اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدرسيارات

من سامبول إلى هيونداي… “أكذوبة السيارة الجزائرية”

*بوشوارب هندس لمشاريع وهمية وضحك على الجزائريين

عادل عبد الصمد  

قبل عامين ابتهج الجزائريون مع استقبالهم صور أول مصنع لتركيب السيارات في الجزائر، وكان ذالك في نوفمبر 2014، والتزم المسؤولون حينها بتحويل الجزائر إلى قطب إفريقي في تركيب السيارات، ليكتشف الجزائريون بعدها أن كل تلك الوعود كانت كاذبة، وجاءت قضية مصنع تركيب سيارات “هيونداي” في تيارت، لتثير تساؤلات عن سياسة تركيب السيارات في الجزائر.

مهما كانت نتائج التحقيق التي توصلت لها اللجنة التي أوفدها الوزير الأول للمصنع، فإن اللافت أن الإستراتيجية التي اعتمدها وزير الصناعة كنت عرجاء وتفتقد لنظرة براغماتية تعتمد على تكوين شبكة مناولة قادرة على مرافقة مشاريع التصنيع في الجزائر.

أخلطت قضية مصنع “هيونداي” بتيارت، حسابات وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، الذي ظل طيلة أشهر يدافع عن إستراتجية “عرجاء” يراد من خلالها أن تحول الجزائر إلى قطب ناشئ في تركيب السيارات، متناسيا أن مثل هذه الصناعة تتطلب شبكة مناولة هامة ومئات المؤسسات القوية والتي تمتلك خبرة وتجربة تنشط في صناعة الإكسسوارات والتجهيزات التي تدخل في تركيب السيارات.

فقبل أشهر من الآن، ابتهج الجزائريون وهم يرون صور تدشين مصنع تركيب سيارات “رونو” الفرنسية في وادي تليلات (وهران) حيث صنعت أول سيارة جزائرية “سامبول”، وأعلن حينها عن ميلاد صناعة السيارات السياحية في الجزائر أحد أهم حلقات فروع الميكانيك. ولو بنسبة إدماج أقل ما يقال عنها أنها ضعيفة لا تتجاوز 17 %، ليتضح فيما بعد أن المشروع كان ذرا للرماد في العيون، ولم تتمكن الشركة التي حصلت على مزايا في طبق من ذهب دون أي مقابل، من تلبية عشرات الطلبات التي تكدست عند وكلاء الماركة الفرنسية.

واللافت أن المصنع اضطر للتوقف عدة أسابيع بسبب عدم شحن “السيارات المستوردة” بفعل عاصفة بحرية ضربت سواحل المنطقة الغربية العام الماضي، وكان يكفي لرياح بحرية أن توقف صناعة أريد لها أن تكون واجهة التحول الاقتصادي الجديد الذي يبعد الجزائر عن الريع النفطي ويدخلها في حلقة كبار الدول الصناعية الناشئة.

كانت هذه الحادثة أول نكسة أصابت وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب الذي وضع منذ البداية سياسة “غربية” اعتمدت على كسر الوكلاء التقليديين للماركات ومنح تلك الشركات لأشخاص جدد وهم ما تم فعلا مع المصنع الكوري الجنوبي “هيونداي” الذي اضطر لتغيير وكيله في الجزائر بسبب أمور لا علاقة لها بالربحية والسوق، بل لاعتبارات سياسية، وكان على الشريك الجديد الإسراع في إقامة مصنع لإنتاج السيارات التي تحمل علامة “هيونداي” لقطع الطريق أمام الوكيل السابق للمجمع الكوري، ومنعه من استعادة العلامة نهائيا.

ونفس الأمر وقع مع وكلاء آخرين على غرار ممثل شركة فورد وايسيزو وشركات أخرى اضطرت لتغيير ممثلها لاعتبارات خارجة عن السوق، ونجا من المقصلة “سوفاك” وكيل شركة فولكسفاغن الذي حاز على ثقة الألمان ودعمهم، وفشلت عدة محاولات لاستبعاده من إقامة مشروع تركيب السيارات الألمانية في الجزائر، وكان بارزا غياب مالك “سوفاك” عن الوفد الذي رافق عبد المالك سلال إلى ألمانيا، لمناقشة المشروع” وتفاجأ الوفد الحكومي بحضور المعني مع الوفد الألماني، الذي أرسلوا إشارة واضحة انه لا تلاعب مع الألمان، واضطر الوفد الجزائري ولو على مضض على قبول ما يريده الألمان.

 

صراع بين بوشوارب وسلال … ؟

فجرت قضية مصنع طحكوت، جدلا أخر بشأن الطرف الذي يدير ملف صناعة السيارات في الجزائر، وكان تصريح الوزير مثيرا للانتباه، حيث قال “انه أوفد من قبل لجنة تحقيق للمصنع وأعطت تلك الزيارة نتائج ايجابية”… أي بعبارة أخرى لم تلاحظ اللجنة المشاهد التي تناقلتها الصور التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقف التواصل الاجتماعي و وجهت ضربة قاضية للصورة التي رسمها وزير الصناعة حول سياسته الصناعية.

هذا التحقيق الذي قامت به وزارة الصناعة لم يكن كافيا لإقناع الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي قرر بدوره إيفاد لجنة أخرى للنظر في القضية، وتردد بأن اللجنة المكونة من 20 عضوا يمثلون 3 قطاعات وزارية مختلطة وكلها معنية بالموضوع، قد عاينت مسار تركيب سيارات هيونداي، بداية من وصول قطع الغيار عبر الميناء وصول إلى خروج السيارات مركبة بشكل نهائي عبر المصنع.

ولحفظ ماء الوجه وجهت لجنة التحقيق بعد انتهاء عملها تهنئة للعاملين في مصنع هونداي تيارت، بعدما جرى التأكد والتثبت من أن المصنع يقوم بالفعل بتركيب سيارات وفق شروط الجودة العالمية، وحسب ما ينص عليه دفتر الشروط، هذا الدفتر الذي يقال بأنه وضع على المقاس. وقد اقتنع الجميع بان الحكومة لن تقوم بجلد نفسها ولن تتجرأ على معاقبة نفسها وهي التي تبجحت بسياستها “الحكيمة” في إدارة تراخيص الاستثمار ومنح المزايا والتكريمات، وكان من المجدي للجنة أن تقوم بزيارة مماثلة لموقع “هيونداي” في كوريا الجنوبية لتتأكد من جاهزية مصنع تيارت لتركيب السيارات.

الصراع الدائر بين الوزير الأول و وزيره للصناعة، لم يعد خافيا على أحد، بل تفجر للعلن بعد إعلان تنصيب لجنة اليقظة المكلفة بمتابعة وتطوير الاستثمارات، تحت سلطة الوزير الأول، تتولى مهام متابعة عمليات الاستثمار واقتراح كل الوسائل والسبل الممكنة لتطوير عملية الاستثمار، وكذا استباق كل العراقيل التي يمكنها أن تواجه السياسة الوطنية للاستثمار على أن تكون اللجنة تفاعلية من اجل اقتراح الحلول والعمليات التسهيلية، وهي في الأصل مهمة منوطة بوزارة الصناعة والوكالة الوطنية لترقية الاستثمارات.

 

صناعة السيارات دون مناولة… المفارقة الجزائرية

الإستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة منذ البداية، كانت وفي نظر كل المتتبعين عرجاء وغير صالحة، فهي وضعت العربة قبل العجلة، فلم يكن من المعقول إنشاء صناعية للسيارات، قبل تشجيع مجال المناولة الذي يعد العصب الحقيقي لصناعة السيارات في العالم، ولكن الحكومة لم تستمع لأراء الخبراء، وكان همها الوحيد البهرجة “الإعلامية” وتسويق الجزائر على أنها القطب الجديد لصناعة السيارات في شمال إفريقيا.

وكان بارزا التصريحات الذي أدلى بها مؤخرا الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للسيارات الصناعية مختار شهبوب، خلال تدخله بمنتدى الصناعة الجزائرية، والذي اعتبر أن خيار السلطات الجزائرية المتعلق بتشجيع صناعة تركيب السيارات يقيد من تدخل 200 مؤسسة صغيرة ومتوسطة التي تنشط في هذا الميدان”، لذلك أوصى بالانتقال السريع إلى مرحلة أخرى أي صناعة سيارات تضمن نسبة اندماج كبيرة.

وقال المتحدث أن المشاريع المجسدة في الجزائر لا تملك برنامجا واعدا للتطوير الاقتصادي على المدى البعيد، خاصة في مجال المناولة، قائلا: ”لا يمكن الحديث عن صناعة حقيقية للسيارات آفاق سنة 2020 وإنتاج للمركبات دون تفعيل شبكة المناولة وقطع الغيار محليا، وأدعو لفرض ذلك على الوكلاء الذين يجسدون مصانعهم في الجزائر، فلا يوجد أي مصنّع قام بمبادرة في هذا الشأن”.

واعتبر شهبوب أن شبكة المناولة موجودة في الجزائر لكنها غير مفعلة، داعيا إلى سن إجراءات تضمن حماية وتطوير الاقتصاد الوطني على المدى البعيد وليس الاكتفاء بحلول ظرفية، معيبا على مصنعي السيارات الأجانب بأنهم لا ينقلون التكنولوجيا والمعرفة إلى الجزائر، مقترحا طرح فرع تكويني على مستوى الجامعات في مهن السيارات للاستعانة بالمؤهلات البشرية المحلية.

 

مصانع للتركيب أم غطاء للاستيراد؟

ويعتقد كثيرون بأن قضية طحكوت كانت بمثابة الشجرة التي غطت الغابة، فكثيرون كانوا قد حذروا الحكومة من الاستمرار في تلك السياسة التي تمنح المجال لماركات السيارات العالمية من تجاوز العراقيل التي وضعتها الحكومة في مجال الاستيراد، من خلال استيراد سيارات شبه جاهزة وتسويقها على أساس أنها جزائرية، وهي في الحقيقة لا تملك من الجزائر إلا الاسم.

وانتقد عديد الخبراء الإستراتيجية المعتمدة في مجال الصناعة الميكانيكية، وخاصة السيارات السياحية، والتي منحت للشركات العالمية طريقة سهلة، لاستيراد السيارات خارج نظام الحصص وبإعفاءات جبائية وامتيازات جديدة، وأكدوا أن التقنية المستعملة في تركيب السيارات التي تسمى بـ “أس كا دي” لا تعدو أن تكون وسيلة اخترعها مصنعو السيارات لتسويق منتجاتهم مقابل استثمارات جد ضئيلة وربح كبير.

 

  • ملاحظة: الموضوع صدر في الجزائر اليوم  بتاريخ 29 مارس 2017 (قبل خروج بوشوارب وسلال من الحكومة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى