الجزائر

وثيقة / رسالة الرئيس بوتفليقة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة

بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة برسالة بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة المصادف للثامن من مارس, فيما يلي نصها كاملا:

بسم الله الرحمن الرحيم  والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم  الدين.

سيداتي الفضليات,

تحتفل شعوب المعمورة كل عام في هذا التاريخ بالعيد العالمي للمرأة كحدث بارز ومميز, ويحييه الشعب الجزائري هذا اليوم على وقع تحولات كبيرة تعرفها بلادنا, أسهمت فيها المرأة على كافة الصعد بجهد مادي ومعنوي مرموق.

وقد حرصت على مدى السنين الماضية على مشاركة المرأة عيدها الذي هو عيد الشعب الجزائري كله, تقديرا للمرأة الجزائرية التي ساهمت بكل جدارة في استرجاع حرية وسيادة بلادنا, و حرصا مني كذلك على العمل الدؤوب لمحو تدريجيا كل مخلفات عهد الإستعمار الظالم والظلامي التي لا تسلم منها المرأة وحقوقها.

و بالفعل, إذا كان من الصعوبة بما كان اختراق هذا التراكم و كذا تغيير الذهنيات والتعاملات التي عطلت تطور المجتمع في تكامله بين الرجل والمرأة, ودرجت على المفاضلة بينهما, فإننا دأبنا منذ أعوام على العمل الرصين والهادئ من أجل إصلاح هذا الوضع و إعادة  التوازن للمجتمع, حتى ينهض بكل أطيافه وفئاته لا تمييز فيه بين الجنسين, إلا بالكفاءة وما حددته مراجعنا الروحية.

 

أيتها  السيدات الفضليات,

 

إنه من نافلة القول من وجهة دينية محضة أن الإسلام السمح, عقيدة وفقها, نصا وروحا, نقلا وعقلا, قد حرص على تكريم الإنسان ذكرا وأنثى, وعلى تحرره, وصيانة كرامته, وإثبات حقوقه المادية والمعنوية, وهيأه لأن يكون خير خليفة على الأرض.

بالفعل, إذا كان الكثير من القوانين الوضعية والإجتهادات الإنسانية قد تطورت عبر التاريخ سعيا منها إلى استكمال منظومة قيم متكاملة لرأب الصدع التاريخي و المضي في طريق الرقي والتقدم, الأمر الذي أعاد للمرأة بعضا من حقوقها ومكن لها في الحياة من أن تؤدي رسالتها بجانب الرجل دون مفاضلة أو تمييز, فإننا في الحقيقة ودون مبالغة نجد في ديننا الحنيف وسنة نبينا المطهرة وسيرة السلف الصالح وعلمائنا المتنورين مجالا أرحب لإكرام المرأة وتمكينها من حقوقها كاملة.

ومن ثمة, لا يحق للبعض أن يحاول نسب الإنحرافات و التخلفات التي توجد في العديد من المجتمعات بما في ذلك مجتمعنا, مع الأسف, إلى مراجعنا الروحية  السمحة أو إلى حضارتنا النيرة, إنها حقائق تتنافى مع مراجعنا الدينية ومع مبادئنا الدستورية وهو كله ما يفرض إصلاحها.

ولهذا, ومنذ أن توليت مسؤولياتي, درجت على إعادة النظر في وضع المرأة داخل مجتمعنا على المستوى التشريعي والتفيذي والقضائي والمهني وما إليه, بحيث غدت المرأة في المدينة والريف, داخل الوطن وخارجه, بفضل الله و بفضل وعي المجتمع, عضوا فعالا على قدم المساواة مع الرجل على كافة الصعد.

و بهذا المسعى تحتل المرأة اليوم مكانتها في التربية والتعليم, وفي القضاء والإدارة والهيئات المنتخبة والدبلوماسية, والحكومة وما إليها. ومع ذلك, فإننا لم نبلغ بعد طموحنا في تحقيق ما نصبو إليه بالنظر إلى جملة من العراقيل الموضوعية.

 

أيتها السيدات الفضليات,

إن مشاريع الإصلاحات الكبرى في القطاعات الحساسة التي بدأناها بالتوازي مع سعينا إلى إقامة اقتصاد منتج بتوفير ضروريات الحياة, وإقامة الهياكل القاعدية رغم ما شابها من نقص وهنات أحيانا, هي اليوم شاخصة و تشد من أزرنا في سبيل مجابهة الأزمة الإقتصادية العالمية, إيمانا منا بأن النهضة لا تقوم على عنصر واحد, لهذا تدرجنا مرحليا في هذه الاصلاحات, بإعادة النظر في جملة من القضايا المصيرية لتعزيز دولة الحق والقانون, في فائدة جميع شرائح مجتمعنا, والتخلص من العقبات التي كانت إلى وقت قريب, تحد من إقلاع المجتمع نحو الحداثة والتطور. فضمن هذا التصور الإستشرافي الذي يجب أن تكون عليه الجزائر تماشيا مع واقعها, واستجابة لطموح أجيالها, طرحت الدولة تعديلا دستوريا أسهمت فيه كل أطياف المجتمع عبر المشاورات الواسعة والنقد البناء, ليكون بذلك المرجعية التي يحتكم إليها الجميع والسقف الذي يستلهم منه الإجتهاد في جميع القضايا منها العلاقات ما بين مختلف شرائح المجتمع وإدارة الحكم, وتوزيع

المسؤوليات والفصل بين السلطات, ومختلف القواعد الأخرى التي ترتكز عليها دولتنا.

 

نعتقد جازمين بأن دستورنا المعدل يوفر للجميع, سلطة ومعارضة, نساء ورجالا, أرضية صلبة لمشروع حكامه في ظل دولة الحق والقانون تضمن فيها الحريات الأساس, وتحدد المسؤوليات, وتبلور الواجبات والحقوق, ويسود فيها القانون بكل شفافية ضمن منظومة اجتماعية واضحة المعالم والأهداف.

ولا جدال في أن المرأة قد حظيت في هذه المراجعة للدستور بنقلة أخرى في ترقية مكانتها على صعيد الشغل وتقلد المسؤوليات, يستوجب العمل على تحقيقها لتكتمل نهضة الأمة.

 

أخواتي الفضليات,

وبمناسبة احتضان بلادنا الجمعية العامة الخامسة الإفريقية حول دور مصالح الأمن في وضع حد للعنف الممارس ضد المرأة والفتاة, فإن كلمتي لن تكون إلا دعوة قوية صريحة للهيئات المؤهلة من أجل إعادة النظر في تحفظات الجزائر على بعض مواد الإتفاقيات الدولية لمحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة بما يتناسب والمكتسبات التي حققناها في مجال ترقيتها وحمايتها, وذلك كله في كنف احترام مراجعنا السمحة.  كما نعتز بمساهمة بلادنا في خطة العمل التنفيذية حول “المرأة والأمن والسلام” في إطار جامعة الدول العربية بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة.

أخواتي الفضليات,

 

وقبل أن أختتم كلمتي هذه, أود أن أعود بكن إلى أوضاع بلادنا وذلك تقديرا, مرة أخرى, لدوركن في تاريخ ومستقبل بلادنا. وبالفعل, لقد كانت المرأة الجزائرية في الخندق الأمامي عندما تعلق الأمر بالكفاح من أجل استرجاع الحرية والإستقلال, وظلت كذلك في المقدمة طوال سنين البناء والتشييد في الجزائر الحرة, ويشهد لها الجميع أيضا بصمودها أثناء المأساة الوطنية لكي تبقى الجزائر واقفة.

وإذ نعتز بالعمل, منذ أكثر من عقد من الزمن, من أجل تكريس مكانة المرأة ليس في نص القانون فحسب, بل في مجتمعنا على جميع الصعد, من المدرسة الى أعلى المستويات والمسؤوليات في دواليب الدولة, فإن هذا كله يحركني في أن أستوقف الجزائريات, وبلادنا تواجه اليوم تحديات هامة وعديدة سأكتفي بذكر ثلاثة منها.

أما التحدي الأول الذي يستوقف الشعب الجزائري برمته وأمهاتنا بالدرجة الأولى, هو صون الناشئة التي زودت بالعلم وهي تبلور طموحاتنا كلها في مستقبل الجزائر والتي يجب علينا كذلك وخاصة أن نحميها من مخاطر الآفات الإجتماعية والإنسلاخ الحضاري, لكي تكون فعلا العمود الفقري لجزائر الغد.

وفي المقام الثاني, يجب على المرأة أن تساهم في توعية مجتمعنا لليقظة والمشاركة في الحفاظ على أمن الجزائر في هذه اللحظات التي تعرف فيها منطقتنا مخاطر وأزمات تزداد وتشتعل يوما بعد يوم.

وإذ نحيي الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني ومختلف مصالح أمن بلادنا على انتشار أفرادها على حدودنا وسهرهم على سلامة ترابنا الوطني, فإنه يجب على شعبنا بمختلف مكوناته أن يعي ويستوعب حساسية اللحظة, وأن يزيد من يقظته, حرصا على سلامة وطنه وحرصا كذلك على حريته.

أما التحدي الثالث الذي يجب أن أحدثكن به أخواتي الفضليات, فهو تحدي استمرار مسار تنميتنا الإقتصادية وصون خياراتنا من عدالة اجتماعية وتضامن وطني عبر المنعرج الصعب الذي تمر به مداخيل دولتنا من جراء إنهيار رهيب لأسعار النفط في السوق العالمية.

إن هذا التحدي يستدعي جميع أفراد شعبنا رجالا ونساء لبذل مزيد من الجهد والعمل بغية استغلال كامل لقدرات بلادنا لكي تجتاز الجزائر بسلامة هذه الأزمة الظرفية, بل لكي تصبح هذه الأزمة بالذات منطلقا جديدا لاقتصادنا الوطني نحو مستواه الحقيقي وتستدرك بلادنا تخلفها في مجال المنافسة الإقتصادية, ونحن قادمون لا محالة على دخولنا في معركة العولمة.

وإني على يقين أن بنات بلادي اللائي صنعن التاريخ بإمكانهن اليوم كذلك أن يعطين المثال أمام هذه التحديات الثلاث التي ذكرتها منذ حين. وأختم رسالتي هذه إليكن أخواتي الفضليات بأحر التهاني بمناسبة هذا العيد متمنيا لكن جميعا ومن خلالكن لشعبنا الأبي برمته الصحة والهناء والإزدهار في كنف الحرية والإستقرار.

 

عاشت الجزائر,

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى