الجزائرالرئيسيةسلايدر

مبادرة سياسية للسيد نور الدين بوكروح: “نداء إلى الجزائريين والجزائريات من أجل ثورة سلمية و مواطنة”  

تتجه الجزائر بخطى بطيئة لكنها ثابتة نحو منعرج حساس من تاريخها يمكن أن يصل بها إمّا إلى الخلاص أو إلى الانزلاق نحو المجهول. كلى الخيارين مفتوحان أمامها اليوم و حظوظ كل واحد منهما في فرض نفسه متكافئة و متساوية؛ إلا إذا فصلت بينهما قبل الوصول إلى ذلك إرادة شعبية قوية تعلنُ بحزم أن مآلنا: “سوف يكون الخلاص”

حالة الوطن

بعد نصف قرن من استرجاع السيادة الوطنية بفضل ثورة أول نوفمبر 1954 التي فجرها 22 شابا جزائريا، يحق اليوم للشعب الجزائري الذي تجدد بفضل بلوغ أجيال جديدة مرحلة النضج، بأن يطالب بممارسة صفته السيدة كمنبع لكامل السلطات، كما آن له استرجاع الحق المؤسّس الذي كفلته له جميع الدساتير الجزائية منذ 1962، دون أن يتمكن أبدا من ممارسته فعليا.

فاسترجاع سيادتنا الوطنية تبعته سلسلة طويلة ومضطربة من التجارب و الأخطاء التي أدت إلى الطريق المسدود الذي نتواجد فيه اليوم سياسيا و اقتصاديا. فقد تمكنت الجزائر من الحصول على الاستقلال لكن دون أن تعرف ما ستفعله به، و دون أن تتمكن من الإجابة على إشكاليات أساسية مثل الهوية، و دون أن تتمكن من إشراك الشعب في آليات اتخاذ القرار من خلال مؤسسات ديمقراطية حقيقية و فعّالة. فقد أُخضعت البلاد طيلة هذه المدة، لسلسلة من التجارب والأخطاء التي أوصلتنا إلى المأزق السياسي والاقتصادي الحالي.

إذ تم وضعها في حالة التبعية التامّة للمحروقات التي هي ثروة غير قابلة للتجديد. و ستكون الشهور و السنوات القادمة صعبة جدا عليها بينما لم يعد حكم البلاد مرتكزا على العقلانية و المصلحة العامة، بل على تعلق مرضي بالبقاء في السلطة مهما كلف الأمر و بمصالح فردية.

إنه من واجبنا أن نتصرف في إطار الشرعية القانونية، تجاه الانحراف البطيء الذي يسير بنا رويدا رويدا نحو الكارثة؛ أوفياء في ذلك للمثل العليا التي ضحى من أجلها شهدائنا الأبرار. فقد حان الوقت لأن نعطي لهذه القيم حياة عمليةو فعلية، وذلك في شكل دولة قانون “ديمقراطية و اجتماعية”، طبقا لما جاء في بيان أول نوفمبر 1954.

إلى من يتوجه هذا النداء؟

يتوجه هذا النداء إلى الضمير الجزائري، إلى جميع الشركاء في ملكيةالبيت الجزائري، سواء وجدوا داخل تراب الوطن أو في أي مكان في العالم خارجه، إلى جميع الأجيال من الرجال و النساء، منخرطين كانوا في النشاط السياسي أو الاجتماعي أم لا، عاملين في جميع المؤسسات أو على التقاعد، لكل الفئات الاجتماعية، في كافة الأرجاء و المناطق، لكلّ اللغات و الأديان.

ماهي الثورة المواطنة؟

الثورة المعنوية هي استفاقة للوعي و الضمير، عندما يسير كل شيء عكس ما يجب، عندما نشعر بأننا محاصرون بالأخطار و أننا نسلك الطريق الخطأ، و نتيقن بأنه يجب علينا تغيير اتجاهنا و طريقة رأيتنا للأشياء. أنها استفاقة متزامنة للوعي الجماعي، تُشعرنا حين يحدث ذلك بالحاجة لأن نذهب إلى ما هو أفضل، بأن نبني نموذج حياة يختلف عن ذلك الذي كلّل بالفشل.

الثورة المواطنة هي طريقة العمل و التصرف التي نتبناها لتغيير الأشياء التي نرغب في تغييرها في وضعنا الحالي، بطريقة سلمية. و هذا التناسق في شعور مشترك و موحد، ترافقه حقيقةٌ بديهيةٌ بأن لا أحد يستطيع أن يحدث التغيير بمفرده، و أن هذا الأخير سيكون حتما من صنع أكبر عدد ممكن، و يهدف إلى خير الجميع.

الاستيقاظ و ليس الانتفاض

التحدي الذي يجب أن نرفعه هو أن نعمل على تفادي تعرّض البلاد إلى خطر مأساة جديدة بينما لا تزال ملامح تلك التي عرفناها خلال التسعينيات ظاهرة أمام أعيننا. يجب علينا أن نفتح أعيننا على الواجب الذي ندين به لوطننا، عوض أن ننتظر حتى تصل الكارثة إلى عقر دارنا لننتفض في جو الفوضى و تخريب المرافق العمومية والتعدي على قوى الأمن أو الممتلكات العمومية والخاصة.

يجب على كل واحد منا أن يشرع في العمل انطلاقا من المكان الذي يوجد فيه حاليا، فإنه توجد اليوم وسائل وطرق عمل لا تحتاج إلى اللجوء إلى العنف والإخلال بالنظام العام و المظاهرات في الشوارع و العصيان المدني؛ هذه الوسائل السلمية تتاح لنا اليوم عبر التكنولوجيات الرقمية الحديثة للاتصال: شبكات التواصل الاجتماعي، وسائل الإعلام الرقمية، الفيديو، الرسائل الالكترونية، الهواتف الذكية…إلخ. سوف يمكّننا استعمال هذه الوسائل من أن نعمل معا حتى دون أن نلتقي، دون أن نتعارف و دون أن نجتمع؛ باستعمال طرق شرعية قانونية و ديمقراطية فقط. فعالم اليوم يتيح لنا هذه التقنيات المختلفة لممارسة حقنا في التعبير،و هي أشد فعالية من السلاح أو السرّية أو المنشورات التحريضية ليتسنّى لنا التّعريف بقضيتنا، و ليمكننا إقناع الآخرين بأهميتها و صناعة الحوار و إثارة النقاش حولها.

نستيقظ لفعل ماذا؟

يجب علينا أن نسير معا نحو هدف مشترك و واحد هو أن نقول “لا” للوضعية الحالية، في انتظار أن يحين الوقت الذي نعبر فيه عن ذلك عبر صناديق الاقتراع. الانتخابات الرئاسية المقررة في 2019، أو أن حلت قبل موعدها لسبب أو لآخر، إنما تتيح لنا فرصة تاريخية لأن ننتهي من “النظام” الحالي.و ما تبقى من الوقتليفصلنا عنها هو بالكاد يكفي لإعطاء هذه الثورة السلمية المواطنةحظوظا كافية للنجاح، فما تتطلبه هذه المبادرة ليس أقل مناستبدال نمط تفكير كامل بآخر، حتى يتسنى لنا تغيير “النظام” الحالي بالنهاية إلى دولة القانون.

يجب على كل جزائري و جزائرية أن يتوقف للتفكير مع نفسه، ليُجري امتحانا لضميره و يقول لنفسه: “يجب أن أتوقف عن التفكير كما كنت أفكر في السابق، يجب عليّ أن أفعل شيئا من أجل بلادي و إخوتي… سوف يتبع خطاي و يحذوا حذوي آخرون. سأفعل شيئا لأن الآخر كذلك سيفعل، و سيعود عليّ هذا بالفائدة”

شعور الاستقالة الذي كان يشلّنا حتى الآن، و روح اللامبالاة و السلبية التي تقوقعنا داخلها عندما تبنّينا المقولة الشعبية: “تخطي راسي”، يجب أن تواجهَها و تحلّ محلّها بقوة مقولة شعبية أخرى هي: “راسي و راسك في شاشية واحدة”.

يجب أن نتغلب على قوة الجمود التي تشلّنا لأنها هي المشكلة، و هي العدو، و هي الحاجز أمام تحررنا الذهني والروحي. يجب تحرير الإرادة الجزائرية و تخليصها من الحتمية و روح الاستسلام اللتان تجرهما الشعوذة وعقلية الدوار. يجب على كل واحد منا أن يقوم بعمل تحسيسي جواري في محيطه: داخل عائلته، في حيه، في مكان عمله أو دراسته، في شبكات التواصل الاجتماعي؛ حتى يتعمم الاستيقاظ و العزم على العمل سلميّا لكن فعليا لتغيير أحوالنا و دولتنا.

بماذا نبدأ؟

ميلاد الأمّة التاريخي يحدث في اللحظة التي يلتحم فيها أفرادها و يتحركون نحو هدف مشترك و واحد. فلنركّز في مرحلة أولى على أربعة مبادئ يجب على كل واحد فينا أن ينشرها و يعطي لها أكبر صدى ممكن، بكل ما أتيح له من الوسائل:

لا للجوء إلى طباعة العملة من أجل دفع الرواتب

لا لعهدة خامسة !

لا لخلافة مُرتّبة من فوق !

لا لاستعمال الجيش الوطني الشعبي، الجماعات المحلية، قوى الأمن و العدالة من أجل إطالة عمر سلطة أصبحت فاقدة للشرعية و مضرّة بمصالح الوطن !

يجب على الجزائريين و الجزائريات الذين يريدون بناء جزائر جديدة أن يعلنوا بأن العهد الذي كان يُختار فيه مرشح تتّفق عليه قوى مجهولة و خفية، ثم “تُصادق عليه” بتزوير الانتخابات قد ولّى. فنحن لن نقبل بذلك مستقبلا لأننا بلغنا من النضج ما يمكننا من الاختيار بأنفسنا، من أجل أنفسنا و من أجل أبنائنا.

كلنا مع بعض، و بالاستعانة بكافة الخبرات التي سيتوجب علينا أن نحيط بها أنفسنا عندما يحين الوقت لذلك، سوف نعمل على إيجاد هيكل نظامي يهدف إلى ضمان الشفافية التامة و الصدق الكامل لنتائج الاقتراع .

يجب أن نُشهدَ العالم بأسره على أنه قد بدأ في الجزائر كفاح سلمي من أجل الحرية و الديمقراطية و حرية ممارسة سيادة الشعب، و أنه لن يتوقف قبل أن يصل إلى الأهداف المسطرة له: استرجاع مواطنتنا و كرامتنا.

حماية هذه المبادرة

أفضل طريقة لحماية سرّ، هو أن لا يكون لنا أيّ أسرار. إنّ هذه المبادرة علنية، أهدافها واضحة، و وسائلها و طرقها سلمية و قانونية، و هدفها هو مصلحة الجزائر والجزائريين. إن أردنا حمايتها يجب علينا أن ننشر ما جاء فيها على آلاف الصفحات و المواقع الالكترونية الأخرى.

ما الذي سيتبعها؟

هذا النداء يشكل في حد ذاته مكانا للتجمع. يجب أن نوفر له أكبر و أوسع صدى ممكن و ننشره قدر المستطاع. و هو يعدّ أيضا فضاء للتفكير، لإثراء النقاش و لاقتراح ما يمكن تحضيره من العمل ابتداء من الآن لتحقيق توافق شعبي يمكننا من بناء جزائر جديدة بروح و بمؤسسات متجددة. سوف تتبع هذه المبادرة في المستقبل خطوات أخرى ستحددها تطورات الأحداث في الساحة الوطنية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى