اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر

ماذا يعني اللجوء إلى طباعة العملة وهل يمثل بديلا للاستدانة الخارجية؟

يوسف محمدي

شكلت الإجراءات الخاصة بمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة التي أعلنتها الحكومة خلال مجلس الوزراء الأخير صدمة عنيفة للجزائريين.

على الرغم من تعمد الحكومة إلى استعمال لغة اقتصادية تقنية لتمرير بعض المضامين الصادمة التي تضمنها البيان، على غرار التمويل غير التقليدي، إلا أن خبراء الاقتصاد سارعوا إلى دق ناقوس الخطر، بأن التمويل غير التقليدي لا يمثل حلا سحريا للمرض الجزائري على الإطلاق، مؤكدين أنه (هذا التمويل) سيكون بمثابة التدمير الممنهج للقدرة الشرائية وللاقتصاد بشكل عام، باعتبار أن الاقتصاد الوطني يعاني من التبعية المطلقة لصادرات المحروقات ومن تبعية مطلقة للخارج في مجال الاستيراد، حيث تغطي الواردات 80% من الحاجات الأساسية.

من الناحية التقنية وفي لغة الاقتصاد مصطلح التمويل غير التقليدي ليس اكتشاف سحري من الحكومة، فهو تقنية بسيطة معروفة في العالم أجمع، وتتمثل في طباعة المزيد من الأوراق النقدية، سواء لتمويل المؤسسة الاقتصادية أو الخزينة العمومية.

 

هل التمويل عبر طباعة العملة يناسب الحالة الجزائرية؟

في الاقتصادات القوية التي تتوفر على قدرة إنتاجية وتنافسية وإمكانات خلق قيمة مضافة وتتوفر على فرص حقيقية للوفاء بالديون، يصبح هذا النوع من التمويل حلا ممكنا سواء تم تطبيقه على المؤسسة أو الدولة الخزينة العمومية).

في حالة الاقتصاد الجزائري الذي لا يتوفر على أي من العناصر السابقة الذكر، فهو اقتصاد غير إنتاجي ويعتمد على الخارج في تلبية حاجات المجتمع من السلع والخدمات وغير تنافسي (غير قادر على التصدير) ولا يتوفر على قدرة تسديد، فإن العلاج بطباعة المزيد من العملة كمن يعطي لمريض يعاني من مرض فقدان المناعة المكتسب (الايدز) حقنة من الفيروسات الفتاكة مع العلم أن جسده لا يتوفر على آية مناعة.

 

هل تصح المقارنة بين الجزائر وتجارب بريطانيا والولايات المتحدة؟

يعرف على نطاق واسع في العالم أن الدولار أو الجنيه الإسترليني والين الياباني، هي عملات احتياطات دولية، وأن الدولار مثلا تضمنه عوامل أخرى خارج الولايات المتحدة على غرار استعماله كعملة تسوية في الكثير من السلع والمنتجات الرئيسية على غرار النفط، أما الدينار الجزائري فهو عملة محلية، مما يجعل المقارنة التي ذهبت إليها الحكومة، لا تصح أصلا.

 

ماذا سيحدث عند طباعة المزيد من العملة (الدينار)؟   

عند طباعة المزيد من الدينار عبر البنك المركزي وتسليمه للخزينة العمومية لتغطية العجز، سيحدث أليا انخفاض قيمة الدينار، الذي سينجر عنه تراجع القوة الشرائية للعملة، وبالتالي انهيار القدرة الشرائية، وخاصة أن معضلة موازنة الدولة في الجزائر تكمن في ارتفاع ميزانية التسيير خلال الأعوام الفارطة من جراء التوظيف المفرط والعشوائي ورفض القيام بإصلاح جدي لقطاع الوظيف العمومي، ومن ناحية ثانية، إقرار زيادات في أجور الموظفين في القطاع الادراي (2.3 مليون موظف/40 مليون نسمة، مقابل 480 ألف في كندا لنفس عدد الساكنة تقريبا) والتي لم يرافقها زيادة حقيقية في الإنتاجية، والذي يعني زيادة في الكتلة النقدية سوف تنعكس خلال الأشهر القادمة في تضخم برقمين(أعلى من 10%).

 

هل تمثل الاستدانة من البنك المركزي بديلا عن الاستدانة الخارجية؟

إن استدانة الخزينة العمومية (الدولة) من البنك المركزي هي عبارة عن استدانة بالدينار الجزائري والتي لن تغطي سوى جزء يسير من احتياجات الدولة والمؤسسات والاقتصاد  الوطني عموما.

وفي الحالة الجزائرية التي تتميز بارتباط قوي لاقتصادها بالخارج لضمان عدم توقف عجلة الاقتصاد، باعتبار أن 80% من الاحتياجات مستوردة من الخارج سواء في شكل سلع نصف مصنعة أو مصنعة وخدمات، فإن الاستدانة بالدينار الجزائري لا تمثل أي حلا، ولا تمثل في الحقيقة بديلا عن الاستدانة الخارجية التي تعتبر الضمانة الوحيدة لعدم توقف عجلة الاقتصاد الجزائري وعدم تسريح ملايين العمال وغلق آلاف المؤسسات الإنتاجية، وبالتالي تصبح القضية مسألة أشهر وربما سنة أو سنتين(2018/2019) ثم نعود إلى صندوق النقد الدولي لطلب قروض كما فعلت الجزائر في تسعينات القرن الماضي.

 

هل نملك القدرة على الاستدانة الخارجية وبأي كلفة؟

بلغت فاتورة الواردات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة 47 مليار دولار في المتوسط خارج واردات الخدمات، في حين بلغ عجز ميزان المدفوعات 15 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.

وعلى الرغم من المحاولات العديدة للحد من الواردات لم تتمكن الحكومة من كسر الحاجز النفسي عند 45 مليار دولار للواردات، وهو ما يمثل 3.75 مليار دولار شهريا أو 865.38 مليون دولار أسبوعيا، وهو مستوى جد مرتفع بالمقارنة مع قدرات التصدير الجزائرية خارج المحروقات المنعدمة تقريبا والتي لا تتجاوز بالكاد منذ 1976 ما يعادل 1 مليار دولار في المتوسط.

وبالعودة إلى الأرقام السابقة، يمكن القول أن الأمر لا يتعلق بالعودة إلى الاستدانة الخارجية من عدمها لأن ذلك أمر حتمي، بل بكلفة الاستدانة التي ستكون بنسب فائدة مرتفعة للغاية وشروط مهينة من صندوق النقد الدولي، نظرا إلى حالة الاقتصاد الوطني الهشة للغاية وعدم الاستفادة من درس التسعينات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى