اتصالثقافة

كنز القصبة.. الذهب والفضة

كتبه : روس   Rus

سلسلة : حقبة الاحتلال

جريدة الجزائر المشوّهة، العدد : رقم 655 /30 مارس 1930

ترجمته إلى العربية : البهجة ستيت

زادت بلبلة الاحتلال المباغت في الكثير من الرحيل المفاجئ ، مسبّبة بذلك كيلا عارما من الارتباك و الفوضى . حينها كانت جميع مساكن القصبة قد أحتلّت من طرف الضباط من جميع الرّتب ، بدا كل واحد منهم متلهّفا في تأمل هذا العرين الشهير في أوربا بأكملها ، و الذي كنّا نتحدّث عنه منذ قرون في أقلها بيت بفرنسا .

ظهر بوسط هذا الهرج و المرج الذي لا يوصف ، “خزناجي” الحارس التركي لبيت المال ، غير مباليا و أقل اضطرابا على الأقل . كان جالسا متقرفصا عند المخزن الكبير بالساحة الرئيسية يحمل بيديه مفاتيح الخزائن ، ينتظر في هدوء شديد أوامر المحتّل .

وصل أمين الصندوق السيد “فيرينو” في نفس الوقت بوصول الأفواج الأولى للقوات العسكرية . ما إن حضر زملائه باللجنة المالية ، السيد الجنرال “تولزي” و الصرّاف العام “دينيي” ، حتى ذهب هؤلاء الثلاثة لمقابلة الوزير التركي أين تكفّل مترجم من الجيش بالترجمة .

انتاب الضباط الثلاثة فرحة مغمورة وهم مقتحمين ، يتبعون “خنجي” نحو بيت مال المملكة (ايالة الجزائر) . جالت الكثير من الضجة حول هذا الركام الخرافي من الذهب ، إنها ثمار الغنائم التي لا تعدّ .بيد أن الأوراق الإدارية لم تكن مفرحة البتّة ؛ فبرغم من أنها جافة ، فهي لم تحتوي أحيانا على أقلها فائدة ذات قيمة تذكر.

أفاد الوزير التركي بعد استجوابه من طرف اللجنة المالية بالأقوال التالية :

  1. على أن أموال المملكة سليمة كما هي ؛
  2. بأنه مطلقا لم يكن هناك أي وجود لسجلاّت ضبط ، عن أية مداخيل و لا مصاريف ، تكفّل بها بيت المال ؛
  3. على أن مدفوعات الصندوق كانت تجري بدون أي صك ، مؤكّدا عن أي شيء أو أهمية ؛
  4. بأن جميع النقود الذهبية كانت تتكدّس خلط ملط ، بدون مراعاة لا لقيمتها ولا لسنداتها ولا لمصدرها ؛
  5. بأن الخروجات المالية لم تكن تحصل إلاّ بموافقة الديوان ، و أنّ الداي نفسه لم يكن بإمكانه الولوج إلى بيت المال إلاّ بمرافقة “خزناجي” له .

كانت هذه التصريحات وخاصة تلك التي تتعلّق بغياب االسجلاّت الحسابية غريبة جدا ، و الأخرى متناقضة تماما . لا يبدو و أنها أثارت الاستغراب بين أعضاء اللجنة المالية ؛ أقلّها أن تقرير المحضر لم يدلي بأية اعتراضات . غير أننا سنرى لاحقا أن لجنة التحقيق لم تتقبّل بالسهولة نفسها أقوال الوزير .

قاد “خزناجي” اللجنة بعدها إلى أقصى المخزن الكبير ، أين فتح باب غرفة منخفضة تقع مواربة مع الباب الرئيسي .

  • “هذه القاعة …قائلا لنا المحصّل الرسمي ، قد تمّ تقطيعها في الوسط بواسطة حاجز بثلاثة أقدام إلى الأعلى ، قسّمت بذلك إلى مقطورتين تحتويان على “بوجوز” (عملة جزائرية قيمتها 3.60 فرنك) .

كان هذا الباب قد أقفل و الأختام قد وضعت . فتح “خزناجي” بابا ثانيا ، مشكلاّ مثلثا مع الأول ، يقع هو الآخر تحت المخزن الكبير . بعد المرور على ثلاث قاعات على مستوى واحد ، فتح الباب الثالث مطلاّ على مدخل قاعة مستعرضة )*أي بالعرض) تنيرها نافذة بقضبان حديدية ، تطلّ على المخزن .

كانت هذه القاعة المستعرضة ، ذات العشرون في الأربعة و عشرين قدما طولا و الثمانية أقدام عرضا ، تخزّن ثلاثة صناديق خزينة مشكّلة مقاعد . احتوت هذه الصناديق على “البوجوز” على شكل نقود معدنية و سبائك من الفضة ، بواحدة منها .

كانت هناك أيضا ثلاثة أبواب بفسحات بينها ، تفتح بواسطة مفتاح واحد ، تسدّ ثلاث غرف مظلمة ، مقطوعة كسابقتها بحواجز من خشب . تغلق الأولى على النقود الذهبية مرماة خلط ملط ، إبتداءا من “الروبية سلطاني” )أي ما يعادل 3.80 فرنك(، حتى “ضعف أربعة أضعاف المكسيكية” )أي ما يعادل 168 فرنكا( . احتوت الاثنتين من الأقبية الجانبية ، واحدة على “الموكوس” أي القروش البرتغالية ، و الثانية على القروش الغالية .

أغلقت اللجنة المالية جميع الأبواب بدقة واضعة ثلاثة أختام عليها ، بعدما تحرّت على عدم وجود أي مخرجا آخر سوى ذاك للباب الرئيسي ، كما أقامت بهذا المخزن الكبير مركزا دائما لحرس الدرك ، بقيادة ضابط .

 

  • تنويه من المترجم : “قد يتبع هذا الموضوع بالمستقبل القريب بسرد المزيد عنه متتاليا في حلقات أخرى قادمة” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى