اتصالاقتصاد وأعمالتكنولوجياجازيملحق TIC

صناعة الاتصالات بمفهوم جديد بفضل الانترنت

بقلم فريد فارح

إن ظهور الانترنت قد جعل الفصل بين شبكات الاتصالات والتزويد بالخدمة أمرا حتميا.

فبعد صناعة النشر والترفيه، جاء الدور هذه المرة على الاتصالات ليشملها تهديد الانترنت، وعبر العالم فقد متعاملو الاتصالات التحكم في مجمل الخدمات التي تقدم عبر شبكاتهم، والمعاهدات الخاصة بالصناعة لفترة ما بعد الحرب تم قلبها.

فمنذ بداية سنوات التسعينات تعرضت صناعة الاتصالات لعملية “تحرير” بالكامل، ومتعالمون كانوا يخضعون لاحتكار الدولة منذ سنوات طويلة، تحولوا إلى متعاملين خواص بالكامل.

منذ ذاك الحين الملامح الرئيسية لهذه الصناعة لم تتغير كثيرا (منذ عقود)، وفعلا خدمات الاتصالات كانت توفر من طرف المتعاملين أنفسهم، أكثر مما يتم ذلك من طرف مؤسسات خارجية.

ولذلك تم الجمع بين الشبكات والخدمات، وكان من الضروري إذن التحكم في تكنولوجيا الشبكة للانتقال غلى توفير الخدمات للمستخدمين، وكان الولوج لمختلف الخدمات يعتمد على أيضا على تكلفة إقامة شبكات الدخول وليس على سوق تنافسية، وكلما كانت هذه التكاليف مرتفعة كلما كان حاجز الولوج للخدمات مرتفعا أيضا.

وكان الابتكار والاختراع إذن في ما يخص الخدمات يعتمد على تلك المتعلقة بتكنولوجيا الشبكات، وكان لزاما انتظار وصول تكنولوجيا الرقمية، لرؤية بروز خدمات جديدة في عالم الاتصالات.

وجعل قدوم الانترنت من الفصل بين شبكات الاتصالات والزويد بالخدمة أمرا حتميا، وجعلت خصائص الانترنت من الذين يعملون على تتطوير الخدمات قادرين على العمل بشكل منفصل عن الشبكات الخاصة بالدخول والتي تعمل عليها هذه الخدمات، وأفضل مثال لهذه الخصوصية الرقمية هو خدمة Over The Top المعروفة اختصار بـ (OTT) على غرار سكايب وفايبر مثلا.

وتعبر خاصية ( OTT) عن الخدمة التي يمكن تشغيلها على شبكة ما ولكنها تبقى خارجة عن مطاق العمل الخاص بالمتعاملين في الاتصالات، وأثبت هذا المثال جدارته في العيد من الدول، وسمح بتجاوز كل العقبات أمام تطوير خدمات جديدة.

ومن الآن فصاعدا أرضيات الانترنت ستكون في قلب نموذج جديد للأعمال مغاير تماما لذلك الخاص بالاتصالات، وعلى سبيل المثال وعكس متعاملي الاتصالات الذين يحصلون على مداخيلهم من تكاليف الدخول للشبكة العالمية التي يتم دفعها شهريا من طرف المستخدمين النهائيين، فبعض المزودين بخدمات الانترنت، وبداعي غياب الإشهار وتكاليف الخدمة، ليس لدلهم نموذج أعمال آخر غير بيع مؤسساتهم لمتعاملين آخرين.

أما السيناريو الأسوأ بالنسبة لمجمل الفاعلين في التموين بدعائم الاتصالات للانترنت، سيكون التطور الاقتصادي لخدمات (OTT)، التي صارت منافسة حقيقية ومباشرة للخدمات المفوترة ن طرف المتعاملين، والتي كانت عائداتها تشكل دعما ضروريا لصناعة الاتصالات منذ عقود.

 

مؤسسات مهيمنة على عديد القطاعات

إن تطبيقات مقل واتس آب وسكايب أو فايبر صارت تهدد عائدات الصوت والبيانات للمتعاملين التاريخيين ومتعاملي النقال، وبعبارة أخرى فمنذ أن خرجت الانترنت من حيز الاستخدام العسكري الحصري، صارت تدر ليس فقط عائدات إضافية للمتعاملين، لكن صارت تهدر بالقضاء على عائدات أولئك الذين كانوا هم مالكين لها منذ عقود.

وصارت المنافسة عبر الانترنت مختلفة تماما عن تلك الخاصة بالعالم الاقتصادي الحقيقي، وسوق الشبكة العالمية ميزه تواجد مؤسسات تهيمين على عدة قطاعات (فئات)، على غرار غوغل في البحث على الخط، و أمازون في التجارة الالكترونية، وفايسبوك في الشبكات الاجتماعية.

ولم يكن احد يتصور في وقت من الأوقات مؤسسة اتصالات كبرى ومعروفة عالميا أن تهيمن على فئة أو قطاع ما من الاقتصاد الرقمي الذي أجراه الانترنت، وهذه المعاينة تقودنا للاعتراف أن مؤسسة انترنت يبدو أنها مستفيدة من مسار أكثر انتقالية وأكثر نشاطا في النقال، حيث تقوم بوضع فضاءات رقمية للكراء عن طريق خوادم ذات قدرة هائلة وتظهر أن قيمها الحقيقية تكمن في رأسمالها البشري، وهو ما يختلف عن مساهمة مؤسسات الاتصالات في الشبكة العالمية، القائم أساسا على إقامة آلاف الكيلومترات من الكوابل في شبكات أرضية.

أن العلاقة الاقتصادية بين خدمات الانترنت ومتعاملي الاتصالات، هي مزيج معقد من التكاملات والتبادلات، ونمو خدمات وتطبيقات الانترنت أدى غلى اعتماد الربط الانترنت غي النطاق العريض، ما ترتب عنه عائدات للمتعاملين في وقت عرفت فيه عائدات أولئك المتعالمين للهاتف الصوتي تراجعا لافتا.

بالمقابل ورغم الأزمة، فإن نمو الاتصال بالانترنت عبر النطاق العريض ما زال متواصلا في الصين وأوربا وروسيا والولايات المتحدة، ما سمح أيضا باستمرار  النمو في الخدمات الخاصة بالانترنت وزيادة عدد شركات الانترنت أيضا، وبعض من هذه الخدمات تتكامل مع خدمات الاتصالات التقليدية، وعكس ذلك البعض هم بمثابة منافسين مباشرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى