أراء وتحاليلاتصالاقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر

هل أجور المهندسين في سوناطراك فعلا مرتفعة؟  

د. بغداد مندوش*

قبل بضعة أسابيع، صرح الرئيس المدير العام لمجموعة سوناطراك، ​​أنه في عام 2019 سيعمل على زيادة الرواتب في سوناطراك من أجل وقف النزيف الدائم والمستمر للمهارات والكفاءات نحو شركات النفط الأجنبية العاملة في الجزائر أو في شركات الخليج العربي بشكل رئيسي.

وكشف مدير الموارد البشرية بمجموعة سوناطراك، عن رقم مذهل لـ 16000 إطار تركوا المجموعة في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك أساسًا إلى ضعف الرواتب التي يتقاضونها والتي تعتبر مضحكة مقارنة بنظرائهم في شركات النفط الأخرى بما في ذلك بإفريقيا.

حقيقة، إن متوسط ​​الرواتب في سوناطراك، أعلى من متوسط ​​الرواتب الوطنية في القطاعين العام والخاص، ولكن الأصح هو إجراء المقارنة فيما يتعلق بقطاع النشاط، وليس بمتوسط ​​وطني لجميع القطاعات مجتمعة.

على سبيل المثال، راتب مهندس في مجموعة توتال، أكثر بكثير من نفس المهندس لدى شركة سيوز أو فرانس تليكوم.

لقد شهدت سوناطراك، العديد من أنظمة الأجور منذ إنشائها . وتم وضع أول نظام للأجور حوالي 1965/1966 من طرف مكاتب الدراسات الأمريكية  Boose Allen و mac kinsey اللذان قاما بوضع نظام العمل والتنظيم، والذي يقوم أساسا على الشهادة والخبرة المهنية من جهة، والانتماء إلى التخصصات التقنية، الأكثر اعتبارا مقارنة بالهيئة الإدارية من ناحية أخرى، من خلال صيغة (H+2P/3) (ويعني H الشهادة المتحصل عليها، و P تعني المنصب المشغول، ولكل منهما مجموعة من النقاط، حيث كانت الشهادة في ذلك التاريخ تعادل نقاط أكثر بالنسبة للمنصب الذي يتم شغله).  ثم جاء في 1970 الإطار العام للعمال (SGT 5) الذي قام بقلب القواعد السابقة رأسا على عقب، ومنح الأفضلية للمنصب على حساب قيمة الشهادة.

هذا ما أدى تدريجيا إلى تخفيض قيمة التخصصات التقنية لصالح الوظائف الإدارية.

منذ عام 2002، ومع تحسن أسعار البرميل الذي بدأ في الصعود، بدأت شركات النفط الدولية في توظيف مهندسين في تخصصات نشاطات المنبع (الإنتاج، التنقيب) ليبدأ نزيف الإطارات من مجموعة سوناطراك.

في ذلك الوقت، قرر الوزير المسؤول عن القطاع، شكيب خليل، وقف النزيف من خلال زيادة الأجور وفقاً لنظام الأجور المتوافق مع ماهو مستخدم في شركات النفط الدولية.

ومن ثم، فقد أوكلت دراسة إلى مكتب ibm ​​towers perrin الذي كان من المقرر أيضًا أن يقوم بإعادة صياغة إجراءات سوناطراك في المجال، والتي اعتبرت بيروقراطية للغاية، وهذا من أجل تحسين التنظيم ورفع الكفاءة.

واستمر هذا العمل حتى عام 2007 وقدرت تكلفته ما بين 8 إلى 10 ملايين يورو (لم يتم كشف المبلغ الدقيق للرأي العام) وتم وضع نظام جديد للأجور (NSR) كان هدفه:

– وقف نزيف المهارات،

– تثمين المهن الأساسية لسوناطراك ،

– ضمان تحقيق الأهداف الإستراتيجية لسوناطراك من خلال تعزيز لحمة النواة الصلبة لمجموعة سوناطراك من المهندسين والتقنين في مهن المحروقات.

وكانت الإضافة الرئيسية لهذا النظام الجديد، هي أن الأجور تتكون من جزء ثابت مرتبط بالمنصب الذي يتم شغله ومساهمته في خلق القيمة المضافة، وجزء متغير يرتبط بالأهداف السنوية للمجموعة بمعايير قابلة للقياس الكمي ومؤشرات الأداء بالأرقام، شفافة وغير مشكوك فيها.

المعلومات التي أعطيت للمجموعة في ذلك الوقت سمحت ببعض الهدوء ووقف نزيف الإطارات والكوادر من المجموعة نحو شركات نفطية منافسة، حيث أن هذا النظام قد أعطى الكثير من الأمل للمهارات.

لسوء الحظ، الحكومة التي كانت في ذلك الوقت ولمواجهة الإضرابات في قطاع التربية بسبب قضية الأجور، رأت أن الوقت غير مناسب لتنفيذ الزيادات في قطاع المحروقات على النحو المحدد من قبل مكتب الدراسات الأمريكي.

وكانت النتيجة هيمنة الإداريين في سوناطراك الذين رأوا أن مصالحهم قد تتضرر، ليعود السخط بشكل غير مسبوق في أوساط الكفاءات والمهارات التقنية ويعود النزيف الذي لم يتوقف حتى الآن.

للحصول على فكرة، عن رواتب سوناطراك، فإن مهندس مشرف على أعمال الحفر، باكالوريا + 05 سنوات تكوين وأكثر من 20 عاما من الخبرة، يحصل على أجر في الجنوب مع جميع المنح، يتراوح بين 180000 و200000 دج، في حين يحصل نفس المهندس في دول الخليج على راتب يتراوح بين 16000 و18000 دولار وفيلا مفروشة وتمدرس لأطفاله في مدارس بريطانية أو فرنسية مع تذاكر طيران سنوية ذهاب إياب لأسرته على الوجهة التي يختار.

متخصص في التداول (trader) بالقسم التجاري بالمديرية العامة بحيدرة بالعاصمة الجزائر، بكالوريا + 5 سنوات دراسة، وخبرة 10 سنوات يتراوح أجره ما بين 90000 و110000 دج فيما يحصل نفس المتخصص بنفس الخبرة في شركة خليجية على أجر يتراوح بين 11000 و14000 دولار، بنفس المزايا المذكور سابقا.

في نهاية المطاف، فإن المهندسين في مجموعة سوناطراك، لا يطالبون بنفس الأجور التي تمنح لنظرائهم في الشركات النفطية في الخليج، ولكن على الأقل تحسينها وردم جزء من الهوة الشاسعة بين ما يحصلون عليه مقارنة بنظرائهم في الخليج ودول أخرى، وخاصة وقف المقارنات بينهم وبين أجور قطاعات نشاط أخرى في الجزائر.

يحصل عمال قطاع المالية و التأمينات على أجور مقاربة لأجور عمال سوناطراك، ومع ذلك فإن هذه الحقيقة لا تصدم أحد، ولكن الجميع يستغرب كيف يحصل عمال اكبر شركة في القارة الإفريقية تضمن للبلاد 98 % من مداخيل العملية الصعبة، و70% من إجمالي الجباية، وفضلا عن ذلك لا تطلب مجموعة سوناطراك أي مساعدة من الدولة.

على سبيل المثال، عندما تتوقف حفارة، لمدة 24 ساعة لعدم وجود مهندسين، هذا يؤدي إلى خسارة 000 300 $ .

لتتعاقد سوناطراك مع شركات خدمات بترولية أجنبية بسبب نقص مهندسين في الحفر، يتطلب عليها دفع تكاليف تتراوح بين 8-10 مرات، التكاليف الذاتية. عندما يعطي الرئيس المدير العام لسوناطراك أجور أحسن لهذه الفئة، فهو في الحقيقة سيقتصد المال الكثير لسوناطراك وللبلاد بشكل عام.

 

* خبير بترولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى