اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر

ثروته فاقت ثروة ترامب: هل تحول الظاهرة حداد إلى مجرد فقاعة؟

وليد أشرف

شكل نشر الحكومة لحزمة من الإنذارات والاعذارات لمقاولات علي حداد، نتيجة التماطل في تنفيذ المشاريع التي حصل عليها منذ قرابة 10 سنوات، صدمة للمجتمع الجزائري برمته.

لقد كان عزل الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، كافيا لاكتشاف حقيقة رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، الثري ماليا، الفقير تجربة وحنكة وقدرة على الإدارة والمناجمنت، وظهر من خلال جملة تصرفاته الأخيرة أنه مجرد “مغامر طائش” لا مكان له وسط المخضرمين في مجال السياسة أو الأعمال، وتبين أنه يمكن طرحه أرضا بمجرد إتباع سياسة بسيطة للغاية وهي تجفيف منابع ثروته، التي هي الصفقات العمومية.

المثير للانتباه، أن علي حداد الذي هو في مطلع الخمسينات من عمره، بني ثروة تناهز 10 مليار دولار وربما أكثر، فيما لم يحقق الرئيس الأمريكي ورجل الأعمال السابق، دونالد ترامب، ثلث هذه الثروة إلا بعد أن بلغ الـ70 من عمره بحسب مجلة فوربس.

من غير الطبيعي في دولة تحترم المعايير والقيم وتوفر لمواطنيها العدل والفرص المتساوية أمام القانون والضرائب، أن يتمكن شخص من بناء ثروة تعادل 10 مليار دولار في لم البصر، من دون أن يقدم للإنسانية شيئا يغير مسار حياتها.

إن ترامب الذي كان “علامة تجارية” قائمة بذاتها في عالم الأعمال والمال والعقارات في الولايات المتحدة، لم تبلغ ثروته بعد بالكاد 4 مليار دولار، في حين يتحدث شخص جاء من العدم، ومن اللاشيء، عن ثروة تناهز 10 مليار دولار في أقل من 20 سنة من العمل.

سيكون من الطبيعي جدا في عصر الثورة الصناعية الرابعة القائم على بناء المؤسسات الرقمية عالية الذكاء، أن يتحول شخص إلى ملياردير في ظرف قياسي، على غرار رئيس ومؤسس شركة فيسبوك أو جوجل أو ميكروسوفت، أما أن يتم تجميع 10 مليار دولار أو نصفها حتى، في ظرف أقل من 10 سنوات من خلال شركات الرمل والحصى والزفت، فهذا أمر غير طبيعي يجب الوقوف عنده بجد.

 

بناء مهبط طائرات خاص في مطار هواري بومدين وشراء بنك خاص

منذ حوالي العامين أنظم علي حداد إلى مجموعة الساعين للحصول على دور كبير في المشهد السياسي الجزائري، من خلال تحالفه مع قيادات سياسية وشروعه في الضغط من أجل التأثير في القرار السياسي والاقتصادي لجهة تحرير قطاعات سيادية ومنها البنوك والطيران، بل وشرع في التحضير لبناء مهبط طائرات خاص به في مطار هواري بومدين، بل وامتدت يداه إلى شراء بنك خاص في إسبانيا وفنادق وطائرة خاصة.

أن يكون لك مهبط طائرات خاص وقاعة شرفية خاصة، فهذا ليس بالشيء الهين، فهو يعني أنك خارج أي سلطة رقابية، ويصبح بإمكانك أن تدخل وتخرج من البلد كمن يدخل إلى بيته، بل ويمكنك أن تحمل أي شيء معك في طائرتك، من العملة الصعبة إلى السلاح وحتى الممنوعات.

بالعودة قليلا إلى الوراء، إلى مطلع العقد الأول من الـ2000، ربما لم يكن بالكاد عدد الجزائريين الذين يسمعون عن شركات علي حداد، يتجاوز أصابع اليدين، بل ولا عن شخصه. فهو تحول في ظرف سنوات من شخصية مغمورة إلى شخص أغنى من “العلامة التجارية” ترامب، الذي أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.

السؤال الذي يطرح، من أين جاء علي حداد، ولماذا أصبح يطمح إلى لعب أدوار أكبر منه بكثير، في الوقت الذي لا تعتبر ملايير الدولارات التي تراكمت لديه على حين غفلة وتحت ظروف معينة، ثروة حقيقية بمعايير الثروة، من منطلق تواضع مساره في مجال الأعمال، بل وبالمقارنة مع سنه وبصيغة التندر التي يثيرها حوله كلما اصدر موقفا معينا وخاصة أمام الشخصيات الأجنبية الرفيعة.

 

صفقات فاسدة بالتراضي بملايير الدولارات

لقد جمع علي حداد، ثروة هائلة من خلال صفقات فاسدة وعقود بالتراضي من وزارات الموارد المائية والأشغال العمومية والنقل والفلاحة والدفاع وغيرها، بمليارات الدولارات. وكان كافيا تغيير الوزير الأول وشلة من وزراء حكمته، ليعرف الجميع أن ظاهرة حداد، مجرد نمر من كارتون.

وبما أن بروز حداد المشبوه، طغى على سائر وجوه السياسة وحتى الاقتصاد خلال العشرية الأخيرة، بات من الطبيعي، إلقاء نظرة صغيرة إلى داخل العلبة. ليتبين أن علي حداد لا يختلف عن ظاهرة مادوف، مع فارق القياس.

السؤال الثاني، هل كان حداد يتحرك من تلقاء نفسه؟ الجواب هو أنه لم يتحرك لوحده ولا من تلقاء نفسه، بل كان يعلم جيدا أنه مجرد صندوق عبور (ترانزيت) وقناة لنهب وتبيض مليارات الدولارات من قطاعات استفادت من موازنة فلكية لأزيد من 10 سنوات عبر الإنفاق العام، على غرار المواد المائية والنقل والأشغال العامة.

لقد تجاوز إجمالي صفقات الطلب العمومي التي حصلها علي حداد، الـ10 مليار دولار، فيما تشير الأرقام الرسمية التي أعلنتها الحكومة أن مجموع التسبيقات التي حصل عليها فعليا تجاوز بكثير 1.5 مليار دولار، بدون أن تتمكن تلك المليارات التي خصصت عبر قوانين المالية السنوية لإعمار البلاد، من استنهاض الاقتصاد الجزائري وتحقيق وثبة في النمو الذي لم يتجاوز بالكاد 3.5-4 % على مدار الأعوام الـ10 الماضية، في حين تشير أرقام صندوق النقد والبنك العالمي وصندوق الأمم المتحدة التنمية وغيرها من المؤسسات ذات المصداقية العالمية أن الجزائر، سجلت معدلات استثمار عالية مقارنة بعدد السكان، من خلال مخططات خمسية مولت عبر الميزانية، وكل ذلك لم يكن له الأثر الحقيقي في تعزيز النمو ولا في تحقيق وثبة تنموية تتلاءم وإجمالي ما تم إنفاقه، ليتبين أن ما كان يحصل فعلا على الأرض، هو الاستحواذ على الأموال مباشرة من الخزينة العمومية وتهريبها إلى الخارج تحضيرا لاختطاف الدولة من خلال ممارسات تجمع بين الوقاحة والجرم المشهود وبانتهاج أساليب عنيفة من الفساد المالي والسياسي، أصبحت جارحة لمشاعر المواطن الجزائري الذي أكتشف أن ما كان يقدم على أنه أحد نماذج النجاح الذي سيفتح القارة الإفريقية على مصراعيها أمام المنتجات الجزائرية هو مجرد فقاعة لا غير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى