أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

عندما تلعب الجزائر مع الكبار تفقد فرنسا البُوصلة

زكرياء حبيبي
 
 المتتبع للشأن الجزائري، يلاحظ هذه الأيام تسعير بعض الجهات الحاقدة حملاتها الهستيرية على الجزائر، مستعملة في ذلك أدوات بدائية وسخيفة أثبتت التجارب السابقة عدم فعاليتها، وعدم قدرتها على نشر الفتن والقلاقل في هذا البلد الذي أبهر العدو قبل الصديق، في صموده أمام كل المؤامرات والدسائس، وبخاصة في العشرية الحمراء التي أريد لها أن تشكل المذبح الرئيسي لنحر الجزائريين وآمالهم في بناء دولة قوية آمنة ومستقرة.
اليوم ومباشرة بعد تأجيل زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الجزائر، والتي أعلن بيان لرئاسة الجمهورية الجزائرية الدواعي الحقيقية له، والمتمثلة في إصابة الرئيس بوتفليقة بالتهاب في الشعب التنفسية، أي بمعنى آخر أن الرئاسة كانت واضحة تمام الوضوح، ولم تحاول اختلاق تبريرات وهمية كما كان ينتظر المُتربصون بالجزائر، قلت مباشرة بعد إعلان تأجيل هذه الزيارة، انطلقت الدوائر الحاقدة في الداخل والخارج، في محاولة جديدة لاختلاق أوهام شيطانية، والركوب على موجة مرض الرئيس، لإظهار الجزائر وكأنها على شفى حفرة من النار، وأنها على موعد حقيقي مع اضطرابات لن تُبقي ولن تذر، وراحت هذه الجهات تعتمد كعادتها على تحريك بعض البيادق التي تلبس رداء “الخبير السياسي .. والإستراتيجي .. والمُختص في الشؤون المغاربية…” لإعطاء مصداقية للأكاذيب التي تسعى إلى ترويجها وسط الجزائريين على وجه التحديد.
في هذا السياق المحموم والهستيري بامتياز، خرجت علينا إذاعة فرنسا الدولية، بحوار أجراه كريستوف بواسبوفي، مع إيزابيل فيرينفل التي تُقدّم نفسها على أنها   الخبيرة في الشؤون المغاربية، ليُوصل عبر لسانها المأجور، ما تودّ الجهات المُحرّكة لبقايا فرنسا الإستعمارية تمريره من سموم مُغلّفة بلغة أكاديمية مشبوهة، فالباحثة “المختصة” في الشؤون المغاربية ومن فرط ما تلقته من عطايا، تكاد في حوارها المُوجه أن تتحول إلى أشرس مُعارضة جزائرية مُوالية وداعمة ليس للأحزاب المُعارضة وكفى، وإنما للجماعات الإرهابية التي قتّلت ولا تزال تُقتّل الجزائريين، والتي تفننت –أي جماعات الإرهاب- في إتباع كل الوسائل الشيطانية الماكرة لتشويه صورة الجزائر وقيادتها وجيشها، وتحميلهم مسؤولية كل ما شهدته بلادنا من مجازر وجرائم ضدّ الإنسانية، خلال عشرية الدم، وأكثر من ذلك تقديم الجزائر اليوم وكأنها على أبواب الكارثة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ف “الخبيرة” إيزابيل فيرينفل، نجحت في الحوار الذي أجرته معها إذاعة فرنسا الدولية، كانت كالببغاء الذي يعيد على مسامعنا ما أصابنا الضجر من سماعه، فهي تقول في الحوار المُوجّه: “ بوتفليقة لا يعرف سوى سياسة فرق تسد”، وردا على سؤال طرحه كريستوف حول خليفة بوتفليقة، والذي جاء على الشكل التالي: “رئيس مريض جدا، ونظام لا يزال يقاوم فمن يكون خلف بوتفليقة بالضبط؟ انتهازيون أم مافيا الجنرالات أم ماذا؟”، أجابت “الخبيرة” بلغة مباشرة لا مجال فيها ل”المناورة”: “إنهم أناس يبدون إخلاصا للرئيس بوتفليقة وهم من يحميه من خصومه، ويحافظون عليه في الواجهة” قبل أن تضيف “إن الأمر خليط مما قُلتَه”، هنا يجب أن نتوقف مليّا ليس عند الإجابة، وإنما عند سؤال هذا الصحفي الفرنسي الجهبذ، فهل يُعقل أن يطرح صُحفي مُحترف سؤاله على الشكل الذي قدّمناه حرفيا وبدون أي تصرف فيه؟
بكلّ تأكيد أن صيغة السؤال بحدّ ذاتها تُعرّي مرامي وأهداف من أجراه، ومن أمره بإجرائه، ومن استدعى هذه “الخبيرة” لتُشارك في مسرحية “تهويل الأوضاع في الجزائر”، وتزييف الحقائق.
بصراحة لم أكن أسمع شيئا عن هذه الخبيرة، وعند قراءتي لحوارها مع إذاعة الحقد الفرنسي، رُحت أبحث عنها في محركات البحث على الانترنيت، فلم أجد لها أي أثر ولو بسيط في موقع “ويكيبيديا”، أو “غوغل” أو غيرهما، وكلّ ما اهتديت إليه أنني وجدت بضع روابط عن حوارها في الموقع الإلكتروني لجريدة “لوماتان” الجزائرية لصاحبها محمد بن شيكو المُقاول بامتياز لفرنسا، ومواقع إلكترونية مغربية سارعت دون سواها إلى ترويج تفاهات هذه “الخبيرة”.
هنا كذلك وحتى لا أحيد عن الموضوعية دائما، سأقتبس بعض ما جاء في حوار “الخبيرة”، لأترك للقارئ حرية التشريح والتحليل، ف”الخبيرة” إيزابيل فيرينفل، قالت في حوارها ما يلي: “على رأس النظام (الأخ) سعيد، ابن وجدة على غرار شقيقه الرئيس، وهو من يتوفر على مفاتيح جميع الأبواب، وهو نائب الرئيس الذي لا يعلن ذلك، بفضله أو بسببه تحدث عدة أمور، وتحت (الأخ) هناك (أزلام الثروة)، أناس ينحدرون من نفس المنطقة، كزعيم جبهة التحرير الوطني ولد عباس أو عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية، ثم قائد الجيش قايد صالح”، فبالله عليكم أين هو التحليل في هذا الكلام، وأين هي البصمة الأكاديمية في كل ما قالته، فصحيح أن السعيد بوتفليقة مولود بمدينة وجدة المغربية، وهو لا يُخفي ذلك، وشهادة ميلاده تؤكد ما قالته “الخبيرة”، لكن هل من العقل أن يتحوّل مكان الولادة إلى جُرم يُعاقب عليه القانون؟ ! وهل من الأكاديمية والتحليل العلمي أن تُقام الحُجة على وضع ما بمُجرّد سرد أسماء معروفة لدى العام والخاص في الجزائر وخارجها، للتدليل على “الفساد” و” الهيمنة”؟
قد لا أقوى على توضيح كلامي هذا دونما استحضار فقرة أخرى من كلام هذه “الخبيرة” أو بالأحرى “المُخبرة”، فالأخيرة في حوارها قالت كذلك:“لطالما كان الرئيس بوتفليقة، يحلم بالانتقام من الجيش، الذي منعه من تسلم كرسي الحكم بعد وفاة بوميدين، لكن يصعب لحد الساعة معرفة الدور الحقيقي للجيش، لسبب بسيط أن الجيش ظل جزءا من المشكلة ومن الحل في الآن ذاته”، هنا يمكنني أن أقف بدقة على بواعث هذه الهجمة الهستيرية والمجنونة على الجزائر، فكيف يُمكن لأي عاقل أن ينساق وراء خُزعبلات هذه “الخبيرة المُخبرة”، ويُصدّق أن رئيس دولة إفتكت استقلالها بالنار والدم، ودفعت ثمن ذلك ملايين الشهداء منذ اجتياح الإستعمار الفرنسي إلى الجزائر وإلى غاية إرغامه على الانسحاب وهو يجرّ أذيال الهزيمة والنكسة والنكبة، رئيس كان من بين أبرز قادة الثّورة التحريرية المُباركة، وساهم بقوة في تشكيل الجيش الوطني الشعبي الجزائري، فكيف يُمكن لرئيس ثوري ومُجاهد أن ينتقم من هذا الجيش الذي كان هو من ركائزه الأولى وصُنّاعه الأوائل؟
لا أظنّ أن “الخبيرة المُخبرة” إياها تعي ما تقول، فالرئيس الجزائري المُجاهد عبد العزيز بوتفليقة، كان بحق ناقما، لكن، على هيمنة ضباط فرنسا على الجيش الجزائري، وتحكمهم في مصيره في زمن مضى، ولذلك رأينا كيف أنه وبالتنسيق مع المُجاهد الفريق قايد صالح، نجحا في إعادة بعث مدارس “أشبال الأمة”، التي هي نسخة طبق الأصل لمدارس “أشبال الثورة” التي قَبَرها ضُباط فرنسا الإستعمارية الذين تحكموا في وقت سابق في مصير هذا الجيش الثوري، وتبعا لذلك كُلّه نقول لمن حرّك إذاعة فرنسا الدولية، والخبيرة المُخبرة، وما بينهما، وما بعدهما، أن الجزائر تعي جيّدا، أن توطيد علاقاتها مع ألمانيا التي نكّلت بفرنسا في الحرب العالمية الثانية، وأذاقتها طعم الذُّل والهزيمة، سوف لن يترك أي محلّ من الإعراب لفرنسا في الجزائر، وهذا ما يُفسّر برأيي، حالة الهلع والإرتباك التي أصابت قصر الإليزيه وخُدّامه، وأفقدتهم البُوصلة، وجعلتهم يتدخلون في شؤوننا الداخلية وكأنهم أوصياء على الجزائر، فلِعلمهم جميعا، أن الرئيس بوتفليقة لا يزال هو قائد هذا الوطن، وأنّ أخاه السيد السعيد بوتفليقة، هو إطار من الإطارات العليا في الجزائر، ومن حقه أن يسهر على أمنها واستقرارها ولو كره الكارهون، أمّا بخصوص تحامل هذه الخبيرة المُقاولة على مدير المصالح الأمنية المُشتركة السيد بشير طرطاق، فيكفي فقط أن نُعلمها ونُعلم مُشغّليها، أنه إبن شهيد ضحّى من أجل أن تعيش الجزائر حُرة مُستقلة، وبالتالي فالهجوم عليه له ما يُبرّره، في القاموس الإستعماري لفرنسا وبيادقها في الخارج والداخل، والذين يعرفون تمام المعرفة أنه كلّما لعبت الجزائر مع الكبار، تفقد فرنسا بُوصلتها.
 
 
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى