حامية العقد الاجتماعي تفاديا للتسيير حتى وإن كانت الأسباب هي الفعالية الاقتصادية والأخلاقية .
لهذا ، فمن اللازم ، تعريف الفاعلين الداخليين والخارجيين التابعين لهذا النمط من التسيير كما يتطلب تحديد علاقاتهم المتداخلة لأن الجزائر ستلعب في المستقبل دور دمجهم في استقرار المغرب العربي والمحيط المتوسطي .
3_صحة الفرضيات _ تداخل إستراتيجية الفاعلين الداخليين _ الخارجيين :
يمكننا من خلال نموذج مصفوفة مفتوحة محكمة زمنيا وفي إطار آفاق ديناميكي ، الوصول لتحضير نمودج مجموع ما تم توضيحه سابقا ، ومن ثم ، تنبؤ مختلف السيناريوهات الممكنة بدلالة حالة علاقات القوة على المستوى الداخلي ، آخذين بعين الإعتبار تحول إستراتيجية الفاعلين على المستوى الخارجي . محتوى هذا الموضوع هو مشروع عمل مستقبلي .
3_1_الفرضية -أ- إخفاق نمط الإصلاحات
شروط الإخفاق هي حقيقية ومجتمعة داخل المحيط القانوني والإقتصادي في حالة ما:
_افتقدت الرؤية والانسجام في الطريقة الاقتصادية ، السياسية والإجتماعية التي يزيد في حدتها الريعيون على المستوى الداخلي وعلى مستوى بعض الفروع التي يتبعها الناشطون الخارجيون التي تجمعهم علاقات وغير رسمية والذين لا يهمهم تعميق الإصلاحات ( مثلا فقدان أسواق في حالة اللجوء إلى الإعلان عن المناقصات العمومية التي تطبعها الشفافية ).
_ثقل وغموض النصوص القانونية التي تقود إبى الإيقاف القانوني للإصلاحات .
_تعدد المتدخلين الذي يحدث غموض على مستوى الصلاحيات .
_هشاشة طاقات الإستثمار الخاص الداخلي حيث أن مخطط الإستقرار أعطى إدخار غير
طوعي في غير صالح الطبقات المتوسطة التي زاد فقرها .
_صيانة وديمومة مخاوف المستثمرين الداخليين والخارجيين من خلال تعديلات مستمرة لنصوص القوانين مع أن مبدأ الإستقرار كان من اللازم يكون القاعدة . زد على ذلك ، الخطابات الشعبوية الموجهة لتصفية الحسابات على حساب موضوع الجباية التي يندد بسياستها الفاعلون المناهضون للإصلاحات وذلك بإقتراحهم التراجع عنها من خلال الضغط المستمر والعودة إلى قواعد الحمائية لأن تحرير الإقتصاد سيقضي على جزء مهم من الريع .
3_2_ الفريضة -ب-الإبقاء على الحال
هذه الفرضية تحضر شروط الإخفاق لأنها تربط الشروط الإجتماعية الحالية ( فقر ،بطالة) بالإصلاحات الإقتصادية بإستثناء سياسة الإستقرار الإقتصادي الحالي. كما يمكن أيضا إرجاع شروط الإخفاق إلى الأعضاء التقنية المكلفة بتطبيق الإصلاحات التي ليست لها إلتزام وتكوين سياسي (مثلا العمل على تحديد ومعرفة وزن علاقات القوة المتواجدة ).
إن حالة الإبقاء على الحال تشارك في إخفاق مبرمج الذي هو انتحاري بالنسبة لمستقبل الاقتصاد من جهة ، والمجتمع الجزائري من جهة أخرى . زد على ذلك ،إن صيانة هذا الإخفاق تأتي من الغموض الذي يسود بعض المبادئ ، حيث يعتبرها البعض خطئا لأنها من الإصلاحات مثل المتاجرة وبأسعار زهيدة في الاملاك الوطنية .
إن مناصري هذه الفرضية أو التحليل يعتبرون أن الإصلاحات يتم إملائها من قبل المؤسسات العالمية الكبيرة ومن قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي . نذكر هنا بالتضايقات التي عرفها مناصروا اقتصاد السوق ومن ناضلوا من أجل إرساء الديموقراطية الحقيقية .
3_3_ الفرضية -ج- نجاح نمط الإصلاحات
إن شروط نجاح الإصلاحات في الجزائر موجودة أيضا في المحيط القانوني ، الاقتصادي والسياسي . إ ن توسيع المحور الثقافي هو شيء جد مهم ، وعلى وعلى المسؤولين ان يواصلوا في هذا الطريق . كما أن التأويلات الهدامة داخل الرأي العام ،لا يمكن تفسيره إلا من خلال ضعف منظومة الإتصالات ،”خاصة في الجزائر”أين الطريقة الشفوية هي المسيطرة من حيث كثرة إستعمالها .
من اللازم إذا ، الشروع في عملية تعاون واسعة مع الأحزاب السياسية والجمعيات وبصفة أعم ، كل المجتمع المدني والإدارة بما فيها الولات والمؤسسات العمومية والخاصة والجمعيات العمالية ونقابات العمل على تذليل الطريق من خلال الحوار والتشاور حول الاختلافات . إن المنتظر من جراء هذا العمل على بلوغ هدف إستراتيجي من خلال تقنيات (تكتيك )دقيقة تجمع بدورها بين المنفعة الخاصة والمصالح العامة بتوضيح أن من ينجح في المستقبل هم الأغلبية إذا مل قورنوا بالخاسرين على المدى القصير.
إن الإتصال الذكي والنشيط هو أساسي للوصول بالإصلاحات إلى مستوى قوي من خلال التدعيم الذي يقدم لها من قبل تجنيد الناشطين الخارجيين والداخليين المناصرين للتقويم من جهة ، ومن جهة أخرى ، من خلال التضامن الحكومي دون هوادة . إن الجزائر ومن خلال موقعها الجيوستراتيجي ، هي عنصر مهم للإستقرار الأورو-متوسطي والعربي -الإفريقي الذي يشكل فضاء طبيعي من خلال سياسة إصلاحات أكثر وضوح ومعلنة يتم ترجمتها على أرض الواقع من خلال أعمال يمكنها أن تحقق نمط إصلاحات لا يمكن فصله عن الديموقراطية العميقة في المجتمع الجزائري . بصفة عامة، في المستقبل ، سينخفض خطر الجزائر لدى مؤسسات الضمان العالمية من خلال تحسن الجانب الأمني الذي يساير التعجيل بالإصلاحات .
من هنا ، إن الدولة التي لا تستثمر ، لا يمكنها أن تبقى في عالم الأعمال التي ليست له روح الحس الإجتماعي إلا إذا سمحت الإصلاحات والنمو الإقتصادي وبتقليص مسألة البطالة والفقر . كل حاجز أو عائق لهذه الإصلاحات لا يعمل إلا على تقليص معدل النمو، ويزيد في حالة اللاأمن ويساهم في عدم الإستقرار الإجتماعي والسياسي .
لهذا ، يجب محاربة هذه الرؤية الذي يريد البعض إعطائها صفة الكارثة بهدف المحافظة على منافع شخصية ضيقة من جهة وديمومة الأزمة من جهة أخرى . لا يجب علينا أن ننسى بأن الوقت من ذهب ، وكل تأجيل ، ينجر عنه تكاليف إجتماعية باهضة سيتحملها المعوزين .
لا بد أن تكون هذه الإصلاحات مبنية على التشاور الاجتماعي والحوار ، بإعادة تأهيل رأس المال البشري لأنه يمثل الثروة الحقيقية ، وبالتالي اتخاذها كقاعدة لكل عمل يخدم التطور.
***
وفي ختام مساهمتي المتواضعة ، لا بد أن أذكر بأن الجزائر تملك قدرات طبيعية وبشرية قوية تمكنها من تخطي الأزمة الراهنة بكل ثقة إذا ما أحسنت استغلالها بالطريقة الأنجع . الحكم الراشد والتسيير العقلاني مطلوبان اليوم أكثر من أي وقت مضى .. أتمنى كل التوفيق وكل الازدهار لوطننا الغالي.
*الدكتور عبد الرحمان مبتول
خبير دولي
أُسْتَاذ جَامِعِي