أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

لنا رأي: المشاركة ليست خيانة والمقاطعة ليست نهاية العالم

بقلم :أبو جرة سلطاني

حصاد الخطّيْـن صار بين أيدينا بلغة الأرقام ، وثمـرتا المنهجيْن ذاقتْ طعمَهما قواعدُنا النضاليّة بين الأمس واليوم ، والحسم في الخيارات بات وشيكا لا يحتاج إلى طول انتظار وترقّب . فقراءة الأرقام الصمّـاء لا تحابي أحدا ، والحديث عن التزويـر ليس طارئا جديدا ، فعمـره في صناديق الاقتراع عشـرون عاما قابلة للتجديد والتمديد .
فما الجديد الذي ينتظـره الشعب عشيّة شهـر رمضان المعظّم ؟ وما الذي تغيّر بين ليلة الانتخابات وضحى المجلس الدستوري ؟ وما هو المتغيـّر في النتائج التي ينتظـرها الرأي العام لدسْتـرة الخارطة النيابيّة الخامسة وتنصيب البرلمان الجديد وتجديد دم الحكومة التي فتحت الإرادة السياسية منافذها للشركاء في مسعى نحسبه جادّا لبناء قاعدة وطنيّة واسعة لمواجهة المستقبل .
إنّ الثابت المؤكد حتّى الآن هو : أنّ تحالف حركة مجتمع السلم ما زال يمثّل القوّة السياسية الثالثة في نادي الكبار . وما زال يقود قاطـرة التيار الإسلامي في الجزائـر . ورغم أن الحركة خسـرت من رصيدها التقليدي الموروث عن مؤسسها (رحمه الله) ما لم تخسـره في أيّ استحقاق سابق منذ 97 إلى 2012 . إلاّ أنها ما زالت محافظة على موقعها السياسيّ كشعـرة ميـزان ضامـنة للتوازن بين كفّتيْ الموالاة والمعارضة ، والفضل في هذا الموقع يعـود بعد المولى (جل جلاله) إلى ثمانيّة عوامل كبـرى :
ـ أصالة الشجـرة التي غرسها الشيخ نحناح (رحمه الله) قبل أزيذ من ربع قـرن وسقتها دماء أزيد من 500 سهيدا من ضحايا المأساة الوطنيّة دفاعا عن خطّ الوسطية والاعتدال .
ـ تنوّع تجاربها من السريّة إلى المشاركة إلى المعارضة إلى المراجعات الكبرى ، في ضـوء الواقعية السياسية التي فرضتها التحوّلات الجيوـ استراتيجية في المنطقة كلها.
ـ الهيكلة الواسعة المنتشـرة في كل ربوع الوطن وفي الجالية ، وهي سبب ثبات رصيدها الانتخابي نسبيّا ، رغم الهـزّات التي مرّت بها في مسار التصحيح الهيكلي .
ـ تراكم خبرتها النضاليّة الهادئة الهادية الهادفة ، واتساع شبكة علاقات رجالها في الداخل والخارج ، واحتكام قيادتها للمؤسسات ، ونأيها عن المواقف الحديّة ، ورفضها لسياسة الكرسي الشاغـر منذ التأسيس إلى “كاريزما المؤسسات” .
ـ تجذّرها في الذاكـرة الجماعية لشعبنا باسم حماس الجـزائر أو “حماس نحناح” الذي أسّس لثقافة المصالحة الوطنيّة والمصلحة الواسعة كلما حزبت الجزائـرَ الخطوبٌ ونادى الحركة الواجب الوطني ( كما حصل سنة 94 ، و 96 ، و 97 ، و 99 ، و 2004 ، و 2009 ) .
ـ تجنّد جميع مناضليها ومناضلاتها لإنجاح القوائم والسعي بكل ما يملكون من جهد وخبرة وعلاقات لتزكيّة خيارات القواعد ، ولكن الحصاد لم يكن بمستوى طموحات القيادة ، لأسباب لا تخفى على المناضلين .
ـ صمود قيادات الحركة واستماتتهم في الدفاع عن استقلالية الذمّة السياسية لحركتهم أمام محاولات الاحتواء والتفكيك والتفتيت والإغراق والإلحاق .. وصبرهم على كثرة الحِلّ والترحال .
ـ قوّة مؤسسة مجلس الشورى ونظرتها الاستشرافيّة البعيدة للمصلحة الوطنيّة أولا ، بفقه العمل الجماعي الذي يجعل “تكثير السواد” عبادة تدخل في فروض الأعيان وتجعل الصوت الانتخابي ولاءًا للمؤسسة بصرف النظر عن متصدري القوائم وعن البرنامج والحملة والنتيجة المحصل عليها.
إن حرص الرأي العام على متابعة أخبار هذه الحركة ، والاهتمام بمعرفة مواقفها وقرارات مؤسساتها ، والاحتفاء بالنقاشات المتنوّعة التي تساهم في إثراء الساحة الوطنيّة بالبدائل وإنضاج القرار المؤسّسي ، عوامل إيجابيّة تؤكد للمرة الخامسة على التوالي أن حركة مجتمع السلم هي شعــرة الميــزان في هذا الوطن ، فحضـورها ومشاركتها يشكّل حدثا سياسيّا وطنيا ، وغيابها ومعارضتها يشكّل كذلك حدثا سياسيّا يستدعي حضورا لافتا ومادّة إعلامية دسمة يدرك العارفـون بحقيقتها الكامنة في تراكم نضالاتها أن خزّان الحركة الواسع من الكوادر مفخـرة للوطن واستماتة مناضليها في خدمة الجزائر لا يتأثـر ” بهـزة انتخابيّة ” ظرفيّة عارضة لها ارتدادات إيجابيّة في كواليس صناع القرار الذين يعرفون أن وعاءها الانتخابي أكبر مما نطقت به صناديق الاقتراع ، ومهما يكن قرار مجلس الشـورى المرتقب ، فإنّ المشاركة في الجهاز التنفيذي ليست جريمة سياسيّة ، كما أنّ الاستعفاء منها لن يكون نهاية العالم ، ولكنّ الحكمة تقـول : ” إنك لا تضع قدمك في النهـر مرّتين ” .
ولك الله يا جــزائـــر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى