اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر

كيف أصبحت الحكومة رهينة في يد شبكات المضاربة

يوسف محمدي

مرة أخرى تثبت الحكومة أنها لا تتقن فن الاتصال، وأنها غير قادرة على مواجهة “عصابات وشبكات” الاقتصاد الموازي، التي باتت تتحكم ليس فقط في أرزاق الجزائريين، بل هي من تتحكم في حياة أو موت الحكومة في حذ ذاتها، وهذا أمر خطير للغاية على دولة مثل الجزائر تمر بظرفية مالية وأمنية حرجة للغاية.

الحكومة التي عاشت نفس الوضعية في نهاية 2010 وبداية 2011 لم تتعلم من درس أحداث “السكر والزيت” وضيعت 6 سنوات أخرى كانت كافية لكسر شبكات المضاربة التي تسيطر على اقتصاد الظل في الجزائر.

لا يختلف عاقلان في أن مطالب التجار ومن يقف ورائهم كاذبة ووهمية وفي أحسن الحالات تنم عن “نفاق” ظاهر، لأن القاعدة تقول إن التاجر الذي يدفع ضرائبه لا علاقة له بالرسم على القيمة المضافة، لأن الذي يدفعها هو المستهلك النهائي، ما دام بإمكان التجار استرجاع هذا الرسم بموجب القانون(اللهم إلا إذا كنا نتحدث عن تراجع المستوى العام للاستهلاك)، فضلا عن أن نشطاء السوق الموازية يحققون مكاسب خيالية بدون دفع أي رسوم أو ضرائب.

ثم هل فعلا تستحق زيادة بـ2% كل هذا الإجرام والتدمير والتخريب وحرق البلاد والحقد الدفين ضد البلاد والعباد؟

يقول الخبير والمحلل المالي، سهيل مداح، قبل 2001 كانت الضريبة على القيمة المضافة في الجزائر عند 21% ولا أحد كان ينتقد ذلك، اليوم عندما تقرر رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 9 و19 % سارعت العديد من الجهات إلى استغلال الأمر على أن الدولة تريد معاقبة الشعب وضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وهذا غير صحيح يقول سهيل مداح، في تصريحات لـ”الجزائر اليوم”.

وأوضح مداح، أن المشكلة الحقيقية تكمن في سلسلة المضاربين الذين هم السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار وليس الدولة التي رفعت الرسم على القيمة المضافة بـ2%.

والأخطر من ذلك يقول المحلل المالي سهيل مداح، أن الحكومة التي تراجعت أمام شبكات المضاربة في عام 2011، وجدت نفسها في مواجهة على جبهتين، الأولى هي شبكات قوية للغاية متحكمة في مفاصل السوق السوداء، وثانيا، صغار التجار الذين يزودون المواطنين مباشرة بالسلع اليومية.

وأضاف مداح أن قانون المالية 2017 جاء مكملا أو بالأحرى في صورة قوانين 2016 وحتى قانون المالية التكميلي 2015 الهادف لرفع مداخيل الجباية العادية لمجابهة تراجع الجباية النفطية.

 

على الحكومة القضاء على المضاربين

أوضح مداح، أن القضاء على سلسلة التوزيع لصالح شبكات مضاربة عنكبوتية وغير واضحة، جعل من نسبة 2% التي رفعت بها الدولة الرسم على القيمة المضافة، تتحول من خلال تعقيدات سلسلة التوزيع التي يتخللها العديد من الوسطاء قبل الوصول إلى المستهلك النهائي، إلى 20 وحتى 30%.

هذا الفارق الرهيب كله يذهب إلى جيوب الوسطاء والمضاربين وليس إلى الخزينة العمومية، يصيف المتحدث، وبالتالي تصبح الدولة هي الحلقة الأضعف والطرف الواضح الذي يراه المواطن العادي.

وللتوضيح، يضيف مداح، أن تطبيق الرسم الجديد على القيمة المضافة يسبب زيادة بـ20 دج فقط لكل 1000 دج، وفي حالة تعدد الوسطاء والمضاربة وعدم احترام هوامش الربح القانونية وضعف الجهاز الرقابي لوزارة التجارة، يتسبب في تكرار الزيادة بعدد الوسطاء وبالتالي فقد تصبح زيادة بـ20 دج لكل 1000 دج زيادة بـ100 إلى 200 دج وهو ما يعني 10إلى 20% في الحالة الجزائرية.

 

هل ضريبة القيمة المضافة مرتفعة في الجزائر؟ 

معدل ضريبة القيمة المضافة في الجزائر ليس مرتفعا مقارنة بدول المتوسط، ولكن فوضى السوق هي المشكلة بحسب المحلل المالي سهيل مداح، بمعنى: أن فرنسا مثلا عندما ترتفع ضريبة القيمة المضافة بنقطة واحدة، فإن المواطن الفرنسي، يدفع نقطة واحدة فقط، لأن السوق مضبوطة ولا توجد مضاربة ولا مضاربين ولا وسطاء.

وتوجد في فرنسا 4 أنواع من الرسم على القيمة المضافة الرسم العادي وهو20% والرسم المتوسط وهو 10% والرسم المخفض بـ5.5% ثم الرسم الخاص على بعض النشاطات المعينة بقيمة 2.5%.

أما في إسبانيا فيقدر الرسم العادي بـ21% و10% للمتوسط و4% للرسم المخفض، مقابل 22% و10 و4% على التوالي في ايطاليا.

أما في الجزائر فبسبب فوضى السوق وغياب الرقابة وسيطرة شبكات المضاربين على السوق تجعل المواطن يدفع ضعف نسبة الزيادة بـ10 مرات على الأقل من جراء تعدد المتدخلين وتحطيم الحكومة نفسها لمساحات التسوق والأنظمة التي كانت قائمة من قبل على غرار الأروقة الجزائرية التي بقيت مغلقة بدون تصفية إلى اليوم لصالح نمو غريب وطفيلي للسوق الموازية التي تسيطر عليها قوى سياسية معروفة بعدائها المطلق للدولة لأسباب إيديولوجية خارج كل أنواع السيطرة ورقابة الدولة، مما جعل صغار التجار يرفضون الضغط الرقابي والجبائي الممارس عليهم في أسفل السلسلة.

عجز الدولة بمؤسساتها المختلفة على مراقبة السلسلة التجارية من الاستيراد والتخزين إلى التوزيع، وتراجعها عن قرار فرض الاستعمال الصك في المعاملات التجارية التي تفوق 500000 دج واستعمال الفاتورة، أمام ضغوط شبكات السوق الموازية التي تعتبر اليوم بمثابة مافيا حقيقية منظمة وقادرة على إعلان حرب حقيقية على المجتمع بالنظر إلى مصالحها المالية الضخمة التي تقدر بأزيد من 40 مليار دولار.

بعد المصادر شبه الرسمية أشارت إلى أن الإضراب الأخير يخفي أيضا ضرب محاولة الحكومة فرض بعض الإصلاحات العميقة على غرار رخص الاستيراد والمعاملات الالكترونية لأنها الآلية الوحيدة الحقيقية للحد من فوصى الاستيراد والقضاء على السوق الموازية وتجفيف التداول النقدي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى