أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةبين الفكر والسياسةسلايدر

شغب على رأس الدولة

بقلم : نورالدين بوكروح
ترجمة : نورة بوزيدة

يعلمنا المختصون في استراتيجيات الاتصال العصري أن من يملك المعلومة، يملك سلطة التأثير على الرأي العام وتوجيه أفكار الناس ومعتقداتهم. وهي المهمة التي أوكلت منذ الاستقلال للوكالة الوطنية للأنباء APS و للتلفزيون العموميENTV .

خلال السنتين الماضيتين، لاحظنا أن هذه المهمة الدقيقة قد تم تحويلها تدريجيا إلى قناة “النهار” التي يعرف الجميع أنها قناة أجنبية معتمدة بالجزائر حسب القانون العبثي الذي أرادته الدولة فيما يخص قنوات التلفزيون الخاصة، وبالتالي لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تأخذ مكان الإعلام الرسمي في البلاد لإعلام الرأي العام، وبأكثر حدة لا يمكنها أن تكون قناة رسمية للرئاسة.

لكن هذه هي المنزلة التي وصلت إليها قناة النهار، وإن لم يكن ذلك من باب القانون، فإنه من باب الواقع الذي نعيشه ونراه. وهكذا، أصبحت النهار هي من توجهآراء الناس وأفكارهم ومعتقداتهم إلا أنها لا تعمل على تنظيمها بل على تشتيتها في كل الاتجاهات حتى تاه الجزائريون وهاموا ولم يعودوا يعرفوا ماذا يفكرون وما يؤمنون وما يصدقون.

لقد أصبحت قناة النهار أم المنابع لأن كل ما تتحدث عنه منذ سنتين و كل ما “تتنبأ”به غالبا ما يحدث ويتأكد. قبل قناة النهار، كان عمار سعداني هو وكالة الأنباء الرسمية الذي يعلن عما سيحدث رسميا في البلاد، إن عاجلا أم آجلا، لكن نزع منه الاعتماد بغتة وأغلقت قناته فجأة وكأنه لم يكن يوما ما فوق سطح الأرض، وغبر عن الأنظار والذاكرة.

إذن، لماذا أخذت هذه القناة مكان وكالة الأنباء الرسمية والقناة العمومية؟ إنه أحد غرائب العهدة الرابعة. لماذا أوكلت رئاسة الجمهورية مهمة الإعلام الرسمي و”الأخبار المسربة” و الحديث عن “دنيا الطرائف” لهذه القناة؟ إن الأمر لا يعنينا ربما.

إذن بما أعلمنا هذا المنبع المرخص له في الآونة الأخيرة ؟ إنها تعلمنا أنه حدث شغب كبير على رأس دولتنا دون أن يمكن اللجوء إلى الشرطة المضادة للعنف والشغب لاستتباب النظام والهدوء لأن، حسب المعلومات التي أبلغتنا بها النهار والتي لا يمكننا التحقق منها، هي أن قائد أعمال الشغب هذه هو رئيس الدولة نفسه !

بالفعل، وإذا تأكدت المعلومات التي “سربتها” القناة، سيعيش الجزائريون حدثا لم يعيشونه أبدا منذ استقلالهم وهو أن رئيس الجمهورية يشتكي أمام الملأ من وزيره الأول ويحرض أعضاء الحكومة على مناهضة أوامر وزيرهم الأول والعمل على مخالفة التوجيهات التي تم إعطاؤهم إياها حسب مخطط اعتمده مجلس الوزراء والبرلمان.

إذن، وحسب قناة النهار، هذا ما قام به رئيس الجمهورية، بأن بعث رسالة للحكومة في غياب الوزير الأول (لا ندري هل هو في عطلة أم في “حرقة” في فرنسا؟) يطلب منهم أن يطبقوا “أوامر عاجلة لوضع حد للفوضى التي تسببت فيها آخر التعليمات المتعلقة بالاستيراد”.
لكن، في الواقع، كيف يمكن وضع حد لهذه الفوضى التي يكون قد تسبب فيها الوزير الأول بدون أن يكون هناك منسق بين مختلف الوزارات؟ هل تم تعيين وزير أول مؤقت، أم أن كل وزير يرتجل كل في دائرته؟

كان من الأصوب أن يستدعي رئيس الجمهورية الوزير الأول أو التحدث معه هاتفيا في انتظار أن ينهي مهامه إذا استوجب الأمر دون أن يتم تهويل الكون ومن فيه، بدل أن يتحدث عنه وكأنه مجرما سيتم القبض عليه قريبا. ودائما حسب النهار، فإن رئيس الجمهورية يكون قد أشعره “باحترام نصوص القانون” و “وقف التشهير ضد رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب”؟

وإذ نحن نعيش أحد أعجب الأحداث التي تخللت العهدة الرابعة، نشعر وكأننا قد اخترقنا “جدار الصوت”. من قبل، لم نكن نسمع “البانغ” المصمم للآذان عندما يخلف وزير أول جديد وزيرا أولا سابقا. كان كل شيء يتم في هدوء لا “حس ولا خبر” عما حدث قبل التغيير أو ما سيحدث بعد التغيير. السرعة كانت تخت الصوت أو فوق الصوت، فلا نسمع خريرا ولا أنينا… لكن هذه المرة، كان الحدث مثل “البيغ بانغ”، والتشتت والتسيب العام وربما عن قريب “الهربة تسلك”.

إن كل هذه الأفعال والأقوال، سواء جاءت من عند الرئيس أو أخيه أو من أويحي(حسب منبع آخر)، ليست أفعالا عاقلة ولا منسجمة ولا منطقية. وكما ترك الملاحظون أنفاسهم في قضية مسعود بن عقون، وغلطة “الكاستينغ” التي برزت سريعا، فإنهم أمام ما يحدث مع تبون ينبئهم، يدركون، مع دهشتهم، أن مشكلة خطيرة قد ظهرت للعيان وهي متعلقة مباشرة بممارسة سلطات رئيس الجمهورية.

إن تبون من بين أقدم أصدقاء رئيس الجمهورية، ليس لديه روح المغامرة وليس مشاكسا ويدري ما الغلطات التي يتفاداها حيث هو متواجد في دواليب السلطة منذ زمن طويل و لا يلعب بالوقت المتبقي لديه فيها. كما نذكر أنه تم تعيينه لوسام الاستحقاق الوطني.
وخلاصة القول أنع إذا كانت هذه الأحداث التي نسبت لرئيس الجمهورية قد أتت من عنده حقا، فهدا يعني أننا لم نعد أمام رجل منتقص جسديا فقط، بل نحن أمام رجل عاجز ذهنيا مما يستلزم تنحيته حتما لما في أفعاله وأقواله من خلط وفقدان البصيرة، وهو الأمر الذي قد يجعل البلاد أمام خطر داهم”.

وإذا كانت الأفعال والأقوال ليست منه، فإنها من أخيه، كما يقول لافونتين ((Jean de FontaineLa ، وهذا ما سيعقد الأمور أكثر لأن معناه أن الرئيس الحقيقي غائبا تماما وأن منصب الرئاسة شاغر وبأنه حدث استحواذ واغتصاب للسلطة.

إن المعلومات التي ترد إلي في الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال تتحدث عن”إمكانية” أخر, عن “سيناريو” و “كاستينغ” آخر وهو أن أويحي هو من سارع إلى إنقاذ أصدقاءه “أرباب العمل”، وهو ما من شأنه أن يؤكد أكثر غياب الرئيس وفي نفس الوقت يفتح المجال أمام تساؤلا آخر حول تشابك غير متوقع بين مصالح أويحي ومصالح شقيق الرئيس، بينما المنطق يقول أنهما يتنافران ويلغي أحدهما الآخر، بدل تكاملهما.

ولكن، إذا كان رئيس الجمهورية يتمتع بكل قواه العقلية والذهنية، لماذا ترك أخاه يتخذ لنفسه ثوب الرئيس ومظاهره في “العالية” و لماذا ترك رئيس ديوانه يتهجم على تبون باسمه؟ و مهما كانت الزاوية التي نقلب فيها الموضوع، فإننا نسقط في هاوية العبث، العبث الذي تولد من رحم العهدة الرابعة، فما هي درجة العبث التي تنتظرنا في حالة عهدة خامسة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى