الجزائرالرئيسيةبين الفكر والسياسةسلايدر

قضية تبون: حصلة… لن نخرج منها

بقلم : نورالدين بوكروح ترجمة : نورة بوزيدة

عندما صرح تبون أنه “ما زال وفيا كل الوفاء للرئيس” رأى الكثير في ذلك نوعا من الجبن والانبطاح ولكن ربما كان ذلك نوعا من الشجاعة لكي يقول في لغة الإشارات أنه يعلم أن الرئيس ليس من نحاه من منصبه بل السعيد بوتفليقة وعلي حداد. وربما أيضا كان ذلك طريقته الخاصة لحمد الله وشكر لمن عتقوه فتنحى من منصبه وكفى ولم يتنحى على طريقة بوضياف… من يعلم؟ نحن نحاول أن نقرأ ما هو موضوع أمام أعيننا…

نزل الستار على الأزمة التي انفجرت على رأس هرم الدولة وانتهت بشكل غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة وهي النهاية التي فتحت هوة سوداء تحت أقدامها، وزجت بها كباخرة بدون قبطان في “الثلث الخالي” في جزر برمودا الذي لم يرجع أبدا منه أحد.

هكذا إذن، تم القبض على الرجل الذي جعلت منه المخيلة الوطنية ذلك الفارس البوليفاري، زوروZorro، الذي “يخرج” فجأة من حيث لا ندري، من إحدى “شوكات” الديكور الجزائري، لابسا السومبريرو sombrero وممتطيا جواده الأسود، لكي يدافع عن الفقراء ضد الأغنياء، لقد تقبض عليه علي حداد وهو يجري على حصانه مثل ما نشاهد في أفلام الويسترن ورماه أرضا، وأشبعه ترابا وغبارا !

لا وألف لا! لقد قرر “فوق” أنه لا تفاهم ولا مصالحة مع من ذكر اسمه ليتبوأ منصب الرئيس في 2019. و أنه لا يجوز التفكير في تفريق الشمل بين السياسة والمال، وتجفيف منابعه عبر عملية الاستيراد- استيراد import-import !لكن، من حقيقة، “الفوق”، أخذ هذا القرار وحسم الأمر؟ لو كان لدينا شك، فقد رفع في مقبرة “العالية”.
وليسمح لي القراء أن أخرج قليلا عن الموضوع لكي أتحدث عن ظلم يطولني منذ زمن : عندما تذكر كلمة “الغاشي”، لا ينسى أحدهم إشراك اسمي لها مع أنني لست من اخترعها، لكن، عندما يتحدثون عن “الاستيراد-استيراد” (import-import) لا أحد يذكر اسمي مع أنني صاحبها وأول من استعملها. وإذا أرادت السلطات المعنية بحقوق المؤلف أن تتحرى الأمر، أعلمها أن ذلك كان بمناسبة ما سمي “بقضية بتشين” في جوان 1998. وأعلمها أيضا أنها ليست هي العبارة الوحيدة التي تصرف فيها العديد من النشالين في السياسة وفي الصحافة بل كثير هي العبارات والتحاليل التي يستعملونها وينسبونها لأنفسهم. أدري أن “قوت العيش” صعب، لكن لا يمنع ذلك شيئا من الصراحة والنزاهة في التعامل مع الغير…

سارعت الجماهير المؤمنة بالخرافات في تنصيب تبون رئيسا للجمهورية سنة 2019 وفتحت صفحات الفيسبوك حاملة صوره وتجمع في إمضاءات لصالحه بينما لم يطلب الرجل المسكين بكل هذا، وهو الذي ابيض شعره وهو يكدح داخل “النظام”، وشد على رأسه بيديه، محاولا استعمال كامل طاقاته الفكرية لفهم ما يجري له و من أين أتى سوء التفاهم هذا، ولما يهتف الشعب باسمه ويصر على مساندته (وهو ليس لديه قضية تحتاج المساندة) وبالتالي وضع رأسه فداء غضب الرئيس، أو أناه الآخر، والذي لا يقبل أن يسمع باسم رجل آخر على رأس الجزائر غير اسمه…

وبدورها دخلت الأحزاب السياسية في “المعترك” وقد انتابتها حرارة المشاعر الملتهبة ورأت فيما يحدث إرهاصات ثورة أكتوبر 1988 أو حتى ثورة السيركونسيليون (Circoncellions) ضد الاستعمار الروماني، فأرسلوا بكل جرأة ببعض البيانات إلى الصحافة، وهم بذلك ذهبوا أكثر من تهديدات كيم جونغ الثاني، رئيس جمهورية كوريا الشمالية الذي يهدد بقصف جزيرة غوام l’île de Guam الأمريكية بصواريخه النووية. لكنهم لم يصيبوا هدفهم، فسقطت بياناتهم على رأس تبون وقطعتها على الفور.

لكن اليوم، يعلم الجميع ماذا حدث : تبون لم يمس حداد ولم يتحدث عنه، يا “دوب” وقال “كليمة”عنه وعن ملاييره. لكن، حداد قرر معاقبته وأن يبيته في “ظليمة”، فكلم السعيد بوتفليقة، الذي ثارت ثائرته مما سمع، وراح يكلم عبد العزيز بوتفليقة الذي غضب مما سمعه من أخيه المستشاره وأناه الآخر، وبدوره كلم الرئيس أويحي الذي كلم “النهار” وها هو، بقدرة القادر العزيز وزيرا أولا من جديد.و أنا بدوري أحدثكم لأن كل هذه “الخزعبلات” “قاستني”.

اليوم، يرى الجميع بوضوح سلم الأوامر : حداد “حاكم” السعيد لأنه في السياسة لا مكان للصداقة، بل فقط للمصالح، والسعيد “حاكم” أخاه لأنه الوحيد الذي يقابله وهو من يوصل له أخبار العالم ويبلع العالم أخبار الرئيس، وأويحي، الحاضر المستعد أبدا دائما للقيام بما يطلب منه القيام به بصفته “رجل الدولة” الكامل… وهي “رايحة”…. إلى 2019 حيث تنتظرنا العهدة الخامسة، لنغرق أكثر مما نحن غارقين الآن.

اليوم، أتي الوقت لنفهم معنى التعديلات الدستورية التي قام بها بوتفليقة الواحدة تلو الأخرى وعواقبها على الأرض : أن يكون الوحيد الذي يحكم ويقرر، حتى عندما يغيب ولا يظهر وحتى وهو مريض وفي حالة وفاة إكلينيكية، وذلك بعد أن أفرغ كل المؤسسات من محتواها ومعناها، يضع من يحب وينحي من يريد وكما يريد، وكي يستعمل كيفما شاء موارد البلاد و المال العام وتحضير خلافته كما يشاء أيضا ويترك الجزائر لمن اختار هو. لا يمكن لأي وزير أول، تبون أو غيره، أن يلجأ للدستور للدفاع عن صلاحياته النحيلة وكل المواطنين والأحزاب السياسية التي طلبت منه “المقاومة” لا تعرف شيئا عن العمل الحكومي ولا الدستور.

إن البلاد اليوم واقعة في مخالب الفساد وقوى المال، وخادميهم الذين يسخرون حياتهم لكنس ما يتركوه لهم وراءهم هؤلاء لكي لا يرى المواطنين ما تركوه من قذرات. وسيكون الأمر أشد مما نعيش في الوقت القريب. لم يكن أبدا في الجزائر “شعبا سيدا” و”دولة قانون” و”مؤسسات ديمقراطية” و”برلمان يمثل إرادة الشعب” و “انتخابات” و”معارضة”، في الجزائر لدينا نظام مسخر لحماية شخص الرئيس، ومواليه ورغباته. لسنا في نظام دستوري، لكن في فوضى صارت مؤسسة بحد ذاتها.

اليوم لا نعرف تبعات مرض الرئيس بالضبط ولا إلى أي درجة هو مريض، لكن الجزائر أصبحت مريضة من جراءه، من مرضه الجسدي ومرض السلطة فيه. إن هذا الرجل أصبح يعرقل تكوين دولة القانون والدفع بسياسة صحيحة نبني بها جزائر قوية. وما عشناه هذه الأيام ما هو سوى دليل آخر على كون الجزائر محكومة بأهواء من يحكمنا بعد أن دفع بالوزراء إلى التمرد على وزيرهم الأول وترك الاقتصاد فريسة رجال إعمال مزيفين ومغشوشين… هو أو أخوه، لا يهم. ما نعرفه أن الاستيراد – استيراد import-import سيعود بقوة رغم الأزمة، فقط لكي يجد الشعب ما يأكل ولا يثور، هذا كل ما يهم في الأمر، وإذا استلزم الأمر، أي عندما ستفرغ الخزينة العمومية من صرفها الاحتياطي، سيتوجهون إلى المديونية الخارجية…
أما نحن الجزائريين، فقد برهننا مرة أخرى مدى بدائية ميولنا لغرائزنا ومشاعرنا وانفعالنا. تحكم فينا مشاعرنا مثلما تتحكم حركة القمر في المد والجزر. لا نقي أنفسنا من الشر الذي نراه آتي بل ننتظر أن تحدث الكارثة وبعدها “نتهول” للخلاص منه. لا نمنح أنفسنا وقت التفكير، بل “نترتقوا” وتصيبنا الحمى، ونشتعل كالكبريت قبل أن ننطفأ “كالنوالات”.
نحن قوم قد نقتل من أجل لا شيء وبعدها نبكي ندما أو ننسى ما حدث. نتقبل كل الخدوش التي جرحت حياتنا الوطنية وابتلعناها وامتصصناها كالإسفنج، وبعد أن يتم عصرنا جيدا، نتقبل ضربات أخرى، ونحن مسجونين في هذا النظام العقلي منذ آلاف السنين مثل الهندوس الذين يؤمنون بالتقمص الدوري منذ ظهور الفيدا Védas لديهم.
وكأننا خلقنا على منوال الظواهر الطبيعبة التي تنفجر أحيانا من دون سابق إنذار، وتتحول في بعض الأحيان إلى كوارث. ومن جهة أخرى، نخمد كلية ونسمي أنفسنا “حشيشة طالبة معيشة” كما كتبته في “عبقرية الشعوب” سنة 1979.
لا نأخذ الدروس مما حدث لنا من قبل، لا نحاول أن نرى أو نحتسب لما سيأتي به المستقبل، لا نعتزم على أمور مصيرية ونطبقها، لا نحضر عملا جماعيا على المدى الطويل، لكننا نحب أن نتخبط في كأس ماء، أن ننفجر مثل عاصفة صيفية، قوية لكن قصيرة، ونقوم بأعمال الشغب هنا وهناك.. نرفع دائما أصواتنا في “دواس” بين الجيران أو بين الأحزاب السياسيىة، وحتى في بعض الأحيان نرقع صوتنا، علنا نخيف السلطة، لكن كل هذا ينتهي ب “جابها الشيطان”، وعناق وينسى الجميع أسباب العراك وندفن القضايا تحت حجاب ديني نسميه “الرحمة” و”المصالحة الوطنية”.

بدأت أحداث أكتوبر يوم 05 وانتهت يوم 08 بخطاب الشاذلي بن جديد وهو يبكي. لنتصور أن بوتفليقة، أو أخيه أو حداد أو أويحي يأتي إلى التلفزيون ويقول بعض الكلمات قبل أن يجهش بالبكاء… سنخرج كلنا ونبكي ونترك لهم ملكية البلاد أمام الموثق ونمنحهم القميص الذي نرتديه…. هكذا كان يفعل جحا من قبل ليعيش غشا على حساب المجتمع وهكذا سيفعل كل “الجحات” الذين يحكموننا اليوم في الوقت المناسب لهم…

هل أحببتم تبون؟ ستعشقون أويحي! طردتم بورجو (Borgeaud)؟ ها كم حداد! كنتم في “القابلية للاستعمار »؟ ها أنتم غارقون في “روح الرعاع”! وطبعا، من الآن أراكم تنعتونني بأقبح الأسماء، أقلها أنني أعيد الجريمة نفسها وبأنني أريد إسقاط بوتفليقة بعد أن فعلتها مع بتشين سنة 1998، وبأنني أنا المجرم وهو الضحية إلى الأبد مع أنه أنا من قبض علي من طرف البوليس بأمر من بتشين وأنا هو “النظام” وليس حداد وليس بوتفليقة. هم وأنتم الذين ستنعتوني بأشنع الأوصاف، أنتم الملائكة.
بل هو وحداد وأنتم الذين ستنعتوني بأشنع الأسماء، أنتم وهم ملائكة…. وأنا أقوله لكم : ما أوصلنا إلى المشي على رؤوسنا هي رؤوسنا، وما جعلنا معوجين هو نحن، ولذا كل ما نحن فيه”نستاهلوه”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى