أراء وتحاليلاتصالالجزائرالرئيسيةسلايدر

من الوزير الأول الفرنسي إلى وزيرة التربية نورية بن غبريط:”إتقان الانجليزية، تعني ضمان المستقبل”

ومن الحكومة الجزائرية إلى ادوارد فيليب:

“إتقان الفرنسية .. إتقان للتبعية”

د. محمد لعقاب

بعد أن ظلت فرنسا لعشرات السنين بمثابة قدوة للمسؤولين الجزائريين، هل يمكن أن يكون الوزير الأول الفرنسي أدوارد فيليب قدوة للوزير الأول أحمد أويحيى أو لوزيرة التربية نورية بن غبريط؟

لقد تابعت باهتمام كبير كيف تعامل مستخدمو شبكات التواصل الإجتماعي في الجزائر وكذا المعالجة الإعلامية للصحف الأجنبية والعربية للدعوة التاريخية التي أطلقها الوزير الأول الفرنسي ادوارد فيليب للفرنسيين يوم 23 فيفري 2018 يدعوهم إلى تعلم اللغة الإنجليزية إذا ارادوا أن يكون لهم مستقبل أفضل وكانة بين الأمم.

وتسائلت مع نفسي: كيف استقبلت نورية بن غبريط هذه الدعوة، وأي مستقبل يريده لنا القائمون على المنظومة التربوية بتمسكهم بالتدريس باللغة الفرنسية بعد اعتراف الحكومة الفرنسية بفشل اللغة الفرنسية في ضمان مستقبل أفضل ومكانة لائقة للفرنسيين في العالم؟

لم يتوقف الوزير الأول الفرنسي عند هذا الحد، بل أكد على تشجيع الحكومة الفرنسة للتلاميذ على تعلم الإنجليزية من خلال تخصيص منحة حكومية للطلبة لتعليمها، للخروج من المرتبة التي يحتلها الطلبة الفرنسيون وهي الثانية بعد الايطاليين كأسوأ المتحدثين بالانجليزية في أوروبا، أي أنها تحتل المرتبة 32 في أوروبا ضمن من يتحدث اللغة الإنجليزية.

وكان رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، واضحا عندما قال: “إن الانجليزية الآن هي اللغة المهيمنة للتفاهم بين الشعوب.. عليك أن تتحدث بالانجليزية إذا أردت أن تتصرف وتتعامل في ظل العولمة.”

وأكد فيليب، أن حكومة بلاده ستجعل الحصول على شهادة دولية معترف بها في اللغة الانجليزية إلزاميا على الطلبة في المرحلة الثانوية أو في المستوى الجامعي مثل شهادة (ايلتس) من جامعة كمبريدج، مضيفا أن الحكومة ستدفع تكلفة إجراء تلك الاختبارات التي تبلغ نحو 230 يورو (282 دولارا.) وقال فيليب “لدي قناعة بأن مثل تلك الإجراءات تحدث تغييرات كبرى.. ستساعد المزيد من الفرنسيين على الخروج وغزو العالم”.

والحقيقة أن إدوارد فيليب قال بصوت مرتفع ما كان الآخرون يقولونه منذ سنوات طويلة، خاصة في المستعمرات الفرنسية القديمة التي يرغب شعوبها في التعلم باللغة الإنجليزية بينما يصر حكامها على تعليم الشعوب باللغة الفرنسية.

لقد أكد فيليب تراجع اللغة الفرنسية في البحث العلمي والتواصل العالمي والتموقع في سوق الشغل، وهو الأمر الذي لم تخفه منظمة الفرنكوفونية بقولها أن الفرنسية تحتل المرتبة الـ 9 في العالم.

لم يخجل الوزير الأول الفرنسي من اعترافه، ومن دعوته، لأنه بحكم موقفه يفكر في مصلحة بلاده وشعبه، فاللغة الإنجليية اليوم هي اللغة الأولى في العالم في مجال العلوم والتشغيل والتواصل حتى على مواقع الانترنت والسياحة.

الذي ينبغي له أن يخجل هو نحن، خاصة حكوماتنا المتعاقبة، وعلى راسهم وزارة التربية الوطنية، التي تصر على تعزيز مكانة الفرنسية في المنظومة التربوية، ووزارة التعليم العالي التي تكوّن في الجامعات العلمية باللغة الفرنسية، وكأننا نكون طلبة لفرنسا وليس لتهيئتهم لأخذ مكانة في خريطة العالم.

نحن ينبغي لنا أن نخجل، لأننا ندرس اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي، وننفق على تعليمها من خزينة الدولة، حتى نساهم في الحفاظ على انتشار اللغة الفرنسية في الجزائر والعالم، حتى المركز الثقافي الفرنسي والمدرسة الفرنسية الدولية كان من المفترض أن يكون التدريس فيها بالمجان أو بمبلغ رمزي بهدف تعزيز اللغة الفرنسية، لكن العكس هو الحاصل يتم ذلك بمبالغ خيالية.

كان يفترض بنا إدخال الإنجليزية في الإبتدائي لأبنائنا من أجل مستقبلهم ومستقبل الجزائر، فماذا بقي لنا بعدما فعلته الحكومة الفرنسية؟ ما ذا تقول بن غبريط وأحمد أويحيى وحتى الطاهر حجار؟

إن فرنسا تريد من أبنائها أن يتعلموا الإنجليزية، ونحن يصر المسؤولون عندنا على التعليم والتحدث بالفرنسية، هل تعلمون لماذا؟ إن الجواب يوجد عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صرح خلال زيارته لتونس مطلع 2018 “أن هذا البلد العربي سيكون خلال سنتين، قاعدة جديدة لتعليم اللغة الفرنسية.” وبالقياس نقول إن فرنسا تريد أن تبقى الجزائر حاضنة للغة الفرنسية لكي تزود فرنسا بالكفاءات المتخرجة من الجامعات باتجاه المستشفيات والمصانع والمؤسسات والشركات الفرنسية، إننا باللغة الفرنسية سنكوّن لغيرنا “خماسين” من أبنائنا، ونحرمهم من الإنفتاح على العالم، إننا نرهن مستقبلهم ومستقبل بلادنا، إننا نكرس تبيعتهم للغة المستعمر التي لا تحتل مكانة لائقة ضمن أهم لغات العالم الحية.

فرغم أنه لا توجد إحصائيات متفق عليها بخصوص عدد المتحدثين باللغات في العالم، إلا أنه في عام 2015 نشرت مواقع الأنترنيت إحصائيات من كتاب “حقائق العالم” الصادر من الاستخبارات الأمريكية و”إنكارتا” وايضاً “إثنولوج” يرتب أفضل 10 لغات في العالم والأكثر انتشارا من حيث عدد المتكلمين بها، جاءت اللغة الألمانية في المرتبة الـ 10 حيث يتكلمها 2.77% من عدد سكان العالم، وجاءت الفرنسية في المرتبة الـ 9، ونسبة المتحدثين بها بلغت 3.05% من سكان العالم، وجاءت الروسية في المرتبة الـ 6 حيث بلعت نسبة المتحدثين بها 3.95%، وجاءت الإسبانية خامسة بنسبة 6.25% من المتحدثين بها عبر العالم. وعادت المرتبة الرابعة لللغة العربية، حيث بلغت نسبة المتحدثين بها 6.6% من سكان العالم، وجاءت الصينية في المرتبة الثانية وتلتها الهندية في المركز الثالث، بينما عادت المرتبة الأولى للغة الإنجليزية، حيث يتكلمها نحو 25 بالمئة من سكان العالم من مختلف الجنسيات، ويتجاوز عددهم 1.8 مليار نسمة. وهي اللغة الرسمية للعديد من البلدان.

في سياق ذي صلة، وفي شهر سبتمبر 2016، قامت شركة بريطانية بتحليل أكثر من مليون وظيفة معروضة في السوق لمعرفة اللغات المطلوبة في مجالات العمل المختلفة في بريطانيا إلى جانب اللغة الإنجليزية، وأي منها تؤدي إلى ارتفاع راتب صاحبها ومركزه الوظيفي أكثر من غيرها، لتخلص إلى تصنيف تسع لغات قالت إن تعلم أي واحدة منها إضافة إلى الإنجليزية يؤدي إلى قفزة في الرواتب.

والمفاجأة التي خلصت إليها الدراسة هي أن اللغة العربية تحتل المرتبة الثانية من بين اللغات التسع المطلوبة عند العمل إلى جانب الإنجليزية، ومن يجيد اللغتين العربية والإنجليزية يدخل في المنافسة على عدد كبير من الوظائف المطلوبة، ويحصل على راتب أعلى بكثير من متوسط الرواتب التي يحصل عليها أقرانه ممن يجيدون الإنجليزية وحدها دون العربية.

وكانت الألمانية هي اللغة الأولى المطلوبة في بريطانيا، وإن متوسط الرواتب المعروضة لمن يجيد اللغتين الإنجليزية والألمانية يبلغ نحو 45 ألف دولار سنويا، بينما يبلغ متوسط راتب من يجيد اللغتين العربية والإنجليزية نحو 44.5 ألف دولار سنويا. وجاءت الفرنسية في المرتبة الثالثة والإسبانية في المرتبة الخامسة.

وحتى المحتوى على شبكة الأنترنيت، وحسب ما نشره موقع روسيا اليوم، فإنه خلال عام 2016 ، جاءت الإنجليزية في المكرتبة الأولى بأكثر من 54 بالمسئة، تلتها الروسية في المرتبة الثانية بنحو 6 بالمئة، وجاءت اللغة الفرنسية في المرتبة السادسة بنحو 4 في المئة.

ماذا يعني هذا بالنسبة لنا كجزائريين؟ الجواب هو أنه إذا أردنا أن نكون جزء من العالم، نساهم فيه ونؤثر فيه ونتأثر به علينا تعلم الإنجليزية، فهي لغة علم وتكنولوجيا ورجال المال والأعمال والتجارة والسياحة والتعارف وتبادل الخبرات.

أما الإصرار على التدريس بالفرنسية فهو في الحقيقة إصرار على التبعية المطلقة لباريس وتكريس نظرية “الجزائر فرنسية” وهي الجدلية التي دفع من أجل التخلص منها آبائنا وأجدادنا ملايين الشهداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى