الجزائرالرئيسيةسلايدر

عودة اويحي: السلطة تفصل لخيار “سحق” الفئات الهشة لمواجهة الأزمة

يوسف محمدي

بعودة أحمد أويحي للمرة الرابعة لقيادة الحكومة تكون السلطة قد وضعت كل خيارات مواجهة الأزمة المالية العنيفة التي تزعج الاليغارشية جانبا، وبالتالي بات ما تبقى من المجتمع أمام ذات الخيارات التي واجه بها النظام ورئيس الدولة ليامين زروال أزمة إقتصادية ومالية عصفت بالبلاد قبل 20 سنة.

في العام 1995 لم يجد النظام وقتئد أمامه سوى أحمد أويحى لتطبيق وصفقة المؤسسات المالية الدولية بحرفية والتي كانت تنص على طرد 500000 عامل إلى الشارع وغلق ازيد من 36000 مؤسسة، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي وناديي باريس ولندن، كما لم يتأخر أويحي وقتها في الزج بعشرات الاطارات المسيرة في السجون بحجة سوء التسيير.

أويحي الذي لم يخفي يوما علاقته بجهاز الاستخبارات ورجلها القوي خلال الربع قرن الأخير، لم يتوانى في تطبيق الوصفات اللاشعبية والأكثر ايلاما للشعب والفئات الهشة بالتحديد، ولم ينكر شخصيا أنه “رجل المهمات القذرة” وأنه مستعد لتنفيذ أي مهمة توكل إليه في إطار خدمة الدولة بما فيها التي تتعارض مع قناعاته.

الأمين العام لما أصبح يعرف بداية من أكتوبر 1997 التجمع الوطني الديمقراطي، معروف أنه ليس له أي عقيدة إقتصادية أو أي نظرة شاملة لإقتراح مخرج وحل نهائي لحالة الترهل الذي يعيشها الاقتصاد منذ عقود، وهو ما تأكد من إشرافه عدة مرات على الجهاز التنفيذي سواء مع زروال أو منذ وصول بوتفليقة للحكم والوفرة المالية التي عرفتها البلاد بشكل غير مسبوق منذ الاستقلال.

 

فشل أي اصلاح مع 800 مليار دولار فكيف سيكون بخزينة فارغة؟

لم يتمكن أويحي من تحقيق نتائج تذكر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ولم يعرف الاقتصاد أي اقلاع إلى اليوم ، وربما إلى الابد، ما دام أن البلاد التهمت 800 مليار دولار في ظرف 15سنة الأخيرة بدون أن تتمكن من انجاز طريق سريع واحد بالمعايير الدولية، كما لم تتمكن من تنفيذ أي اصلاح مقنع، لتنتهي كل القطاعات إلى الخواء وفوق ذلك بخزينة فارغة.

وبالمقارنة مع الوضع الإقتصادي الذي عاشته البلاد قبل 20 عاما، إذا وضعنا الحرب الأهلية جانبا (الأزمة الامنية كما يسميها البعض) سنجد أن الأزمة المالية التي عاشتها الجزائر في 1997 والتي تزامنت مع ازمة جنوب شرق أسيا، سنجد أن ذلك الوضع مجرد سحابة صيف عابرة، أمام هول العاصفة الاقتصادية والمالية الحالية.

في العام 1997 فعلا كان سعر النفط 10 دولار، وعلى الرغم من أن البلاد كانت تدفع سنويا حوالي 3.5مليار دولار أصل الديوان وخدماتها، إلا أن فاتورة الواردات كانت لا تتجاوز11 مليار دولار على اقصى تقدير.

اليوم بعد أن استهلكت البلاد حوالي 800 مليار دولار في وادرات أكثر من نصفها كماليات، اصبحت فاتورة الوارات السنوية لا تقل عن 55 مليار دولار من السلع والخدمات، وتغيرت ثقافة الاستهلاك بشكل صارخ، وباتت حاجات المجتمع لا تختلف عن نظيره الغربي، وهو ما يدفع للسؤال هل سيطبق الوزير الأول نفس الوصفة القديمة الجديدة وبنفس الاسلوب؟

 

بوتفليقة يفتش عن حلول من علب الارشيف

عودة النظام وعلى رأسه بوتفليقة للارشيف للبحث عن حلول، تبين أنه أصبح عاجز عن إقتراح بذيل وأنه نظام تقطعت به السبل وبات غير أبه بعواقب تطبيق وصفات جربها قبل 20 عاما ولم تسمح للبلاد بالاقلاع كما فعلت اقتصادات الجوار أو اقتصادات اوروبا الشرقية التي كانت تطبق الشيوعية في شكلها المطلق(النموذج البولوني أو الروماني).

العلاج بالصدمة الذي تقبله الشعب قبل 22 سنة، كان صالحا لأن أسباب وظروف مناسبة أجتمعت يومها، فالشعب الذي كان تحت نيران وضربات “هبهاب” الجماعة الاسلامية المسلحة “GIA ” أكيد أنه سيقبل بالتضحية بكل شيء من أجل سلامة رأسه بعد أن أصبح قتل 1000 مواطن في مجزرة واحدة بالرمكة وغيرها، فهل سيقبل اليوم المواطن العودة إلى نفس التضحية بما يعتقده مكاسب إجتماعية غير قابلة للتنازل، هل سيقبل جيل 2017 أن تمتد يد أويحي مرة أخرى إلى جيوب العمال كما فعلها قبل 20 سنة، وهل سيقبل التضحية والسلطة ترفض تطبيق ذلك بعدل وعلى الجميع من منطلق أن السلطة قررت تنحية وزير أول لمجرد أنه حاول الفصل بين المال والسياسة وحاول إصلاح نظام الضرائب غير العادل والضالم للفقراء والمهمشين والفئات الهشة.

لقد قال عبد المجيد تبون إنه سيعمل على الغاء الضريبة على المداخيل التي تقل عن 20000 دج لانها لا معنى اقتصادي لها، وهو ما اثار حفيظة الجهات التي افترست الاقتصاد الوطني طيلة 15عاما وهي ذاتها الجهات التي لا تدفع الضرائب أو تملك من الادوات والامكانات التي لها تسمح بالالتفاف على النظام الضريبي حتى لا تدفع، كما لا تدفع الحقوق الجمركية وتتوفر أيضا على شبكة علاقات تسمح لها تهريب الاموال إلى الخارج في الوقت الذي يموت المواطن انتظارا في المستشفيات ولا يحق له الحصول على اكثر من 130 أورو سنويا.

الفارق الذي حاول عبد المجيد تبون، صنعه إذن بالمقارنة مع من سبقه إلى الدكتور سعدان، يتمثل في وقف الاستحواذ على الثروة تحت مسميات الاستثمار تارة والاستيراد تارة أخرى والقروض البنكية التي لا ترد، ولكن خطته واجهتها عدة كمائن محكمة.

وعوض التعامل بطريقة فلادمير بوتين مع الاليغازشية والمافيا المالية الروسية عند وصوله إلى الحكم، فضل النظام الجزائري التحالف مع الاليغارشية التي بلغت من القوة والسطوة ما يسمح لها بتحطيم كل من يحاول الوقوف في طريقها، وبالتالي قررت السلطة اختيار أقصر الحلول وأسهلها منعا لازعاج اصحاب المال، ومواجهة الأزمة على حساب الفئات الهشة مرة أخرى كما عملت قبل 20 سنة.

فهل سيكون مصير ملايين العمال الشارع مرة أخرى وعودة لاحضان نادي باريس ولندن مجددا من أجل عيون أثرياء الحرب الجدد؟

البطالة حاليا وحسب الارقام الرسمية عند 12.5%، ولكنها في حدود 30% بالنسبة للشباب أقل من 30عاما، وسنويا يصل نصف مليون شخص جديد لسوق العمل، في حين لم يعد متاحا العبث بما تبقى من احتياطات الصرف التي لا تكفي بالكاد لاستيراد الأكل والدواء من الخارج، لشراء السلم الاجتماعي كما كان متاحا من قبل..لننتظر ونرى ..فقد يكون أويحي يملك عصا موسى أو خاتم سليمان؟

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى