الجزائر

هل تمكن بوتفليقة من تفكيك “العلبة السوداء” بعد 16 سنة من الحكم ؟

عبد الوهاب بوكروح

عندما وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم في العام 1999، ظل يردد أنه لن يقبل بأن يكون ثلاث أرباع رئيس، في إشارة من الرجل لعدم قبوله بتدخل المؤسسة العسكرية(أو بالأحرى بعض جنرالاتها) في عمله مهددا مرات عديدة بالدخول إلى بيته.

بوتفليقة الذي تراوحت رسائله بين التلميح والافصاح، انتظر طويلا وطويلا جدا، قبل أن يحسم المعركة وينهي نفوذ “العلبة السوداء” التي هيمنت على “البلاد والعباد” منذ العام 1962.

لم تكن الطريق مفروشة بالورود، ووصلت حدة المقاومة الشرسة إلى إشعال منطقة القبائل والزحف على العاصمة في 14 جوان 2001. وكانت الحصيلة 115 قتيل ومئات الجرحى وحرق العديد من المؤسسات الحكومية وطرد جهاز الدرك من تيزي وزو لسنوات عديدة.

فهم بوتفليقة الرسالة جيدا وامتنع عن الرد، مفضلا ممارسة كل أساليب المهادنة من منطلق المعرفة الراسخة لديه بأن بعض جنرالات الجيش، مستعدين لقبول كل شيء إلا العودة إلى “الثكنات”.

رسميا.. العسكر في الجزائر لا يمارس السياسة، ولكنه فعليا يمارسها حتى النخاع.

فهو من يعتمد الأحزاب ينظم الانتخابات ويشرف على النتائج ويعين رؤساء الشركات وله في كل شركة ووزارة ودائرة وولاية وفي كل جمعية وحزب سياسي ممثل وله جرائد، وأكثر من ذلك فهو من يصنع الرؤساء.

هذه الوضعية لم تكن طبيعية في نظر الرئيس بوتفليقة، الذي انتقد تدخل بعض العسكريين في التجارة الخارجية خلال عهدته الأولى، وشرع في إزاحة من استطاع إليه سبيلا من “صقور” المؤسسة وإبعادهم إلى التقاعد على غرار الراحل إبراهيم فوضيل شريف القائد الأسبق للناحية العسكرية الأولى، وأحد الفاعلين خلال الحرب على الإرهاب والذراع الصاربة للفريق محمد العماري، ثم والجنرال محمد تواتي الذي عين لسنوات طويلة مستشارا في رئاسة الجمهورية، كما تقاعد الراحل الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش بعد فوز الرئيس بوتفليقة بولاية راسية ثانية، في ما يمثل اعتراف من الرجل بالهزيمة وهو الذي يكون قد دعم على بن فليس في سباق الرئاسة.

خلال الولاية الرئاسية الثانية لبوتفليقة، لم يتوقف عن كسب مساحات مهمة في حربه الخفية مع جنرالات المؤسسة العسكرية، واعتبر يومها إبعاد العربي بلخير إلى سفارة الجزائر في الرباط بمثابة أكبر نصر يحققه الرجل منذ وصوله إلى الحكم. فبلخير لم يكن مجرد جنرال، ولكن “الكاردينال” كان صانع الرؤساء بحق وكان “القطعة الأم في العلبة السوداء” التي تراقب كل صغيرة وكبيرة في الجزائر من السياسة إلى الاقتصاد إلى التجارة الخارجية إلى قوت الجزائريين. فبلخير كان في مرحلة من مراحل الجزائر يكاد يكون كل شيء، بحكم علاقته القوية بدوائر صنع القرار في باريس، ما جعله صاحب الكلمة العليا على كل الضباط في المؤسسة وبخاصة ما يعرف بالحرس القديم.

تعديل الدستور

“حبات العقد” واصلت السقوط، ولكن هذه المرة بقضاء الله وقدره، بالنسبة للجنرال إسماعيل لعماري، مفاوض “الجيش الإسلامي للإنقاذ” الذي وافته المنية ذات جويلية من العام 2007.

وبحلول أكتوبر 2008 لم يجد من تبقى من الجنرالات من بد سوى “الاستسلام” على مضض لإرادة الرئيس في تعديل الدستور وإلغاء المادة 74 المحددة للعهد الرئاسية. وأفسح التعديل المجال أمام الرئيس للترشح لولاية ثالثة وبالتالي إسقاط أي أمل في إبعاده من السلطة.

الصراع بين بعض جنرالات المؤسسة العسكرية والرئيس بوتفليقة لم يعترف به يوما في تاريخ الجزائر بشكل علني على اعتبار أن الاعتراف به يمثل انحراف غير مسبوق، بالنظر إلى أن الرئيس هو وزير الدفاع، ومعروف أن نظام الخدمة في الجيش، يعاقب على عدم احترام القرارات الذي يفهم في حال وجوده انه تمرد على القيادة، ومع ذلك ظل العديد من صقور المؤسسة لا يحتملون نجاح الرئيس بوتفليقة المدني في كسب معركة تلو الأخرى بعد أن انتهج استراتجيية احتواء مزدوج للعسكر من خلال تعزيز دور جهاز الشرطة وأعطاه من القوة العديدة والعتاد والجاهزية ما يمكن اعتباره بمثابة قوة ثانية تفوق في عديدها وعتادها جيوش بعض الدول في القارة الإفريقية.

في العهدة الثالثة نجح الرئيس بوتفليقة في تعيين الفريق احمد قايد صالح نائبا لوزير الدفاع فضلا عن شغله لمنصب رئيس أركان الجيش منذ 2006، لكن مرض الرئيس بوتفليقة ورحلته علاجه في باريس الطويلة أعادت بعض الأطماع في قرب مرحلة حكمه.

بوتفليقة العائد من باريس شرع في إعادة هيكلة شاملة لجهاز المخابرات، وبموجب العملية تم إلحاق المديريات التي كانت تتبع الفريق مدين باللواء قايد صالح وفهمت الرسالة جيدا..أنها المرحلة النهائية من عملية تحييد الفريق توفيق.

 

“نبوءة” سعداني  

ما كان يردد في السر، أصبح على كل لسان بخروج الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني في عديد المناسبات وبداية حديثة عن تمدين الحكم وأن الدستور القادم سيعيد العسكر للثكنة للقيام بمهامه الدستورية.

وقال قطاع واسع من الجزائريين أن عمار سعداني “أصيب في عقله”، ولم يصدق الكثيرون ما سمعته أذانهم. ووصل بالبعض إلى كيل التهم والشتائم والسباب للامين العام للحزب العتيد، ومنهم من توجه إليه ناصحا إياه “أن أستغفر لذنبك”.

قال “سي” الشيء الكثير، فالرجل لم يسبقه أحد لطرح بعض الاسئلة التي كانت من المحرمات، على غرار مقتل الرئيس الأسبق محمد بوضياف ولماذا لم تقدم الحقيقية للشعب الجزائري؟

تأكدت نبوءة سعداني، وأصبحت في حكم اليقين، باعتقال الفريق عبد القادر آيت وعرابي، في أوت الفارط وسجنه بالبليدة.

وبعد إحالة الفريق توفيق على التقاعد في سبتمبر الفارط، نقل ايت اوعرابي إلى وهران وعرض على المحكمة العسكرية للناحية العسكرية الثانية التي اذانته بـ5 اعوام سجن، وبالكاد هضم المقربون من الفريق توفيق الأمر، ودفع الحكم المقربين من الفريق توفيق، مدنيين وعسكر، إلى التعبير من تململهم بداية من لويزة حنون وصولا إلى الجنرال نزار، وأخير الفريق توفيق شخصيا، ولكن تحرك الجميع جاء متأخرا وسبقهم وزير الدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسجلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي تمكن أخيرا وبعد جهد جهيد، من إدخال العسكر إلى ثكناته للقيام بدوره الدستوري، أما من يريد السياسة “فعليه تأسيس حزب” على رواية عمار سعداني، وبذلك يكون الرئيس بوتفليقة قد اقفل نهائيا معركة دامت 16 عاما، من محاولات افتكاك الحكم من يد العسكر في انتظار دسترة خطوته في الدستور القادم الذي سيطرحه على الشعب مطلع العام 2016.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى