أراء وتحاليل

زمن التصحّر السياسي

الدكتور محمد أرزقي فراد*

لقد هالني – إلى درجة الغثيان-  خطاب الفجاجة الصادر عن مسؤول الآفلان. أقول والحسرة في القلب والغصّة في الحلق: إنه السقوط الحرّ في مستنقع الرداءة السياسية، الذي أوصلنا إليه الحكم الاستبدادي المُقصي لأهل الكفاءة والشرف. وأمام هذا الخطب الجلل لم يعد هناك عذر لقلم لم يستنكر هذا ” العنف اللفظي”. ولعلّ ما يحزّ في النفس، سكوت مثقفي الأفلان عن هذا السقوط الخطر، وأمثالهم  لا يحق لهم السكوت، لأن المثقف إذا صار بوقا، يستوي عندها الفكر والحذاء بتعبير الشاعر نزار قباني.

لم تعد ظاهرة “التصحّر” مقتصرة على الفضاء الجغرافيّ فقط، بل شملت عندنا أيضا المجال السياسي المغلق أصلا.  رحم الله – ألف مرّة- السياسيّ المحنّك المجاهد ابن “جبهة التحرير الوطني” عبد الحميد مهري القائل:<< نحن في زمن الرداءة، وللرداءة أهلها.>> إنها عبارة تستحق أن تكتب بماء الذهب، لأنها تختزل بامتياز “الردّة السياسية” والالتفاف على مكسب الربيع الجزائري الذي صنعه جيل 5 أكتوبر 1988م، المتمثل في دستور23 فيفري 1989م، الذي أخرج الجزائر من جحيم الأحادية، إلى فضاء أرحب يمهّد الطريق لتباشير الديمقراطية. رحم الله الشاعر اليمني عبد الله البردوني القائل:<< يحسن الشتم من يسيء الفعالا.>>.

رغم معارضتي الشديدة للنظام المستبد الجاثم على صدر الجزائر “المخدوعة”، فإنني استنكر الفجاجة التي استهدفت مسوؤلين سابقين في الدولة، وأندّد بالعقول الفطيرة العاجزة عن التمييز بين النقاش السياسيّ البناء، وبين قذف الآخر وشتمه. فما تحتاجه الجزائر “المخدوعة” هو قدحُ الرأي بالرأي ليتجلى وجه الصواب. إن القصف الذي تعرّض له السيدان: المدعو”توفيق”، والسيد عبد العزيز بلخادم، هو مساس بشرف الدولة بالدرجة الأولى، لأن الرجلين يستحقان الحد الأدنى من الاحترام، باعتبارهما شخصيتين عموميتين تبوأتا مناصب سامية في الدولة الجزائرية. ويجب أن ندرك أن احترام الخصم السياسي هو سلوك مدنيّ، يكرّس مبدأ الحوار لا المجابهة.

إن السيد مسؤول الأفلان قد تجاهل قاعدة  “واجب التحفظ” الملزمة لمن يمثّل الدولة. وهل نسي أن السياسة هي “فن الممكن”، وعليه كان من واجبه أن لا يقطع “شعرة معاوية” حتى مع ألدّ خصومه، فالزمن دوّار. إن الذي “سكت دهرا ثم نطق كفرا” لإنسان فاشل في دخوله السياسي، لكن مهلا… هل كان بإمكانه أن يفعل غير الذي فعل؟ إنه أخرج الخطاب “الأحادي” الوحيد الذي كان في جيب معطفه. ولا شك أنه صدم الرأي العام، لذا فمن المروءة أن يعتذر الفاعل للرأي العام بلسان الشاعر صلاح عبد الصبور القائل: [- معذرة يا صحبتي/- لم تثمر الأشجار هذا العام / – فجئتكم بأردأ الطعام].

 

*كاتب وباحث في التاريخ  

7 أكتوبر 2016م                            

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى