أراء وتحاليلالجزائر

لا مكان للجواري والغلمان في جزائر الشهداء

زكرياء حبيبي

استغربت كثيرا لتصريحات بعض صحفيينا ومثقفينا “الجهابذة” الذين يسترزقون، من “عطايا” أمراء ومشايخ الخليج، فلأولّ مرّة، أراهم يتحدّثون عن الأخلاق، والنقد الموضوعي، وعدم الإنجرار إلى التهجم والسّباب، وكأنّني بهم قد أعلنوا توبتهم وهم الذين احتلوا المراتب الأولى في سبّ بلدهم الجزائر، وقادتها وكلّ من يُدافع عنها.
تصريحات أمير الشارقة “سلطان بن محمد القاسمي” التي تطاول فيها على ثورة المليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار في الجزائر، هي برأيي الدافع الرئيسي لإعلان هذه “التوبة”، لكنها توبة، لا تسري على نظرتهم الحاقدة على الجزائر، وإنما لجأوا إليها ظرفيا لتبييض الوجه القبيح لهذا الأمير، الذي أعلن كفره الصريح بأعتى وأقوى ثورة في تاريخ البشرية، زلزلت أركان فرنسا الإستعمارية المدعومة من حلف الناتو، وكل قوى الشر الأخرى المُتحالفة معها، وجعلها تخرج ذليلة صغيرة تجر أذيال الهزيمة من الجزائر، قُلت ذلك، لأنّني تعجّبت كيف أن بعض المُسترزقين من الصحفيين الجزائريين في الخليج، الذين كسّروا رؤوسنا بخطاباتهم النارية ضد أولي الأمر في الجزائر، بدعوى أنّهم “حادوا عن خط الثورة” “ورهنوا استقلال الجزائر” “وفرّطوا في سيادتها”، وعندما اصطدموا بتصريحات نارية مُتكالبة صادرة عن أمير الشارقة في دولة الإمارات، التي نحترمها أيّما احترام، ونُكنّ محبة خالصة لشعبها ومؤسّسها الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، تحوّلوا بقدرة قادر، إلى نعاج، بعدما لبسوا جلد الأسد في مُواجهة كل من ضحّى ولا يزال يضحي ويُدافع عن بلادنا، فبعض هؤلاء الإعلاميين وعلى رأسهم الصحفي والشاعر عياش يحياوي، سارع إلى البحث عن أي وسيلة للدفاع عن أمير الشارقة، حيث كتب على صفحته على الفايسبوك مقالا بعنوان “لا داعي للتهويل….”، أقتطف منه هذه الفقرة فقط والتي قال فيها: “أشهد أن حاكم الشارقة من أكبر المعجبين بثورة الجزائر وتضحيات شعبها. وإذا كان رأيه القائل بأن ديغول أعطى الاستقلال للجزائر لإرضاء جمال عبدالناصر غير صائب من الناحية التاريخية فإن حاكم الشارقة كما أعرفه واسع الصدر يتقبل الرأي الآخر..الرأي الهادئ المصحوب بالحجة. وإذا كان من غير المقبول لدينا قبول الإساءة لتضحيات شعبنا…فإنه من غير المعقول أيضا الإساءة لحاكم الشارقة…الرجل الذي قدم وما يزال يقدم خدمات عظيمة للثقافة العربية. وإذا كان قد أخطأ فهو باحث ومؤرخ ومستعد للحوار الثقافي الهادئ الرزين”.
كلام الشاعر الصحفي عياش يحياوي يختزل بحق حالة الإرتباك التي أصابته وهو إبن شهيد، لكنه وعوض أن يلتزم الصمت، راح وبغباء شديد يُصنّف ما صدر عن هذا الأمير أنه يندرج في خانة “الحوار الثقافي”، فبالله عليكم هل الإساءة لتاريخ وثورة شعب هي من الأمور الثقافية؟
لن أطيل في تشريح ما قاله عياش يحياوي، لأنني أعرف جيّدا أنه يعيش بين أحضان المشايخ، وسبق له أن فاز بجوائز بعض الشّيخات، وهي جوائز تُغنيه عن العمل لضمان مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده، كما أنه لم يُسجل بحقه أي تطاول على بلاده الجزائر، بعكس البيدق حفيظ درّاجي،الذي لا يُفوّت أي فرصة للتجريح في البلاد ورئيسها السيد عبد العزيز بوتفليقة وعائلته ومُقرّبيه، فهذا البيدق، الذي يخلط دائما بين تقنيات المُراوغات في الملاعب الرياضية ونظيراتها في الحقل السياسي، ويحاول دائما إسقاط تعليقاته الرياضية المجنونة على الوضع السياسي في بلادنا، رأيناه شبه فاقد للإرادة عندما تعلّق الأمر بإساءة أمير الشارقة لثورة الجزائر، فعوض أن يستأسد كما عوّدنا على ذلك، ويردّ بقوة على سيّده الأمير راح يكتب هو الآخر على صفحته على الفايسبوك ما يلي: “انتظرنا ردا من السفير أو الوزير أو حتى المدير على التصريح المزيف لحاكم الشارقة بشأن الثورة الجزائرية لكن ذلك لم يحدث، ويبدو أنه لن يحدث من طرف الجماعة التي تفضل التهكم والتهجم على الأحرار، وتسعى إلى تخوين وتخويف أبناءها فقط!! نحن لن نرد على الإساءة بالإساءة لإمارات الشيخ زايد رحمه الله وشعب الإمارات الطيب، لكن الواجب يفرض علينا تذكير من لا يعرف التاريخ بأن عدد شهداء دوار واحد في الجزائر يفوق أعداد شهداء بلدان بأكملها، وثورتنا هي واحدة من أعظم الثورات في التاريخ، ونحن وأبناءنا سنظل نفتخر ونعتز بذلك إلى يوم الدين..” لن نجد أي عناء في تشريح كلام هذا المُعلّق الرّياضي، فهو ينتظر من السلطات أن تردّ وكأنه غير معني بالرّد، وهو الذي يَرُدّ على كل كبيرة وصغيرة تتعلق بسياسة الجزائر، أمّا وأنّ الأمر يتعلّق بالدفاع عن ثورة التحرير المجيدة وشهدائنا الأبرار، فإن هذا الدّراجي، غير معني، والأمر متروك للسلطات الجزائرية !؟ وحتى في تعليقه لا نجد أي موقف واضح من إساءة شيخ إمارة الشارقة للجزائر، ما يعني أن دراجي ومن هم على شاكلته لم ولن يجرؤوا البتة على خدش كبرياء مُشغّليهم، وأولياء نعمتهم، ولو تعلّق الأمر بالدفاع عن الجزائر التي يوهموننا دائما بأنهم حريصون عليها وعلى مستقبلها، من خلال كتاباتهم التي لا تعرف في قاموسها سوى السّب والتجريح لرموز الجزائر، ويكفي هنا أن نسوق ما كتبه هذا المُقاول لغير الجزائر، في ذكرى عيد النصر، حيث كتب ما يلي: “بمناسبة عيد النصر .. عيدكم سعيد بوتفليقة! وسنحتفل عندما ينتصر الوطن!” فعن أي وطن يتحدث هذا الدرّاجي، أعن الجزائر أم إحدى مشيخات الخليج؟ فالسعيد بوتفليقة الذي يكيل له السب بمُناسبة أو من دُونها، يعيش في الجزائر، ويشارك في صونها والدفاع عنها، وبالتالي يحق له أن يفخر بعيد النصر، ويفخر الجزائريون بالسعيد وأخيه عبد العزيز بوتفليقة، الذي لولا سياسته الحكيمة، لما ترجّل درّاجي أو من شابهه للتجول في شوارع العاصمة في عزّ النهار.
أمّا جارية مشيخة قطر، المدعوة خديجة بن قنة، فهي الأخرى كتبت بشكل غير مُباشر عن إساءة شيخ إمارة الشارقة تقول: “عندما سئل لويس مونتابتن نائب ملك بريطانيا العظمى في الهند: كيف تخليتم عن الهند وباكستان ومنحتموهما الاستقلال بهذه السهولة؟.
أجاب: لقد استبدلنا الإنجليز البيض بالإنجليز السمر لرخص عمالتهم” وهذا حال الدول العربية .. خرج مستعمر أجنبي و استلم مستعمر محلي..”، ونحن من جهتنا نقول للجارية خديجة: “بلادي وإن جارت علي عزيزة … وأهلي وإن ضنوا علي كرام”، ولك أيتها الجارية أن تنعتيهم ب”الإستعمار” وغيره، لكن الأكيد أننا في الجزائر نعيش عزّة النفس التي لن تتذوّقيها خارج بلادك، وبما أنك فاقدة للإحساس باستقلال وعزة وكرامة بلادك، فننصحك أن تبقي في بلاط أمراء المشيخات، لأنه لا محلّ للجواري والغلمان من الإعراب في بلد الشهداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى