الجزائر

سلال: “الشعب الجزائري يعلم جيدا ثمن الأمن والاستقرار ولن يتسامح مع تجار الدين”

وليد أشرف

أكد الوزير الأول عبد المالك سلال، في حوار لمجلة “الأهرام العربي” المصرية، أن الاسترجاع السريع للأمن والاستقرار هو أولوية الأولويات ومن دونه لا يمكن تصور عمل عربي ناجح أو تأثير على الأحداث خصوصا فيما يتعلق بملفاتنا الأساسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية المركزية.

وكشف سلال، في الحوار المطول مع المجلة التي أفردت عددا خاصا للجزائر بعنوان ” الجزائر أرض الصوفية والثورية” في 164 صفحة، أن الجزائر لن تدخر جهدا في تدعيم كل المساعي الرامية إلى رص الصف العربي وتفعيل تضامن الأمة العربية.

وكشف الوزير الأول عبد المالك سلال، أن الأيام والأحداث “أثبتت رجاحة القراءة الجزائرية لما عرف بالربيع العربي التي وإن أقرت على الدوام بصدق وبراءة آلاف الشباب الذين خرجو في عدد من الحواضر العربية وشرعية مطالبهم، إلا أنها أعلنت من الوهلة الأولى تحفظها على مظاهر انهيار الدول والمساس بسيادة الأوطان ووحدتها الترابية والتدخل الأجنبي وتفشي العنف اللفظي والجسدي”.

وأضاف سلال، “إن الجزائر لم تقتنع يوما بنموذج ديمقراطي نمطي موحد لكل الدول، لأننا نؤمن أن كل أمة تصنع مصيرها الخاص بالنهل من تاريخها وحضارتها والإرادة الحرة لأبنائها”.

وأوضح سلال “عندما نقول في الجزائر إن الإسلام والعروبة والأمازيغية هي مكونات الشخصية الوطنية هذا لا يعني أن مجتمعنا مكون من تعايش ثلاث مجموعات عرقية أو طائفية”، مضيفا أنه في شخصية كل جزائري “تقوى المسلم وحكمة ابن الصحراء وفروسية العربي وعزة الأمازيغي”، وهذا في رد على الفتن المذهبية والطائفية التي يستعملها الغرب كشرارة لإحراق الشعوب العربية، مشيرا إلى “وجود في الخارج من يستفيد أو يؤجج الفتن والاختلافات الطائفية والمذهبية في البلدان الإسلامية والعربية، لكن القدر الأكبر من المسؤولية يبقى ملقى علينا بأن نجعل من تنوعاتنا المختلفة ثراء ومصدر قوة وزخما ثقافيا وفكريا واجتماعيا”.

وقال سلال، إن الجزائريين اختاروا أن يحرروا قضايا الدين والهوية واللغة من مستنقع المزايدات السياسية وأن يرتقوا بها، بعد تثبيتها في النص الدستوري، إلى الفضاء الأكاديمي والعلمي، حيث يتمكن أهل الاختصاص من تناولها بموضوعية تخدم وحدة الشعب ومصالح الوطن”.

الاهرام العربي

الدستور الجزائر لا يسمح بتدخل الجيش خارج الحدود

وفي رده عن سؤال حول إمكانية مشاركة الجزائر في محاربة الإرهاب عسكريا خارج حدودها، قال سلال”قبل الحديث عن خيار المشاركة في عمليات عسكرية ضد الإرهاب، الأجدر بنا أن نفكر في جدوى هذا الخيار ومدى نجاحه وقد أكون مخطأ لكنني لا أذكر تدخلا عسكريا خارجيا حقق نجاحا أو أنهي وجود مجموعات مسلحة بل قد يؤدي ذلك في غالب الأحيان إلى خلق مشاكل أكثر تعقيدا من تلك التي أريد حلها”.

وشدد سلال على المانع الدستوري الذي لا يسمح للجيش الوطني الشعبي بأن يقوم بمهام قتالية في الخارج، مضيفا أن “اليأس غير مسموح للمسؤول السياسي، فمهما كانت الأوضاع في عدد من دول منطقتنا بالغة التعقيد، إلا أن حلها بالحوار والطرق السلمية ليس مستحيلا يجب ألا نقبل أن يرهن التطرف مستقبل شعوبنا”.

 

الجزائر واجهت الإرهاب بمفردها لعشرية كاملة 

وعلى صعيد آخر وبشأن”خصوصية” التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب ، أكد سلال بأن الجزائر “واجهت لعشرية كاملة ولوحدها إرهاب مقيتا حصد آلافا من أبنائها”، مبرزا أن  المصالحة الوطنية التي بادر بها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة ، أكدت” خيار الشعب من أجل السلم وثقافة العفو والتسامح ونبذه للعنف بكل أشكاله ووضعه للثوابت الوطنية في مرتبة أسمى من المعترك السياسي”.

وتابع بأن الجزائريين الذين “يعلمون جيدا ثمن الأمن والاستقرار.. لايتسامحون مع المتاجرين بقيم الدين أو الوطنية، كما أن تعلقهم وعرفانهم كبير للجيش الوطني الشعبي وباقي الأسلاك الأمنية على سهرهم لحماية شعبنا وبلادنا”.

وأستطرد سلال، أن الجزائر “ترافع من أجل تنسيق دولي ومقاربة شاملة لمحاربة الظاهرة الإرهابية خصوصا أن هذه الأخيرة امتزجت في الأزمة الأخيرة بشبكات الجريمة العالمية العبرة للحدود مما زاد في قدراتها”.

وذكر سلال، بأن الجزائر “طالبت وما زالت تطالب بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب لاسيما عبر تجريم دفع فدية المختطفين ومحاربة الاتجار غير الشرعي بالأسلحة والمخدرات والبشر، ومواجهة دعاة التطرف في المجتمع والمدارس ودور العبادة”.

 

الأزمة النفطية : مواصلة  العصرنة دون المساس  بالمكاسب الاجتماعية

وفي ره على سؤال بشأن تداعيات الأزمة النفطية على الاقتصاد الجزائري، أكد الوزير الأول أن هذه الأزمة”عنيفة وذات جذور جيو- استراتيجية أكثر منها اقتصادية”، مشيرا إلى انه من “الصعب التكهن بتطورها على المديين القريب والمتوسط”.

وذكر بأنه يتعين على الجزائر لمواجهة هذه الأزمة “مواصلة عصرنة البلاد دون المساس بالمكاسب الاجتماعية أو اللجوء المفرط لاحتياطاتنا”، مشيرا إلى أنه “بفضل التسديد المسبق للديون والتسيير المالي الراشد، نواجه الأزمة أحسن من كثير من الدول المنتجة”.

وفي ذات الإطار، شدد على ضرورة “البحث عن الثروة في القطاع المنتج وفي المؤسسة الجزائرية عمومية كانت أم خاصة”.

وبشأن مجهودات الدولة في جذب الاستثمارات الخارجية، أكد سلال أن البلاد “تعمل على بناء اقتصاد ناشئ يرتكز على القطاع المنتج الخالق للثروة”.

واستطرد بأنه تجسيدا لهذا الهدف،”تم التركيز في السنوات الأخيرة على إعادة بناء القاعدة الصناعية الوطنية من خلال شراكات في عدد من القطاعات مع متعاملين ذوي خبرة عالمية معترف بها”.

 

التدخلات العسكرية الخارجية تخلق مشاكل أكثر تعقيدا 

وبخصوص الوضع في ليبيا وموقف الجزائر من تطورات الأوضاع على المستويين السياسي والأمني، قال سلال ” قبل الأمن والسياسة، الكارثة في ليبيا الشقيقة إنسانية”، مبرزا أن الليبيين”يعيشون مأساة حقيقية ولا يرون أفقا للخروج من نفق الخلافات ولا أملا في توقف المناورات الأجنبية مع تخييم هاجسي الخطر الإرهابي والتدخل العسكري”، مجددا تمسك الجزائر بمبدأ سيادة ليبيا ووحدة ترابها، داعيا جميع الأطراف إلى نبذ العنف واعتماد الحوار لتجاوز الخلافات وتحقيق التوافق الوطني في إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ودون اللجوء إلى التدخل العسكري الأجنبي.

وأشار سلال بخصوص الأزمة السورية إلى أن السبيل الأمثل لحل هذه الأزمة هو الحوار السوري – السوري، والرعاية الأممية قد تشكل ضمانا لنجاحه. كما نبه سلال إلى الخطر الإرهابي الذي يتطور في تلك المنطقة وسيشكل تهديدا متناميا للسلم العالمي، مشيرا إلى أن الإرهاب، بعد أن خرب أجزاء كبيرة من العراق وسوريا تمكن ويا للعجب حتى من الاتجار في النفط.

 

التعاون مع تونس في كل المجالات

وأكد سلال بشأن التعاون الجزائري-التونسي في مجال مكافحة الإرهاب، مضيفا أن الثقة والقناعة بالمصلحة المشتركة واحترام سيادة كل بلد، هي أسس هذا التعاون الذي يشمل كل الميادين والمجالات”، مضيفا ” أن تونس مرت  بمرحلة دقيقة وحاسمة واخترنا أن تكون الجزائر إلى جانب شقيقتها في تلك اللحظة الفارقة”. لافتا إلى أن التعاون بين البلدين”يتعدى المجال الأمني إلى تنسيق سياسي دائم رفيع المستوى حول القضايا ذات الاهتمام المشترك إقليميا ودوليا”.

 

دعم الجزائر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير

جدد الوزير الأول، عبد المالك سلال، دعم الجزائر لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والتزامها بالمسار الأممي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية الموجود بين يدي الأمم المتحدة، يضيف سلال الذي أضاف أن الجزائر “من منطلق تاريخها الثوري، لم تخف يوما تعاطفها وتضامنها مع الشعب الصحراوي في نضاله من أجل حقه في تقرير مصيره ولا اعترافها بالجمهورية الصحراوية على غرار أكثر من سبعين دولة في العالم والعديد من المنظمات الدولية وعلى رأسها الإتحاد الإفريقي”.

 

المغرب بلد جار وشقيق

أكد عبد المالك سلال، أن المغرب “بلد جار وشقيق بيننا نقاط خلاف عالقة تتبايين بشأنها وجهات النظر”، مضيفا أن الجزائر”تفضل مقاربة شاملة تطرح فيها القضايا بصراحة في حوار مباشر خصوصا أن الأمر يتعلق بمواضيع محددة يبقى استعداد بلادنا كاملا لتسويها بطريقة جدية، كي يتمكن البلدان من التفرغ إلى المهمة الأسمى ألا وهي بناء اتحاد المغرب العربي كما تتطلع له شعوبنا”.

وأضاف سلال، بخصوص غلق الحدود البرية بين البلدين، أن الأمر “يتعلق بإجراء جاء ردا على القرار الأحادي لسلطات المملكة المغربية بفرض تأشيرات دخول على الرعايا الجزائريين”.

 

التعاون الجزائري-المصري يبقى دون طموح البلدين بالرغم مما تحقق 

وبخصوص التعاون الثنائي بين الجزائر ومصر، أكد الوزير الأول بأن “المحرك الأساسي لعلاقات البلدين يكمن في الإرادة السياسية الكبيرة للرئيسين بوتفليقة وعبد الفتاح السيسي في الدفع بها وتوسيعها إلى آفاق أرحب”.

وأوضح سلال أنه بـ”الرغم من الحجم المعتبر للشراكة الاقتصادية بين البلدين، تبقى التبادلات التجارية دون طموحنا، خصوصا إذا نظرنا إلى فرص التكامل الكثيرة التي تتيحها الإمكانيات الهائلة المتوفرة في الدولتين في مختلف الميادين”.

 

فرنسا شريك اقتصادي مهم

وبخصوص العلاقات الجزائرية الفرنسية، أبرز الوزير الأول أن فرنسا شريك اقتصادي “مهم”  للجزائر، مضيفا أن مجالات التعاون بين البلدين “كثيرة ومتعددة” ويعملان الآن على قاعدة ملفات محددة وواضحة في إطار المصلحة المشتركة للطرفين.

كما تطرق سلال إلى الجالية الوطنية المقيمة بالمهجر، حيث أكد وقوف الدولة إلى جانبها “في هذه الظروف المضطربة وتعتبر أنه من غير المقبول ما يلاقيه أفرادها من مظاهر التمييز العنصري وإلصاق الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى