الجزائرالرئيسيةسلايدر

من إضراب بجاية إلى تصريحات شلغوم : مبشرون بالخراب .. ومبشرون بالإنهيار

د . محمد لعقاب

عندما صرحت أطرافا أجنبية أنه بعد سوريا سوف يأتي الدور على الجزائر، تصدت العديد من وسائل الإعلام الجزائرية لهذا التبشير بالخراب القادم من وراء البحار، وردت عليه بشكل يكفي ويشفي.

وكلما نشرت تقارير دولية صورة سيئة عن الجزائر في مختلف المجالات مثل الحريات السياسية والصحفية وقضايا حقوق الإنسان والحريات الدينية أو مسألة تحذير المواطنين في الغرب من زيارة الجزائر إلا للضرورة، تتصدى إليها أيضا وسائل الإعلام الجزائرية وحتى المسؤولين بالتصريحات والبيانات المضادة.

وواضح أن أصحاب التبشير بالخراب يسعون من وراء مثل هذه التقارير والتصريحات إلى تحقيق مكاسب سياسية بتشويه صورة الجزائر من خلال رسم صورة ليست بالضرورة صحيحة بل في معظم الأحيان تكون مشوهة ومضللة ومبالغ في سلبياتها، وتهدف في النهاية إلى تأليب الرأي العام لإدخال الجزائر في متاهات على شاكلة ما يحدث في دول الربيع العربي.

لكن ما يجب التنويه إليه هو أن الكتابات القادمة من الخارج وكذلك التصريحات والتقارير، استندت إلى معلومات سربت لها من الداخل من طرف المبشرين بالخراب الذين لأسباب شخصية أو سياسية يصورون الوضع كارثيا. بيد أن الحقيقة ليست كذلك رغم الصعوبات التي لا يجب إنكارها كانعكاس لأزمة عالمية ناجمة عن تدهور أسعار النفط.

والكتابات والتصريحات في هذا الإتجاه تمس عدة ملفات لتعطي الانطباع للرأي العام الوطني والدولي أن الوضع العام في الجزائر سيء ويمس مختلف القطاعات أو المجالات. ويفهم هذا مثلا من خلال تركيز القنوات الأجنبية العربية والغربية الناطقة بالعربية على ما حدث في بجاية يوم 2 جانفي من مشادات بين قوات مكافحة الشغب وشباب متظاهرين ضد رفع الأسعار.

فعلا أن المشادات وقعت، لكن وسائل الإعلام صورت الوضع على أن بجاية كلها احترقت، وأغفلت الإشارة إلى أن كثيرا من التجار أجبرهم “المبشرون بالخراب” على غلق محلاتهم بالقوة كما صرح به رئيس جمعية التجار والحرفيين الطاهر بولنوار، كما أغفلت وسائل الإعلام الإشارة إلى أن بيان الإضراب دعت إليه أطراف مجهولة، مبشرة بالخراب أو يقف وراءها المبشرون بالخراب.

كما جعلت بعض وسائل الإعلام “شبكات التواصل الاجتماعي” مصدرا للمعلومات والصور، بيد أن أخلاقيات المهنة الصحفية تقضي التأكد من المعلومات المنشورة من طرف مواطنين غير مهنيين وأحيانا مجهولي الهوية، فالهوية الرقمية على شبكات التواصل الاجتماعي قد تكون غير حقيقية. لكن المبشرين بالخراب لا يجدون فيها أي تعارض مع أخلاقيات المهنية إذا كان ذلك يخدم أهدافهم ونواياهم.

وفي سياق ذي صلة نشرت بعض الصحف الجزائرية بتاريخ 2 جانفي الجاري تصريحات تبشر بالانهيار لسكنات 1.2 مليون مواطن جزائري لأنها مبنية على حوافي الأودية. وجاء ذلك على لسان رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم.

وواضح أن قطاع السكن في الجزائر أصبح مستهدفا منذ مدة طويلة من طرف أعداء النجاح، لأن قطاع السكن حقق ما لم يكن في الحسبان، ولأن إنجازات هذا القطاع أصبحت بمثابة صمام الأمان  للدولة الجزائرية، وسد منيع أمام دعاة الخراب والربيع العربي، كان ينبغي استهدافه بمعطيات دعائية تصب في اتجاه زراعة الشك لتحريك الشارع من طرف المبشرين بالانهيار.

هؤلاء روجوا منذ مدة لانهيار الجامع الكبير بحجة ضعف المواصفات التقنية وأن الأرضية التي بني عليها زلزالية، وتلقفت وسائل إعلام فرنسية هذه القضية وسوقتها على نطاق واسع، واتضح لاحقا أن سبب ذلك يرجع لعدم فوز شركة فرنسية بصفقة البناء.

وكرد فعلا رسمي نظمت وزارة السكن زيارة لسفراء العديد من الدول وتأكدوا أن الجامع الكبير بني بطرق تقنية مضادة للزلازل ومتطورة جدا وشرحوا لهم كيف سيتحول هذا الجامع إلى منارة للإسلام الأصيل المتسامح ضد الفكر المتطرف.

وحققت وزارة السكن نجاحا تكتيكيا، حيث سكتت كل الأصوات التي كانت تبشر بانهيار منارة الجامع الكبير. لكن المبشرين بالانهيار لهم أهداف إستراتيجية لذلك لم يفشلوا بعد انهزامهم التكتيكي، وهم دائما يعودون بطرق مختلفة للتبشير بالخراب والانهيار. على شاكلة التبشير بانهيار 1.2 مليون مسكن. وواضح أن خط التسديد هو وزارة السكن، لأنها معنية بشكل مباشر.

وقبلها، وبعد يوم واحد فقط من تدشين المدينة الجديدة، صرح بعض المبشرين بالانهيار أن المدينة بنيت في منطقة زلزالية وأنها ستنهار. وقبل ذلك شنت حملة على سكنات أل بي بي التي بفضلها تمكنت الإطارت الجزائرية من الحصول على سكن قيمته ثلث القيمة لدى المقاولين الخواص، وهذه الكثافة في الهجومات تعني أن هناك تنسيق وليست تصريحات معزولة.

هذه التصريحات المبشرة بالإنهيار يمكن للعارفين دحضها بسهولة، أولا أن الجزائر منطقة زلزالية، ولا يدعي أحد أنه اخترع البارود بهذه التأكيد. ومنذ زلزال بومرداس لعام 2003 أصبحت البنايات الجديدة تبني بتقنية مضادة للزلازل، وإذا شاء الله أن تنهار ستنهار بها أو بدونها، وإذا شاء الله أن تبقى شامخة ستبقى بها أو بدونها.

وبالتالي فإن التبشير بانهيار 1.2 مليون مسكن، تطرح تساؤلات حول المصدر خاصة انه لا توجد جهة محايدة قامت بأي خبرة في هذا المجال ولا توجد أي دراسة متخصصة تم نشرها للرأي العام، ما عدا تصريحات تبشر بالخراب، ولا يختلف هذا الموقف من موقف أحزاب المعارضة المسلحة للنظام السوري التي تتهم بشار الأسد بقتل شعبه بالبراميل المتفجرة.

وتحمل تصريحات عبد الكريم شلغوم مثلا أرقاما مغايرة للأرقام الرسمية، بخصوص 3 ملايين جزائري لم يسو ملفه في إطار قانون التسوية 15/08، ويضع هيئته في موقع مواز لوزارة السكن،  ذلك أن أرقام الوزارة تشير إلى وجود أكثير بقليل من 1 مليون طلب المطابقة على مستوى الوطني، منها 400 ألف طلب خاص بمطابقة سكنات جماعية ونحو 700 ألف طلب فردي، ونحو 20 ألف طلب خاص بالمنشآت العامة مثل المدارس والمصحات والمستشفيات ومقرات شركات وإدارات، وحسب الأرقام الرسمية فإن عدد الملفات التي تم الانتهاء من دراستها بلغ 750000 ملف نهاية 2016، ويجري حاليا دراسة حوالي 230 ألف ملف. فما الذي سيجعل المواطن يصدق شلغوم ويكذب الوزارة الوصية؟

فإن لم يكن ما سبق ذكره تبشير بالخراب ودعوة إليه، فماذا يسمى إذن؟ وكانت هذه نماذج قليلة من عشرات النماذج يمكن ذكرها والتعليق عليها، فهل يتحول المبشرون بالخراب إلى أدوات في يد الأطراف الأجنبية التي بشرت بخراب الجزائر بعد سوريا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى