هل سيُعَوَّل على الآفلان في إنقاذ البلاد وبعث الأمل من جديد؟
بعد الحركة التصحيحية الأخيرة: هل سيُعَوَّل على الآفلان في إنقاذ البلاد وبعث الأمل من جديد؟
بقلم: عبد القادر بودرامة*
*باحث في علوم الاتصال
Boudramaa@yahoo.fr
يبدو أن “زمن التفاعل الاجتماعي”، حسب تعبير مالك بن نبي، قد حان؛ حيث و في ساعة زمن خاطفة تغيرت دواليب الحزب الحاكم والعتيد في الجزائر؛ و خلال أيام قليلة حدث ما لم يكن متوقعا ربما حتى قبل حدود سنة 2034! تَنحَّى أو نُحِّي ولد عباس, وحُلّت هيئات الحزب بأسمائها الثقيلة: المكتب السياسي وضمنه بومهدي الذي ظل إلى وقت متأخر يفند الخبر إما مناورة أو ذهولا… واللجنة المركزية وفيها من فيها من وزراء وكبراء متنفذين… وبرز إلى الساحة وعلى رأس الحزب شاب لا يضاهي بروزَه هذا إلا بروزُه قبل أسابيع قليلة على رأس البرلمان خلفا لبوحجة العميد هو الآخر. حدث كل ذلك فجأة وبسرعة، جعلت الكل يراقب المشهد ويتفرج, وكأنها فصول مسرحية سياسية حيكت بخيال كاتب ضليع في القصص المخابراتية، بحيث يجعلك تتابع وتترقب بشوق كل مشهد دونما قدرة على تكهن ما سيحدث في المشهد التالي, فضلا عن استشراف النهاية أو على الأقل بعض ملامحها العامة!
وإذا كان كل ذلك الذي حدث مهما على اعتبار أنه كسر الرتابة التي طبعت الساحة السياسية طيلة الأعوام الأخيرة, فلا شك أن الأهم منه هو ما وراء هذا الحدث, وكيف يمكن أن يستغل في الاتجاه الإيجابي الذي يخدم ليس مصلحة الحزب فقط, بل و مصلحة البلاد جميعا ؟! بدءا بإرجاع الأمل في التغيير والثقة في آلياته ووسائله السياسية من أحزاب وسلطة وشخصيات, وانتقالا إلى ترجمة ذلك في حراك سياسي جديد، يخرج بالممارسة السياسية من دائرة الجمود والتكرار واللافعالية إلى دائرة الفعل الرصين والعمل الرزين والفعالية الأكيدة.
إن هذا “الأهم” بلا ريب يقع حتما على عاتق الهيئة المسيرة للحزب وعلى رأسها السيد معاذ بوشارب منسقها العام ورئيس البرلمان في آن واحد. ولقد تجمع في أيديهم ما تفرق لدى غيرهم من قبلهم, وتبدو جميع الظروف مواتية لهم. فهل سيستطيعون إحداث نقلة نوعية في الساحة السياسية الوطنية تُرجع الأمل للعباد وتؤدي إلى إنقاذ البلاد؟! لن يكون ذلك سهلا ولكنه ليس مستحيلا, بل إن جميع المؤشرات تدل على إمكانية تحقيقه، من توفر الإمكانات المناسبة والإرادات (جمع إرادة) اللازمة, شريطة الانطلاق من قاعدة صلبة وأساس متين من التشخيص والتخطيط والتنفيذ.
يمكن أن نُجمل أهم ما ينبغي القيام به في هذا الصدد، مما يقع على عاتق بوشارب ورفاقه، في النقاط التالية:
أولا: القيام بتشخيص دقيق للوضع من خلال:
دراسة البيئة الداخلية ( داخل الحزب): بتحديد نقاط القوة ونقاط الضعف, وما هي أهم المتغيرات وكيف يمكن التحكم فيها. ويدخل ضمن هذا البعد: حالة الحزب الراهنة من حيث هياكله ورجالاته ومواقعه, وآفاق الحزب القريبة، ومواعيده على المدى القريب والمدى المتوسط.
دراسة البيئة الخارجية ( البلاد عموما): بتحديد الفرص المتاحة وكيف يمكن الاستفادة منها والتحديات والعقبات المعترضة وكيف يمكن تطويعها. ويدخل ضمن هذا البعد: علاقة الحزب بدوائر صنع القرار وبالأحزاب السياسية المختلفة، ثوابت سياسة الحزب ومتغيراتها وإمكانية الانتقال فيما بينها…
دراسة البيئة الإقليمية والدولية: بتحديد الرهانات، وتحليل العلاقات، ضمن سُلّم دقيق لترتيب المصالح وموازنتها، وتمييز المفاسد والموازنة بينها, جَذْبًا لخير الخيرين ودفعًا لشرّ الشّرَّين. ويدخل ضمن هذا البعد: تحليل سياسة اللوبيات الخارجية تجاه الجزائر، وتحليل علاقات الجوار والعلاقات الخارجية ضمن مبدأ المصلحة والتعاون في هذا الإطار.
ثانيا: الانطلاق مباشرة في تأسيس صورة نمطية جديدة للحزب, تعتمد على قانون الجذب (la loi d’attraction)، بغية التخلص من الصورة النمطية التراكمية التي ميزت الحزب منذ بدء التعددية الحزبية بكيفية سلبية تصاعدية، وبغية إرساء (وبسرعة) صورة إيجابية قوية تحل محلها في ظرف وجيز, إذْ عامل الزمن مهم وحاسم هنا.
إن الصورة المناسبة والجدير بها حزب جبهة التحرير الوطني هي: ذلك الحزب الكبير الجامع للطاقات، المفتوح على أفراد الشعب، الخادم لمصالحهم ومصالح بلادهم، الديمقراطي الممارس للديمقراطية داخله وخارجه، الضامن والمحافظ على الثوابت والهوية الوطنية، الحاكم للبلاد من غير استئثار أو إقصاء, الساعي دوما إلى تحقيق الأمن والرخاء والازدهار…
بعض الآليات المناسبة لتحقيق ذلك:
المصارحة والمكاشفة داخل أطر الحزب وخارجها, وممارسة النقد الذاتي والابتعاد عن الديماغوجية ولغة الخشب.
تبَنِّي خطاب إعلامي هادئ ورزين، ويعتمد على الصدق والوضوح، ويتبنى الأوتار الإقناعية المناسبة للحدث والزمن. خطاب يبشر ولا ينفر، ويجمع ولا يفرق، ويوَحّد ولا يفتت, ويؤلف ولا يُفَتِّن…
تبنِّي سياسة التجميع للطاقات البشرية وتثمينها، وفق معايير الكفاءة والولاء للوطن لا للأشخاص.
ويجدر في هذا الصدد صياغة “إطار مرجعي لمعايير الممارسة السياسية المطلوبة” وكذا التحرر من معيار أقدمية التواجد في الحزب، واستبداله بمعيار الخبرة والخدمة المجتمعية.
تبني سياسة التقارب والتعاون مع الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى، والبحث دائما عن نقاط التوافق، فتكون الجبهة فضاء لتوحيد الجهود خدمة للصالح العام، وفق القاعدة الذهبية “نعمل فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”. وإذا كانت الجزائر هي من أسس لليوم العالمي للعيش معا في سلام ضمن هيئة الأمم المتحدة، فمن باب أولى أن يُمَارَس هذا التعايش بين أبنائها، وأن يكون حزبها الحاكم هو من يسعى ويحرص على ذلك.
إن القدر قد وضع هذه النخبة الشابة الجديدة في طليعة الجبهة والبلاد، وبيدها وحدها (بعون الله) أن تجعل منه قدر خير لها ولحزبها ولوطنها. وهي إن كانت تملك الإرادة الكافية، لا بد أن يستجيب القدر!