الجزائر

القصة الكاملة لخلق 160 يومية :إلى جيوب من ذهب الإشهار الحكومي ؟!

                                                       * 60 يومية تسحب أقل 3000 نسخة  

نسرين لعراش

اختصر إعلان يومية “الأحداث” التوقف عن الدفع وتعليق الصدور وبالتالي تسريح عمالها، حالة الجرم المشهود(flagrant délit) الذي تعيشه الصحافة الجزائرية منذ العام 2004 على الأقل. حالة جرم حقيقية بالمعايير الاقتصادية والأخلاقية، فكيف وصلنا إلى هذه الحالة؟

القصة الكاملة بدأت مع تقرير رسمي موجه إلى الحكومة(؟) من جهات أمنية تقترح الطريقة المثلى للقضاء على قوة الجرائد ذات السحب المرتفع التي هيمنت على الساحة الإعلامية خلال تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الجديد، وهي جرائد معروفة ولا توجد حاجة لتسميتها من جديد.

وتم تصوير المشهد (الخطة) من أصحاب التقرير الذي رفع للحكومة وقتها، أن أحسن طريقة للقضاء على سطوة تلك الجرائد التي كانت مهيمنة وتسبب وجع رأس كبير، هو تطبيق ذات الفكرة التي طبقت بنجاح مع الأحزاب السياسية الكبرى وتحييدها من خلال خلق أحزاب مجهرية تناسلت في زمن قياسي مثل الفطريات الضارة حتى تجاوز عددها 60 حزبا تزين الواجهة السياسية، لكنها مضمونة الولاء وعديمة الضرر لأنها لا طعم لها ولا رائحة.

الفكرة طبقت بإحكام وبنجاح مع الجرائد، وكانت البداية باختيار بعض “الأسماء” بعضها لا علاقة له بعالم الصحافة والإعلام وزج به في المعترك حتى بلغ عدد الاعتمادات التي منحت بين اليوميات والأسبوعيات ونصف الشهرية والشهرية ما يعادل 160 يومية نهاية 2015 و31 أسبوعية و194 مجلة شهرية، مقابل 86 يومية و57 أسبوعية و149 مجلة سنة 2010، و43 يومية و63 أسبوعية  و23 مجلة شهرية عام 2005، فيما لم يتعدى عدد اليوميات 31 عام 2000 و41 أسبوعية و13 مجلة.

التهافت على إصدار المزيد من اليوميات وتحويل دورية إصدار الأسبوعيات إلى يوميات، كان بدعم من جهات نافدة جدا، وكان الاتفاق هو ضمان ريع الإشهار الحكومي عبر الوكالة الوطنية للنشر والإشهار الذي كان يوزع بقرارات من جهة أمنية نافدة، وكان معروف على نطاق واسع أن مصلحة الصحافة التابعة للمخابرات هي من يسير الإشهار.

 

أباطرة أغنياء وصحافيين فقراء

الغريب أن أموال الإشهار الحكومي التي كانت تنزل كالغيث من السماء، لم تنعكس على الوضعية الاجتماعية للعاملين في القطاع من صحفيين وتقنيين، بل كلما زاد تجار الصحافة ثراء، انحدر المستوى المعيشي للصحافيين الجزائريين.

الجريمة الأخرى في حق الصحافة، هي أن الجرائد التي ظهرت للوجود خلال العشرية الأخيرة على الأقل كان اصحابها تجارا وأصحاب مقاولات بناء واشغال عمومية وبعض رؤساء احزاب، وحتى نوابا في البرلمان، وفي أحسن الحالات موظفين سابقين في وزارة الثقافة والإعلام والأسماء موجودة ويمكن أن تنشر عند الحاجة.

لماذا نقول إن غلق “الأحداث” يكشف جريمة كاملة الأركان، ببساطة، لأن الحكومة مسؤولة بشكل أو بآخر، لعلمها الكامل من هم أصحاب الجريدة – الاحداث – والجرائد الأخرى التي يستعد أصحابها لغلقها وترك ديون متراكمة بالملايير على مستوى المطابع العمومية والهروب للاستقرار في فرنسا واسبانيا ودبي، لأنهم جمعوا ثروات تريحهم عناء البحث عن وظيفة إلى يوم الدين، كما تعرف أيضا الحكومة ملايير دينارات الوكالة الوطنية للنشر والإشهار التي حولت على ظهر عمال “الأحداث” من صحفيين وفنيين إلى أصحاب الجريدة الذين يمثلون خليطا غير متجانس من أصحاب مقاولات البناء وبعض الصحفيين وبعض الموظفين السابقين في وزارة الإعلام.

تعرفهم الحكومة جيدا ومصالح الضرائب، وتعرف الحكومة ما إذا كانوا فعلا يدفعون الضرائب المترتبة عن الثروات الخيالية التي بنوها من تحويل أموال الإشهار العمومي لأزيد من عقد من الزمن ولكنهم سارعوا إلى طعن الدولة والحكومة في الظهر بمجرد أن جف ضرع الوكالة الوطنية للإشهار، وسارعوا إلى غلق المؤسسة بدون إعطاء العمال الحقوق المنصوص عليها في القانون وشردوا تعسفيا.

هل كانت الجرائد طريقا للاغتناء والاغتراف من نبع المال العام الذي لا ينضب؟ لماذا لا يتحمل هؤلاء التجار بعض الجهد ويضعون أيديهم في جيوبهم لرد بعض الجميل وتحمل بعض العبأ في الوقت العصيب الذي تمر به الدولة وهم الذين جمعوا ثروات لأزيد من 15 عاما من البحبوحة المالية التي عاشتها جرائدهم على حساب صحفيين تعساء.

المصيبة أن الحكومة ومصالح الأمن يعرفون جيدا أن أصحاب بعض العناوين كانوا ومنهم من يواصل للأسف تحويل أموال الإشهار العمومي إلى فرنسا واسبانيا ودبي لشراء عقارات هناك، فيما لا يجد المئات من الصحفيين حتى قوت يومهم..هل يمكن سؤال مصالح الضمان الاجتماعي كم هو عدد الصحفيين المصرح بهم أو سؤال مصالح الضرائب ما إذا كان أصحاب الجرائد يدفعون حقا، وهل يمكن معرفة وجهة أموال الإشهار؟

 

إلى أين ذهبت أموال الإشهار العمومي؟

لقد بلغ رقم أعمال الوكالة الوطنية للنشر والإشهار في ذروته  200 مليون دولار في ظل المخططات الخماسية التي أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.. وفي المتوسط بلغت ميزانية الإشهار العمومي في الفترة بين 2007 و2013 ما يناهز 100 مليون دولار سنويا، فضلا عن الإشهار الخاص الذي بلغ نفس المستوى أو يقل قليلا بين جازي ونجمة وموبيليس وأزيد من 10 وكلاء سيارات في الوقت الذي بلغ حجم واردات السيارات 560 ألف سيارة سنويا.

الخطير في الظاهرة ليس تحول بعض المندسين والتجار والبنائيين ومن كان يبيع الخردوات إلى مليارديرات تحت جنح الظلام، المشكلة ليس هذه، المشكلة الحقيقية تكمن في أن كل هذه الأموال أهدرت وحول بعضها إلى الخارج ولكن الجزائر لا تملك قناة تلفونية قوية بإمكانها الدفاع عن المصالح العليا للبلاد أمام الهجمات الشرسة التي تتعرض لها حاليا، ولا تتوفر على جريدة دولية واحدة، بالإمكان أن تحمل صوت الجزائر ومواقفها في الخارج كما تفعل جرائد وقنوات دولية معروفة.

 

هل تملك الجزائر جريدة واحدة بوزن الأهرام أو الشرق الأوسط؟  

المصيبة الأكبر والطامة، أن عشرات ملايين الدولارات نهبت تحت مسمى توزيع الإشهار ولكن الحكومة لم تتمكن من بناء جرائد عمومية قوية تضاهي الأهرام المصرية أو الشرق الأوسط اللندنية.

لماذا تم تكسير، المجاهد والشعب والمساء والنصر والجمهورية، وتحويلها إلى جرائد تعيسة وهزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون(مع الاحترام اللائق للزملاء في هذه المؤسسات العريقة)..من المسؤول عن هذا الجرم المشهود؟

العيب الكبير أن الجزائر وهي من هي، وجدت نفسها مضطرة لشراء فضاءات اشهارية في جرائد دولية مرموقة عندما كانت بحاجة إلى تمرير بعض الرسائل السياسية والاقتصادية في السنوات الماضية، لانها لا تملك وسيلة اعلامية ذات نفود دولي.

60 جريدة تسحب أقل 3000 نسخة يوميا

الأرقام الرسمية التي بين أيدينا (نمتنع عن نشر الأسماء) تشير إلى أن 60 جريدة يومية وطنية ومحلية لا يتجاوز سحبها اليومي على مستوى المطابع العمومية في وهران وقسنطينة وورقلة والعاصمة، 3000 نسخة يوميا، ومع ذلك تستمر في “نهب” الإشهار العمومي.

المشكلة أن اغلب هذه العناوين لا توزع وأن أصحابها يأخذون فقط مجموعة من النسخ إلى الوكالة الوطنية للنشر والإشهار والإيداع القانوني، وباقي النسخ يتم بيعها بالميزان، على الرغم من علمهم أن الحكومة تستورد الورق بالعملة الصعبة من الخارج.

فهل فعلا مبرر الحكومة في الاستمرار بغط الطرف عن هذه الجريمة في حق الاقتصاد الوطني هو كمشة الوظائف التي توفرها هذه الجرائد، أم لحاجة في نفس يعقوب؟

الأكيد أن الحكومة لم تقدم جميلا للصحافيين خلال العقد الأخير بقدر ما سمحت لكمشة من “المحتالين” بممارسة النصب والاحتيال على الحكومة ذاتها وعلى الصحافيين بالاغتناء غير المشروع وتحويل الأموال إلى اسبانيا وفرنسا ودبي، لشراء عقارات وفنادق.

الحكومة بعد كل هذا تضع رأسها في التراب وتستمر في استيراد الورق من السوق الدولية بسعر متوسط لا يقل عن 1000 دولار للطن(جانفي 2016 تراوح السعر في السوق الدولية ما بين 11801380 US $) (الحكومة تدعم الورق المستعمل للطباعة من الشركة الوطنية للطباعة) لينتهي هذا الورق مكدسا في شكل مرتجعات الجرائد التي يقوم أصحابها ببيعه بالميزان، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام من الجرائد باللغة العربية بـ7 دج للكيلوغرام و12 دج للكيلوغرام بالنسبة للجرائد بالفرنسية، وفارق السعر يعود إلى “غيرة” أصحاب الجرائد على لغة القرآن الكريم (يا لها من حجة دنيئة) ثم تقوم الشركات التي تشتري آلاف الأطنان سنويا بطحن ورق الجرائد وتصديره إلى الدول المغاربية والإفريقية في شكل نفايات ورقية، وهكذا يتم تدوير مئات ملايين الدولارات التي تخصصها الدولة لاستيراد ورق طباعة الجرائد ومنحه بالمجان لاصحاب الجرائد الذين لا يتورعون حتى في دفع حقوق الطبع ويتركون ديون الطبع تتراكم على مستوى المطابع على أمل ان يتم مسحها يوما او انتظار اول فرصة لغلق الجريدة والهروب تحت جنح الظلام.

 

321 نشرية إلى نهاية 2015

بلغ عدد الجرائد الصادرة في الجزائر إلى نهاية العام الماضي، 321 عنوان منها 159 عنوان يومي تتراوح بين العامة والمتخصصة(رياضة، اقتصاد)، منها 86 بالعربية يبلغ مجموع سحبها 1.6 مليون نسخة، و63 بالفرنسية بسحب يبلغ 820 ألف نسخة، و26 أسبوعية بالعربية و7 بالفرنسة بمجموع سحب يناهز حوالي 800 ألف نسخة، منها 100 ألف نسخة للفرنسية.

 

* عدد الجرائد ومعدل السحب حتى نهاية 2015:

 

– 60 جريدة يومية سحبها اليومي أقل من 3000 نسخة

– 15 جريدة يومية سحبها بين 5 ألاف و30 ألف نسخة

– 05 جرائد يومية (اغلبها بالفرنسية) سحبها بين 30 ألف و100 ألف نسخة

– 03 جرائد (رياضية) سحبها بين 100 ألف و300 ألف نسخة

– 02 جرائد (بالعربية) سحبها بين 300 ألف و500 الف نسخة  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى